بالرغم من التطورات الامنية التي يشهدها العراق وبالرغم من مرور ست سنوات على تحريره ، وبالرغم من تأسيس الاطر والهياكل الاولية لبناء الدولة. إلاّ انه من جانب اخر لازالت بعض الاطراف في بغداد تجد نفسها اسيرة الدعم الامريكي ولهذا السبب ذهب المالكي الى واشنطن يوم 12-7-2009. فالعراق مهدد سياسياً على شكليه الداخلي والاقليمي. فعلى مستوى الداخل يشهد العراق سباق حمى التكتلات والتحالفات الوقتية التي تنذر بحالة تنافسية غير صحية على المناصب العالية بعد اعلان النتائج النهائية للانتخابات التشريعية القادمة حتى بين اطراف كتل الأئتلاف الواحد. اضافة الى الخلافات الجذرية المتاصلة بين العرب والاكراد والتي اعتبرها المالكي بالمشكلة الاخطر يمكن ان تفتح الابواب واسعة لكل الاحتملات المستقبلية بين الطرفين ، وكثير من الاوساط الراصدة لاتعتقد ان زيارة غيتش الاخيرة الى كل من بغداد واربيل ستخلق العصا السحرية لأجل الوصول الى حلحلة مقنعة او مريحة بين الجانبين بقدر ماسعت الى تهدئة وقتية مرهونة بالزمن القادم وان حل المشكلة لايمكن لها ان تحل عبر الضغوطات الامريكية بقدر مايكون الحل مصنوع من داخل البيت العراقي وبقناعة الطرفين.أضافة الى انه لحد الان لم يتم البحث عى الاطر الاستراتيجية للاتفاقية الامنية. لكن يبدو ان اهم الملفات التي يشكو منها المالكي هو التدخل الاقليمي في الشأن العراقي بما يخص الانتخابات البرلمانية الاقادمة وامكانية حدوث مفاحئات تعكس الكثير من المتغيرات في العملية السياسية عى طريق مجيء وجوه بعثية غير معروفة مدعومة اقليمياً برصد مالي غير محدود وبمليلرات من الدولارات ، وتتلقى دعماً سياسياً من واشنطن ، وجوه غير مرغوب فيها من قبل بعض الاطراف العراقية في حين تحضى بتأييد القسم الاخر تطرح نفسها بأسم قائمة المستقلين ( كما تزعم ) تحركها وراء الستار شخصيات أو شخصية تمثل قمة الهرم العثي بعد صدام حسين مشمولة بقانون اجتثاث البعث ومطلوبة امريكياً وبحسب اوراق اللعب المطروحة.

هذا هو المأزق الحقيقي الذي سيواجه كتلة الائتلاف العراقي الموحد او الكتل الشيعية.
بحسب متابعتي للاحداث ان المشروع لم يكن حديث المولد بقدر ماهو نتاح اجتماعات ومفاوضات عديدة حصلت في كل من الاردن ومصر وبيروت وقطر وروسيا وتركيا بين الجانب الامريكي والفصائل المسلحة آخر هذه الاجتماعات كانت قد حصلت في تركيا في الشهر الثالث من هذه السنة.
الضغوطات الامريكية على الحكومة العراقية هذه المرة تختلف عن مثيلاتها السابقة التي اريد منها سابقاً الى تهيئة تاسيس اركان دولة تمرر من خلالها قرارات تخدم بالدرجة الاولى الجانب الامريكي كتمرير الدستور العراقي على عجل او تمرير الاتفاقية الامنية على البرلمان أو قانون النفط وتمرير عقود الانتاج النفطي الطويلة الامد. كونها تتحكم هذه المرة بتقريرمصير شكل العملية السياسية وطبيعة الحكم في بغداد والتكهنات المستقبلية لهذه الحكومة وبتعبير ادق مصير التيارات الشيعية المتنفذة بالحكم ومدى قدرتها على مواصلة التحديات القادمة التي سيخلفها هذا المخطط القادم.

فعلى عكس التوقعات التي كان يحملها المالكي من الجانب الامريكي اثناء زيارته الاخيرة لأجل الحصول على دعم سياسي امريكي قبل الانتخابات التشريعية القادمة ومعالجة الملفات الساخنة بما يتعلق من قضية الاكراد والتدخل الاقليمي في الشأن العراقي، واجه المالكي في امريكا عكس ماكان يرغب به.

