د . عدنان السيد حسين
لا تزال الشكوك تحيط بخطة الرئيس الأمريكي جورج بوش لإنقاذ النظام المصرفي، إذ أن المرشحين للرئاسة باراك أوباما وجون ماكين يسألان عن مدى نجاحها في وقف الأزمة المالية التي صارت عالمية؟

تكلفة الحرب الأمريكية على العراق بلغت حتى الآن 581 مليار دولار، وتكلفة الحرب الفيتنامية لم تصل الى هذا الرقم . أما موازنة وزارة الدفاع فوصلت سنوياً الى 612 مليار دولار . وعلى ذلك يمكن الاستنتاج بأن ما حصل ويحصل في القطاع المصرفي الأمريكي بعد إفلاس مصرف ليمان براذرز هو الأخطر والأكثر تكلفة، لماذا؟

لأن الأزمة المصرفية صارت أزمة مالية أمريكية وعالمية، بفعل العولمة التي فتحت الأسواق أمام تدفقات رأس المال بغير ضوابط كافية . فالركود الاقتصادي يعمّ العالم، فيما تتراجع قيمة الأسهم المالية بنسبة 9 في المائة عالمياً، وما على المصارف المركزية في أمريكا وأوروبا والصين وروسيا واليابان سوى التدخل بضخ الأموال في الأسواق . هكذا عدنا الى سياسة التدخل المالي المركزي من جانب السلطة العليا، كما يفعل مجلس الاحتياط الفيدرالي الأمريكي (المصرف المركزي) وللمرة الأولى بهذا الحجم منذ الأزمة الاقتصادية العالمية في العام 1929! وتتراجع فكرة حرية السوق، وعمله التلقائي القائم على قانون العرض والطلب، تحت ضغط الأزمة المالية العالمية الجديدة . وللمرة الأولى بعد انقضاء الحرب الباردة، تدرك الدول الصناعية أنها على أعتاب أزمة عالمية قد تطول، وستترك آثارها السلبية على الاقتصادات العالمية جميعها، شمالاً وجنوباً .

حتى الآن، تجاوزت الخسائر المالية العالمية تريليون دولار! ويمكن أن يرتفع هذا الرقم نتيجة تداعيات الأزمة على الرغم من الإجراءات المالية الوقائية المقررة . ومن المتوقع أن يرتفع الدين العام الأمريكي من 10،6 الى 11،3 تريليون دولار، هذا على سبيل المثال لا الحصر .

هل هذه الأزمة مفاجئة؟

لا، حسبنا مراجعة تفاصيل أزمة الرهن العقاري في الولايات المتحدة قبل سنة ونصف السنة، وكيف تفاعلت داخلياً وخارجياً وأثقلت كاهل الاقتصاد . فالخسائر التي لحقت بالأسواق المالية من جرائها في أغسطس/ آب الماضي بلغت أكثر من تريليون دولار، وهي توزعت بين عدد من الدول بحكم عولمة النظام النقدي العالمي .

ونتيجة المضاربات المالية في الأسواق، ارتفعت أسعار النفط . قد تُطرح أسباب أخرى، بيد أن السبب الأبرز هو المضاربات، كما أعلن الملك عبدالله بن عبدالعزيز في اجتماع جدة لممثلي دول ldquo;أوبكrdquo; والشركات النفطية الكبرى . وما كانت تلك المضاربات لتحصل لولا العولمة المالية والاقتصادية، تحت عناوين كبرى: حرية التجارة العالمية، حرية تدفق رأس المال، تحرير الأسواق، إطلاق الاستثمارات العالمية بعيداً من الضوابط الوطنية أو الإقليمية .

اليوم، تتفاعل الأزمة المالية العالمية مع مشكلة ارتفاع أسعار المواد الغذائية . وبينما تطرح الأمم المتحدة برنامج مكافحة الجوع، والقضاء على الفقر بنسبة خمسين في المائة حتى العام ،2015 يزداد عدد الفقراء، وتتسع دائرة التصحر لتصيب بخسائرها ملايين الفقراء والجائعين، بدءاً من شرق إفريقيا . فمن يعيد ترتيب الأولويات والحال هذه على الصعيد المالي والاقتصادي؟ قد يُقال البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، بحكم طبيعتهما وعلاقتهما بالأمم المتحدة . بيد أن التمويل يحتاج الى قرارات من الدول الصناعية، وفي طليعتها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، التي تكابد اليوم لمعالجة المشكلات المالية المتلاحقة، وصولاً الى الأزمة المالية الراهنة . كل ذلك يجري في الوقت الذي يشهد غياب الشفافية في الأسواق المالية بفعل المضاربات، وتبادل الاتهامات بين الدول الصناعية حيال أسباب الأزمة وطرق معالجتها .

المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل تنتقد واشنطن ولندن لأنهما لم تطبقا قواعد الشفافية لفترة طويلة، ما تسبب باتساع نطاق الأزمة، وترفض سياسة التدخل المالي المركزي في الأسواق انطلاقاً من واقع ألمانيا الحالي الذي لم يتأثر كثيراً بتداعيات الأزمة . وتبقى معالجة الأزمة مسؤولية دولية .

تحتاج الدول العربية، وخاصة دول الخليج منها، الى تحرك فاعل إقليمياً ودولياً لمواجهة تبعات الأزمة، والتطلع الى بناء الوحدة النقدية الخليجية . هذا فضلاً عن اتخاذ إجراءات وقائية من شأنها معالجة الآثار السلبية للأزمة، وكيف إذا طالت وتمدّدت لتصيب النظام الاقتصادي العالمي بالركود؟