تُثير تجربة القرض العقاري الميسر المستحدثة في الجزائر، تساؤلات عديدة وسط السكان المحليين الذين أصيبوا بخيبات أمل بعدما منوا أنفسهم بحلم امتلاك سكنات، حيث تبيّن أنّ العرض الحكومي الموسوم بـquot;العائمquot; لا يستجيب لتطلعات ملايين الموظفين محدودي الدخل.

الجزائر: تعرف صيغة القرض العقاري الميسر التي أطلقتها الحكومة الجزائرية في 14 مارس/آذار الماضي من أجل تمكين مواطنيها من اقتناء سكنات ترقوية جماعية أو بناء سكنات ريفية، لغطا كبيرا، حيث وجد المعنيون الذين تهافتوا بكثافة، أنفسهم أمام عرض بنكي مغري لكنهم لا يملكون إجابات واضحة عن تساؤلاتهم الكثيرة حول شروط الحصول اليه.

ويقول هشام (36 سنة) وهو متزوج ويعيش في شقة مؤجرة مقابل 25 ألف دينار شهريا (ما يعادل 290 دولارا)، أنّه ارتاح لدى الإعلان عن ترسيم القروض الميسرة ورأى فيها متنفسا للأزواج الشباب، لكنّ ارتياحه سرعان ما استحال إلى خيبة، في ظلّ ما يلف العملية وطابعها التعجيزي، ويتساءل في تصريح لـquot;إيلافquot; كيف يكتفي البنك بعد إجراءات ماراثونية وتعقيدات إدارية دفع 10 بالمائة فحسب من القيمة الإجمالية الذي يريد شراؤه، مبديا استغرابه:quot;من أين لموظف مثلي أن يوفر مبلغا ضخما للحصول على شقة؟quot;.

كما يلفت فوزي (42 عاما) وهو متزوج وأب لطفلين، أنّه جد مهتم ببناء منزل ريفي يتماشى وذوقه، لكنه ليست لديه أدنى فكرة على المناطق المصنفة كريفية ولا على الشروط المطبقة في هذا المجال، رغم اقترابه من البنك لاستيضاح الموقف، علما أنّ معدوا القرض يلزمون كل راغب في الحصول عليه بجلب وثيقة من مرقي عقاري معتمد، تخص سكنا جديدا خاضعا إلى نظام الملكية المشتركة يكون إما جاهزا أو في إطار البيع على مخطط، وكذا على بناء سكن ريفي بموجب قرار الأحقية بدعم الدولة في اطار السكن الريفي تسلمه لجنة ولائية مختصة، في حين أقصى الإجراء جميع السكنات الفردية التي جرى بيعها بين خواص، بينما يرجح مصرفيون أن يتم تأهيل جميع عقود شراء السكنات بصيغة quot;البيع حسب مخططquot; المبرمة مع مرق عقاري خاص أو عمومي.

بيد أنّ أبو بكر (44 عاما)، عمار (39 عاما)، وخالد (37 عاما) وهم أرباب عائلات ويشتغلون في شركة سكك الحديد، يستهجنون ما هو حاصل، ويتساءلون كيف يمكنهم افتكاك سكنات في ظل الأسعار المرتفعة التي يقترحها عموم المُرّقين العقاريين، وإحجام البنوك عن منح قروض تكون قيمتها موازية لتلك الأسعار، ما يجعل من نيل مسكن أمرا صعب المنال.

ولتفادي الإشكال الحاصل، يعوّل مواطنون آخرون على غرار رشيد (28 سنة) المقبل على الزواج، وصديقاه فتحي (30 عاما) وسليم (26 سنة) على حل مشكل التمويل، بشراء شقق من خواص في مناطق بعيدة تمتاز بأثمانها المتراجعة قياسا بتلك الموجودة في العاصمة وضواحيها.

اللافت، أنّه ورغم أنّ السلطات ألزمت جميع المصارف المملوكة للحكومة بالاندراج في تطبيقات القرض العقاري المذكور، إلاّ أنّ صندوق التوفير والاحتياط هو الوحيد الذي بدأ فعليا، بينما لم تشرع فيه سائر البنوك الأخرى على غرار القرض الشعبي الجزائري، بنك الجزائر الخارجي، وبنك الزراعة والتنمية الريفية، والأدهى أنّ مسؤولا ببنك الجزائر الخارجي ndash; طلب عدم ذكر إسمه ndash; يعترف بالقول:quot;يأتينا الناس كل يوم للاستفسار حول هذه العملية، لكننا بدورنا لا نعرف تفاصيلها ولا تاريخ الشروع فيهاquot; (..).

وبالنسبة لصندوق التوفير والاحتياط الأعرق من نوعه في تمويل السكنات بالجزائر، فعمد مسؤولوه إلى تخفيض المدة القصوى لدراسة الملفات إلى تسعة أيام، بعدما كانت بحدود 40 يوما في السابق، ما جعل الطلب على هذه القروض يرتفع بشكل محسوس، وتفيد نصيرة ايباريسان المكلفة بالاتصال على مستوى الصندوق، أنّ ما لا يقل عن مائة شخص يتوافدون يوميا على البنك للاستعلام حول القرض أو لايداع ملفاتهم.

