للطيور قلوب وللأسماك والخنازير كذلك، ولربما لكل الدواب والحيوانات قلوب نابضة،فالقلوب هي سكنى العواطف غريزيا ً!!،فيقال أن الجمل يبكي حين يشعر بقدوم الذبح،بينما تدافع القطط والكلاب عن صغارها،وتهب النسور تبحث عن الفرائس لأفراخها،ويهان الإنسان ويمتص أطنانا ً من الذلّ والنقمة والتذمر صابرا ً كي لايصاب من هم برعيته بآذى،هي العاطفة، نبضات القلوب التي تضم بجناحيها كل من غير العاقل والعاقل في آن،من له دماغ ومخ ومخيخ ومن ليس له سوى قلب ينبض،والضمير هو الفرق الشاسع اللامتناهي بين جميع أصحاب القلوب من المخلوقات، فلم نسمع أبدا ً بمصطلح مثل (الضمير الحيواني ) بل أدمنّا سماع (الضمير الإنساني )،مما يعني أن القلوب تنبض حقا ً، لكن الضمير هو الذي يوخز ويحفز ويدفع ويحرض ويثير ويعلن ويفرق ويميز ويختار...الى آخره من أفعال وصفات قواميس اللغات الحية والبائدة !! لكن الأيدولوجيات والعقائد استعمرت القلوب وترعرت في غرائز الحيوان العاقل، فتمكنت من عاطفته وعقله وضميره، وهذا امرٌ يبدو لافكاك منه.

*****

في اوكتوبر من عام 1993 جلست في نصف ارتباك أمام موظف الهجرة الأسترالي بعد حوالي ثلاثة أعوام من الإنتظار الصحرواي في شمال الربع الخالي،سألني بعد أن دقق في ملفي الإنساني المقدم له من هيئة شؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة، ماذا تود أن تفعل في استراليا،هل سوف تدرس أم تعمل؟ هل تستطيع العمل والدراسة مع بشر ليسوا من نوعك؟؟، أي ليسوا على دينك أو ليسوا لهم سحنة وجهك،ويختلفون عنك في كل شيء؟؟، هل لك أن تتزوج من استرالية مثلا؟ هل لديك مشكلة اذا كان رفيق العمل أو الدراسة ملحدا ً لادين له؟؟ هل تعارض شرب الخمور وطريقة اللبس والأزياء والمأكولات...وأسئلة عديدة اخرى ترافقها ابتسامات متقطعة،وكنت أجيب مختصرا ً اللغة العربية بكل معاجمها بـ(نعم ) مع انحناءة رأس خجولة،فكل ما ذكره ذلك الموظف يلائمني تماما ً،وحين وصلت المقابلة حد نهايتها صافحني أملا ً أن يراني مرة أخرى في أستراليا،فخرجت منه مثل طاووس،لكني بعد ساعات طارت ألوان طاووسي وخاب أملي بعد أن عرفت أن جميع من قابلهم سألهم نفس الأسئلة،والجميع نساء ورجال أجابوا بكلمة نعم مع هزات رؤوس الى الأسفل مع علمي الشديد بنفاقهم الوراثي البيئوي الساذج،فقلت لأحد المترجمين لماذا لاتترجم جملة (وأي منقلب سوف ينقلبون) وتضعها أمام موظفي الهجرة الدوليين،والكارثة أن المترجم نفسه قد إنقلب إنقلابا دراماتيكيا ً بعد أن وصل الى أحدى دول أوربا !!.

*****

في الثلاثاء الماضي،دعت السيدة شيرين حسن نائبة رئيس المجلس الإسلامي في ولاية فيكتوريا الأسترالية الى الهدوء والتسامح و الغرض من الدعوة هو تهدئة خواطر الأستراليين من غير المسلمين و المجتمع الأسترالي والرأي العام اثر الكشف عن مخطط إرهابي يستهدف مواقع عسكرية استرالية في سيدني،وقالت انها مؤمنة تماما ً بتسامح المجتمع الأسترالي الواسع المتمدن،وان ذلك سوف لن يؤدي الى تعرض المسلمين او الجالية الصومالية على وجه الخصوص الى مضايقات،لأن المتهم الأول في ذلك المخطط هو شاب مسلم استرالي من اصل صومالي،طبعا أنا لا أعرف ما هو دور المجلس الذي تنوب في رئاسته السيدة حسن وماهي انجازاته،لكني على يقين ان الرواتب والمنح التي تدفع الى المجلس وأعضائه ونشاطاته هي عبارة عن عملية تبليط للمحيطات أو مثل عمل دق مسامير في الهواء،وأن السيدة حسن لم تقرأ تعليقات الأستراليين المثيرة والمختلفة على مواقع الصحف الألكترونية التي تطاولت على كل شرق أوسطي ولاجيء ومهاجر وليس المسلمين وحسب،لذلك يقول البروفيسور الصومالي هيريس هيلول الأستاذ في قسم الدراسات الإسلامية في جامعة كوالا لامبور الماليزية وأحد ابرز أعضاء الجالية الصومالية في استرالية،انه حذر الحكومة الفيدرالية الأسترالية من أن هناك نشاطات مشبوهة ضمن جاليته قبل عامين وأنه قدم مشروعا ً حيويا ً لمعالجة ذلك،وانه كان يتوقع ماحدث،لكن الرجل علماني التفكير وليس له الثقل العاطفي المنشود، فلم يؤخذ بتنبؤاته ومقترحاته ومشاريعه، فماذا كان يفعل المجلس الإسلامي في فيكتوريا؟ وهل للمجلس المذكور او غيره من تلك المجالس والجمعيات الإسلامية اي ثقل يذكر بين الشباب المسلم المتدين في استراليا؟؟.

*****

الحكومة الأسترالية الفيدرالية عليها الكشف بعد الأن عن سجلات الهجرة الخاصة بكل المهاجرين واللاجئين وظروف هجرتهم ولجوئهم،الكشف عن الأسئلة والشروط التي ُتلقى عليهم أثناء مقابلاتهم،عن المرونة والتشبث والتوسلات والموافقات التي يبدونها في تلك المقابلات والمراجعات للحصول على تأشيرات الدخول والهجرة واللجوء الإنساني الى استراليا،فليس من المفرح أن يتم القبض على مجرم في صباح اليوم الذي ينوي فيه تنفيذ جريمته كما جرى يوم الثلاثاء الماضي بسبب عدم توفر الأدلة الدامغة ضد المشبوهين بسبب القوانين المدنية الصارمة،ففي صباح يوم الثلاثاء نفسه رفض أحد المتهمين نفسه تلك القوانين بالوقوف أمام القاضي الذي يمثل سيادة سلطة القانون الأسترالي غير الديني،متمسكا ً بحقه الديني الذي يتصوره هو، فهو لايقف سوى لربه الذي يعبده !!.

*****

وفي عود على بدء،لعل العاطفة ونبضات القلوب لاتنسي البعض خدمات استراليا الإنسانية غير الموصوفة لكل مواطن ومهاجر ولاجىء ومقيم على سواء،ولعل الضمير الإنساني يوخز كل (دابك ٍ على السطح ).

واصف شنون