فلم تكن صدفة أو أعتباطاً أن يتزامن الاعلان عن تأسيس المجلس السياسي للمقاومة العراقية المتمثلة بالفصائل المسلحة والكشف عن الاوراق المخفية التي ماكان يراد لها ان تكشف بهذه الطريقة اثناء الزيارة ، والاعلان عن مفاوضات وبروتوكولات تمت بين الجانب الامريكي وهذه الفصائل من على الارض التركية في شهر آذار من هذه السنة مما سببت له احراجاً كبيراً امام الشعب المتضرر مما جعلته ان ينكر هذه المفاوضات واعتبرها تدخلاً في الشان العراقي من قبل الولايات المتحدة وتركيا. واعتبرت الحكومة ان المجلس السياسي يمثل بقايا حزب البعث وانصار النظام السابق وهي نفسها العناصر التي تؤمن بالقتل والتفجير و تتبنى العنف و الارهاب وتعتبره وسيلة لتغيير الوضع والحكم بالعراق.
المشروع هو اشبه مايكون بتقديم عرض مقايضة سياسية للمالكي ، المالكي يطلب اثناء زيارته من اوباما الدعم الامريكي بما يخص جملة من الملفات ومن ضمنها التدخل الاقليمي والقضية الكردية ، بالمقابل موافقة امريكا على ذلك الطلب لكن بشروط قد يقبلها المالكي على مضض ، مع تعهد امريكي بتسوية وحلول وقتية بين كل من بغداد واربيل بزيارة مباشرة قام بها غيتش بعد رجوع المالكي الى بغداد.وبهذا وضعت حكومة المالكي في واشنطن بين كماشتين اما الاعتراف بكل الفصائل المسلحة التي تعتبر عزت الدوري العمود الفقري لها وبالشروط التي تضعها المقاومة من اجل اطلاق سراح جميع الاسرى المعتقلين مع اصدار قانون العفو العام لكل المطلوبين واشراكها بكل مفاصل الحكم وهذا يعني الغاء تسميتهم بالأرهابيين وسينشمل بهذا القرار الهارب عزت الدوري. او بالمقابل عدم الاعتراف بالحكومة العراقية لا أقليمياً ولا عربياً بعد الانتخابات القادمة ويمكن ارجاع العملية السياسية الى مربعها الاول.

البعض يصورالعرض الامريكي الاقليمي وبهذا الطرح سيكون بمثابة السوط الذي يهدد برياح التغيير السياسي في العراق نحو اتجاه آخر. والاعداد الى مرحلة اخرى.

السؤال الذي يبدو غريباً هو لماذا انكر المالكي من واشنطن تلك المفاوضات والبروتوكولات بين الفصائل المسلحة والجانب الامريكي واعتبرها تدخلا في الشان العراقي !!!!.في الوقت الذي تؤكد وسائل الاعلام الرسمية الناطقة بأسم الدولة سير تلك الاتفاقيات. فلا زال الامريكان لم ينسحبوا بشكل كامل من العراق وحتى انسحابهم من المدن لايعني عدم عودتهم لها عند الحاجة والطلب العراقي ، ولازال العراق لم يخرج من البند السابع ثم ان هذه البروتوكولات وقعت حتى قبل انسحاب القوات الامريكية من المدن هذا اولاً. ثانياً ان مشروع المصالحة الوطنية الذي اسس على مبدء ادخال العناصر التي ترفض المشاركة السياسية وأغلبية هؤلاء هم عناصر حزب البعث المنحل. وبالرغم من ان شروط المصالحة المعلنة لاتشمل العناصر الملطخة ايديها بدماء العراقيين ، لكن مايشاع من خلال تواجد وعودة الآلاف من البعثيين في دوائر الدولة والذين يتحكمون بسير المعاملات الرسمية ولهم نفزذ وصلاحيات تفوق احياناً صلاحيات حتى الوزير اضافة الى هناك من يوجه البعض منهم اصابع الاتهام في كثير من عمليات الخطف والتفجير ، وهذا بدوره ينفي الشرط المعلن الذي اقحم في شروط بنود المصالحة.
ثالثاً.ان اتهام بعض الاوساط السياسية العراقية الجانب الامريكي لكثير من التفجيرات التي حصلت بالعراق لأغراض معينة ولاجل خلط الاوراق السياسية يوحي بالشكل القاطع ان الامريكان لايمكن ان يكونوا امناء على مباديء وشروط المصالحة الوطنية وهم بالتالي يشكلون احد الاطراف المتهمة بالفوضى الامنية الحاصلة بالعراق.
لكن من جانب آخر لماذا تتفاوض امريكا مع هذه الفصائل المسلحة وتخرق الشروط التي وضعتها الحكومة العراقية وهي تعلم ان هذه الاتفاقيات والبروتوكولات ستغيض الحكومة العراقية وتضعفها وخاصة أمام الكتل الشيعية التي دعمتها وايدتها بإقامة الحرب على العراق.ومنذ عام 1998 بقانون تحرير العراق. لماذا تضع امريكا نفسها بموضع الطرف الغير مؤتمن والغير موثوق به امام حلفاءها الشيعة.

