&باريس: من انهيار الروبل الروسي والنايرا النيجيرية إلى السياسات الصارمة للمصرفين المركزيين السويسري والياباني، تعود قضية أسعار الصرف إلى الواجهة بقوة ومعها مخاوف وتكهنات بحرب عملات يمكن ان تستعر في 2015.لكن الخبراء الاقتصاديين يرون انه لا يمكن لاي بلد ان يسمح لنفسه بخوض حرب عملات مفتوحة، لذلك يتوقعون انها ستكون حربا بأسلحة غير تقليدية.و»حرب العملات» هي سباق بين الدول التي تخفض بلا توقف أسعلر الفائدة لدفع اسعارصرف عملاتها إلى الانخفاض من أجل تعزيز الصادرات. وهي ظاهرة اعمق من الصدمات العنيفة والمتقطعة المرتبطة بانخفاض اسعار النفط الذي أدى إلى انهيار الروبل الأسبوع.

اما نتائج فهي حالات ارتفاع حاد في التضخم وزعزعة كبيرة في الاقتصاد. وكانت أزمة ثلاثينات القرن الماضي مرتبطة بخفض لأسعار العملات بدأ بالجنيه الإسترليني.
ولخص «مجلس التحليل الاقتصادي»، الذي يضم خبراء يقدمون المشورة للحكومة الفرنسية، الوضع بالقول انه «لا يمكن ان يكون لدى الجميع عملة ضعيفة في وقت واحد. فاذا انخفض سعر عملة يرتفع سعر اخرى»، مشيرا إلى ان «مفهوم حرب العملات ولد من هذه الحقيقة الحسابية اي ان السباق إلى خفض قيمة عملة لا يمكن ان ينتهي الا بشكل سيء».
&
ونشر نورييل روبيني، الخبير الاقتصادي الذي اشتهر بتوقعه للأزمة المالية في 2008، في مطلع كانون الاول/ديسمبر الجاري مقالا بعنوان «عودة حروب العملات».
ويدقق الرجل في مقاله في قرار البنك المركزي الياباني تعزيز سياسة التيسير النقدي التي يتبعها في خطوة فاجأت الجميع، مما ادى إلى تراجع سعر الين.ويرى روبيني انها «استراتيجية +كل واحد يعمل لمصلحته+ تؤدي إلى ردود فعل في آسيا وجميع انحاء العالم». وتوقع انعكاسات لذلك على كوريا الجنوبية، المنافسة المباشرة للصادرات اليابانية، حيث اضطر المصرف المركزي لخفض معدلات الفائدة مرتين خلال ستة اشهر لاحتواء الوون (العملة الكورية).
&
ومنذ نشر هذا المقال تصاعد التوتر في أسواق الصرف، خصوصا في الدول الناشئة، التي تعاني من آثار تراجع اسعار النفط وتقلبات في اسعار الروبل وانهيار كامل لسعر النايرا العملة النيجيرية. وفي تركيا وصل سعر الليرة إلى ادنى مستوى تاريخي له.اما العملة الأوروبية الموحدة (اليورو) فقد خسرت منذ بداية العام اكثر من عشرة في المئة من قيمتها مقابل الدولار بعد إعلانات للمصرف المركزي الأوروبي تخالف سياسة التشدد النقدي الاميركية.في المقابل تبذل سويسرا جهودا شاقة في مواجهة ارتفاع سعر عملتها. وقد اضطر مصرفها المركزي يوم الخميس الماضي لاتخاذ قرار غير عادي اطلاقا، وهو ادخال معدلات فائدة سلبية على ودائع المصارف. اي انها تفرض ضريبة لوقف تدفق رؤوس الأموال بينما يلجأ المستثمرون إلى الفرنك السويسري بسبب ضعف العملات الاخرى.
&
لكن انتون بريندر، كبير الاقتصاديين في مجموعة «كاندريام»، لا يرى في كل هذا حرب عملات، بل ردود فعل دفاعية وهجمات متفرقة. وقال «نحن في وضع بالغ التوتر حيث لا يمكن لاي بلد ان يتحمل ارتفاعا كبيرا في سعر عملته، اكثر مما هي حرب عملات».واضاف ان هذه بداية لانه «في الاقتصادات المتطورة كل معدلات الفائدة للمصارف المركزية معدومة او شبه معدومة»، اي ان السلاح التقليدي لخفض سعر العملة لم يعد متوفرا.
&
تبقى المناورات غير التقليدية اي شراء كميات كبيرة من الاسهم، كما جرى في الولايات المتحدة ويجري في اليابان، وقد يقوم به البنك المركزي الاوروبي. وتابع «لكن خفض معدلات الفائدة سيكون تأثيره طفيف».وحتى إذا كانت المناورات الكبرى للبنك المركزي الأوروبي منتظرة العام المقبل، لا يتوقع اي خبير اقتصادي انخفاض سعر اليورو كثيرا.اما الولايات المتحدة فتشكل استثناءاً باقتصادها المتين ومصرفها المركزي المستعد لزيادة معدلات الفائدة.
&
ويرى العديد من المحللين ان تطور اسعار الصرف سيكون مرتبطا خصوصا بمدى استعداد الاميركيين لرفع سعر عملتهم التي سجلت زيادة نسبتها 14 في المئة مقابل الين منذ بداية العام.والأمر الأساسي الآخر هو سعر النفط. فاذا بقي منخفضا فان ذلك سيحمي إلى حد ما الموازين التجارية للدول المستهلكة، ويجعل الدول اقل ضعفا في مواجهة تقلبات اسعار الصرف إلا تلك الدول المنتجة التي تعتمد كثيرا على عائدات تصدير الذهب الاسود.