وردا على المنتقدين، توضح إيباريسان أنّ تكوين ملف القرض يخضع الى القوانين والشروط المعمول بها، حتى يتسنى للمواطنين الذين تتوفر فيهم المواصفات الاستفادة من القروض وفوائدها الميسرة بشكل سريع، ويعتمد البنك في تقدير مبلغ القرض- طبعا في حالة توفر الشروط- على ثلاثة معايير دون غيرها و هي عمر المقترض، دخله الشهري وسعر السكن، مع الإشارة أنّ الفائدة الميسرة محددة بـ1 بالمائة بالنسبة للمداخيل التي لا تتعدى 6 مرات الأجر الأدنى المضمون وبـ3 بالمائة بالنسبة للمداخيل التي تمثل 7 إلى 12 مرة الأجر ذاته، بعدما كانت نسبة الفائدة قبل الاجراء الجديد تتراوح بين 5.75 بالمائة و8 بالمائة.

بدوره، يدافع عبد الرحمن بن خالفة المفوض العام للجمعية الجزائرية للبنوك والمؤسسات المالية، عن التوجه المعتمد من حيث إعطائه الفرصة للمقترضين للحصول على قرض أكبر وأقل كلفة و يتماشى مع القدرة على التسديدquot;.

ويشرح بن خالفة لـquot;إيلافquot; أنّ الفائدة المخفضة لا تمس سوى السكنات الجديدة الجماعية الناتجة عن عقد مع مرق عقاريquot; وquot;البناءات الريفية المرفقة بقرار أحقية الحصول على دعم الدولة ممنوح من لجنة ولائية.

ويشدّد المسؤول ذاته :quot;الإجراء يستند مبدئيا لصيغة اقتصادية وليس ادارية، فدراسة الملفات يتم معالجتها حالة بحالة من خلال دراسة السن، ومعدل الدخل الفرديquot;، ويضيف بن خالفة أنّ القرض على ما ينطوي عليه من تسهيلات بمنظاره، وُضع لفائدة الطبقة الوسطى التي لا تتجاوز مداخيلها 12 مرة الأجر الأدنى المضمون وليس لتمويل السكنات الفخمة.

وبخصوص المساهمة الفردية الدنيا التي يشترطها البنك على المقترض يفصل بن خالفة قائلاquot; لا يمكن منح القرض البنكي الا موازاة مع تمويل المستفيد لاجمالي سعر السكنquot;، وبشكل أدق، إذا استفاد سكن قيمته ثمانية ملايين دينار من قرض بنكي ميسر بستة ملايين دينار، فإنّ المقترض ملزم بدفع المليوني دينار المتبقية ليتمكن من الحصول على القرض.

ويؤكد بن خالفة أنّ الدولة ساعدت المقترضين، حيث في حالة عدم تجاوز الدخل الشهري للمقترض سقف 80 ألف دينار (في حدود ألف دولار)، يمكن للصندوق المحلي للسكن التدخل لتغطية جزء من المساهمة الفردية للشخص المعني من خلال منحه مساعدة بقيمة سبعمائة ألف دينار، معتبرا أنّ البنوك لا تعير اهتماما سوى لشيء واحد وهو قدرة المقترض على تسديد القرض طبعا مع الأخذ بعين الاعتبار ديونه السابقة لذا فإنّ طالب القرض ملزم بالتصريح للبنك بكل ما سبق له اقتراضه علما أن للبنك وسائله الخاصة لمراقبة هذا الجانب.

ويدافع بن خالفة عن إقصاء جميع السكنات الفردية التي جرى بيعها بين خواص، بعدم معقولية تمويل الدولة لأرباح محققة بين خواص، وهو بذلك يشير الى السوق الثانوية للسكن التي تعرف أسعارها منذ بضع سنوات التهابا غير مسبوق جعل سعر شقة من ثلاث غرف في حي quot;شعبيquot; تصل إلى حدود عشرة ملايين دينار أو ما يفوق ذلك، لذا جرى تحديد 12 مليون دينار كسقف لسعر السكن المعني بتخفيض الفائدة، مع تكفل كل بنك بتقييم قدراته التمويلية.

ويلح بن خالفة على أنّ القرض الجديد الميسر سيزيد منظومة العقار في الجزائر quot;سعة وعمقاquot; على حد تعبيره، محيلا إلى سوق القرض الذي تجاوز 18 بالمائة في الجزائر بينه القرض المتنوع الذي يتحصل عليه المواطن وفقا للتسويق البنكي والعمل المصرفي للمؤسسات البنكية التي تقوم بتمويل المشاريع العقارية، كشراء سكنات، قطع أراضي، بناء وتهيئة.