للاجابة على هذا السؤال يرى بعض المحللين انه ليس من المعقول ان تفرّط امريكا بعلاقاتها وصداقاتها مع دول تعتبرها العصب الرئيسي بنهوض اقتصادها المتهاوي حالياً اضافة الى ماتضخ هذه الدول من دعم سياسي غيرمحدود لأجل عملية السلام حيث تعتبرها صمام الامان لاستمرارها وتوسعة رقعتها ، الجانب المهم والاكبر ان امريكا تعتبر البعض من هذه الدول الخليجية بمثابة الثقل الاكبر والاهم ونقطة الانطلاق لمواجهة وافشال المشروع النووي الايراني. فكيف تفرط امريكا بعلاقاتها الحميمية امام تلك الاهداف فلا يمكن لامريكا التي بذلت المال والانفس ان تراهن بهذه المصالح على حساب دعم حكومة المالكي الحائرة بعض اطرافها الشيعية مابين عين لازالت بعد مرور ست سنوات تهمس بالولاء الى ايران وتعتبرها الموطن الثاني لها واخرى لأمريكا تلتمس منها الدعم والبقاء في الحكم تطبيقاً للقول المشهور (الملك عقيم).
كما ان الخبرة التي اكتسبتها امريكا في العراق جعلتها من غير الممكن الاعتماد على الاحزاب الشيعية في الحكم فالتآكل والتنافس الفئوي فيما بينها يأكل بأجساد اطرافها حولّها الى كتلة ضعيفة وهذا ما أكده رئيس الوزراء السابق ابراهيم الجعفري عندما وصف كتلة الائتلاف بالبرلمان بأنها ( اكبر حجماً لكنها ليست اكبر قوةً ). فهم متهمون بقلة الخبرة السياسية ومتهمون بعدم حرصهم الوطني حيث تغلب عليهم المصالح الفئوية وحتى المنافع الذاتية والشخصية. فالفساد المالي والاداري غلب على الكثير من المؤسسات الرسمية عن طريق الصفقات والمشاريع الوهمية والتعيينات وتفضيل المواقع و تسيير سرعة المعاملات وبحسب الاولوية في القربى والعلاقات الشخصية وما الى ذلك مما ادى الى تراجع حضوضهم من قبل الشعب في انتخابات مجالس المحافضات ، في نفس الوقت لاتستثنى الكتل السنية من كل هذا الفساد لكن الحكومة متهمة بأنها تمثل اكبر كتلة برلمانية شيعية تعتمد الدين الاسلامي النزيه هو المقياس و الفاصل في تحركاتها وقد اشبعوا الناس مدة خمس وثلاثين عاماً بمفاهيم الاستقامة والنزاهة قبل سقوط النظام الصدامي...!!!!!.

مرة اخرى لماذا انكر المالكي هذه البروتوكولات في حين نشرت صحيفة الصباح الرسمية في 22-6-2007 عن مستشار الامن القومي موفق الربيعي ان مفاوضات غير رسمية جرت بين جميع الفصائل المسلحة بإستثناء القاعدة وبين الجنرال البريطاني السابق غرايام لامب الذي لعب دور المنسق الوسيط في هذه المفاوضات وان الحكومة العراقية وفّرت مناخاً ملائماً لعقدها وان اغلب الاجتماعات عقدت في السفارة البريطانية وان الحكومة العراقية على اطلاع كامل بمجرياتها وتفاصيلها مؤكداً ان قسم من هذه الاجتماعات عقدت في اقليم كردستان والقسم الاخر في خارج العراق كما اكد ان هذه المجموعات ابدت رغبتها في الدخول بالعملية السياسية والحصول على دور في الدولة واجهزتها اضافة الى صدور عفو عام عن جميع المطلوبين والسجناء.
هذا تصريح واضح يؤكد شروط الفصائل المسلحة وما اعلنه المطارد عزت الدوري قبل ايام عن شروط ادخال هذه العناصر للعملية السياسية القادمة وهي اطلاق سراح كل السجناء العراقيين واصدار عفو عام عن المطلوبين واقحام كل هذه الفصائل بجميع مفاصل ومؤسسات الدولة.

وكانت قد نقلت صحيفة نييورك تايمز ان السفير الامريكي السابق كان قد زار الاردن مطلع عام 2006 واجرى محادثات مع ممثلين من الجيش الاسلامي وكتائب ثورة العشرين وبحسب الصحيفة ان زلماي رفض اعطاء المزيد من المعلومات عن مضمون المحادثات ،كذلك نشرت جريدة الحياة في عددها 30-3-2007 نقلا عن مقربين من الجماعات المسلحة ان سبعة فصائل مسلحة من الانبار وديالى وصلاح الدين عقدوا لقاءات مع مسؤولين حكوميين.
كما تشير بعض المصادر ان عواصم عربية شهدت جولات من هذه المفاوضات بين القيادات المسلحة والامريكان كأجتماع بيروت عام 2005 حتى موسكو كان لها دوراً في حورا بين قيادات بعثية وسياسيين امريكان ، لكن تشير بعض الاوساط ان اهم هذه اللقاءات تلك التي جرت في شرم الشيخ و كانت على هامش مؤتمر خص العراق حضرها مقربون من المقاومة.

وقد اعلن قبل شهرين الشيخ حارث الضاري عن تأسيس مايسمى بالمجلس السياسي للمقاومة العراقية مؤكداً مشاركة ثلاثة عشر فصيلاّ في العملية السياسية القادمة للانتجابات التشريعية القادمة.
الاعلان عن تشكيل المجلس السياسي للمقاومة العراقية كان قد وصفه النائب في البرلمان العراقي والشخص الثاني لحزب الدعوة الاسلامية وصفه بالتجمع الشيطاني وانه يهدف الى الغاء العملية السياسية واعتبر الاديب ان المجلس يقف وراءه عزت الدوري الرجل الذي اشترك بكل القرارات التي اصدرها صدام حسين وقال فما الذي تبدل الان ؟؟ لكن صالح المطلك اعتبر المجلس بالفرصة المناسبة لتحقيق المصالح الوطنية كما حضى المجلس بتأييد جبهة التوافق.

الكتل والعناصر التي تؤيد وستدعم هذا التشكيل الجديد للانتخابات القادمة بأسم ( المستقلين ) من المتوقع ان تشكل مع المجلس جبهة قوية تستطيع ان تعطل القرارات داخل البرلمان وتهيء ارضية مناسبة تستطيع بعدها وفي الدورة الثالثة من الفوز و السيطرة مرة اخرى على زمام الحكم.

المفاوضات الامريكية مع الفصائل المسلحة المدعومة اقليميا واعدادهم مستقبلا لم تهدف السيطرة على الحكم في بغداد فقط وانما يسعى المشروع الى الاعداد الى مرحلة قادمة تستفيد منه كل الاطراف الاقليمية والامريكية والصهيونية وهي مرحلة الاعداد الى مواجهة المشروع النووي والخطر الايراني لذا لم يأتي تسليح الجيش العراقي بأضخم عملية تسليح برا وبحرا وجوا لاجل محاربة اسرائيل او السعودية وحتى لن تكون الكويت !!!!! لقد رصد تسع مليار دولار حاليا لاجل شراء مقاتلات حربية اقلقت كل من الكويت وايران.
لكن بما يخص العملية السياسية في العراق لابد ان المعنيين في الحكومة قلقون من تنامي هذه المفاوضات والبروتوكولات واللقاءات الحاصلة بين المسلحين والجانب الامريكي وقد عبرعنها الاديب بأنها انقلاب على العملية السياسية فهل وضعت الكتل المعنية البدائل المعينة والاستباقية لهذا المشروع القادم الذي يشم منه رياح التغيير !!!! ام انها تقلل من قيمتها واحتمالاتها وستتركها الى صناديق الاقتراع ؟