يصنف ماثيو ريد السعوديين بين رابحين وخاسرين من الرؤية الاقتصادية 2030 التي أعلنها الأمير محمد بن سلمان، خصوصًا أنها أكثر رزمة إصلاحية شمولًا، لم ينفذ مثلها في المملكة.

إيلاف من الرياض: منذ أن أعلن ولي ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان عن رؤية السعودية 2030 وحتى عام 2030، تبقى هذه الرؤية الاقتصادية الإصلاحية شغل الخبراء الشاغل، إذ تشكل رزمة الإصلاح الاقتصادي الأكثر شمولًا في تاريخ المملكة العربية السعودية، بحسب الخبير ماثيو ريد، في دراسة بعنوان "الرؤية السعودية 2030: الرابحون والخاسرون"، نشرها موقع مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي.

يصف ريد هذه الرؤية بأنها "برنامج نيوليبرالي لخصخصة قطاعات بكاملها، وزيادة الإيرادات غير النفطية، وخفض الدعم الحكومي، واستمالة المستثمرين في الداخل والخارج، وترشيد الخدمات الحكومية، وطرح أسهم شركة النفط الوطنية (أرامكو السعودية) للاكتتاب العام، فضلًا عن مئات المبادرات الأخرى".&

ويردّ دافع إقرارها إلى التراجع الكبير في أسعار النفط العالمية، ويقول: "في حال طُبِّقت الرؤية السعودية 2030 بنجاح – وثمة علامة استفهام كبيرة حول الموضوع – سيكون هناك رابحون وخاسرون في المجتمع السعودي".

توسيع القاعدة التصنيعية
تسعى هذه الرؤية إلى توفير الحلول الممكنة لعدد من المسائل الاقتصادية، في مقدمها البطالة المرشحة نسبتها للتصاعد. يقول ريد: "تواجه السعودية فورة كبيرة في أعداد الشباب (نحو 70 في المئة من السكان دون سن الثلاثين)، ويُتوقَّع أن يتقلّص القطاع العام المعتمِد على النفط في السنوات المقبلة، وأداء القطاع الخاص دون المستوى بسبب البيروقراطية المفرطة وغياب الاستثمارات".&

بالتالي، هدف الرؤية السعودية 2030 تعزيز صناعات أقل متانة توظّف مواطنين سعوديين من خلال الاستثمارات الخارجية والمباشرة، "وسيقود صندوق الثروة السيادية في البلاد، المعروف بصندوق الاستثمارات العامة، هذا المجهود. ومن شأن النقل المقترح لأسهم عائدة لشركة أرامكو إلى صندوق الاستثمارات العامة أن يجعل منه صندوق الثروة السيادية الأكبر في العالم". وهكذا، يكون الشباب السعودي أحد الرابحين.

يلفت ريد في مقالته إلى أن تنويع الاقتصاد يتوقف على توسيع القاعدة التصنيعية في السعودية. فمن الأهداف الطموحة تصنيع 50 في المئة من العتاد والمعدات العسكرية، بما فيها الطائرات المتطورة، داخل المملكة، في حين تستورد السعودية حاليًا 98 في المئة من احتياجاتها العسكرية.&

وعلى الرغم من أن السعودية تملك قطاعًا بتروكيميائيًا متطورًا وناجحًا لناحية تنوّع السلع المنتَجة وقيمتها، "يمكن اتخاذ المزيد من الخطوات لضمان استخدام تلك المنتوجات في الداخل. ومن شأن إنتاج سلع منتهية أكثر قيمة مثل المواد البلاستيكية – بدلًا من تصدير المواد الكيميائية التي تُصنَع منها المنتجات البلاستيكية – أن يؤمّن مزيدًا من الوظائف لأبناء البلاد".

مليون وظيفة جديدة
يمثل قطاع التجزئة في المملكة أولوية أيضًا، إذ يمثّل السعوديون 20 في المئة فقط من القوة العاملة. وقد أتاحت رؤية 2030، أول مرة في تاريخ السعودية، تملُّك الأجانب متاجر للبيع بالتجزئة بالكامل، وزيادة الاستثمارات الخارجية، "وتعتقد الحكومة أن من شأن هذه الإجراءات توليد مليون وظيفة جديدة في قطاع التجزئة بحلول سنة 2020".

وتسعى الرؤية إلى رفع نسبة مشاركة المرأة في سوق العمل من 22 إلى 30 في المئة بحلول عام 2030، "وتدعو الحكومة إلى توظيف عدد أكبر من النساء مع العمل على تعزيز خيارات العمل انطلاقًا من المنزل وتأمين مواصلات برسوم معقولة للنساء".&

إصلاحات عديدة
يرى ريد في الرؤية السعودية 2030 أبعد من فرص اقتصادية متاحة، "متوقعًا أن تستفيد المملكة من إصلاحات عدّة، الهدف منها جعل الخدمات العامة أكثر استجابةً للاحتياجات. يقول: "على الرغم من أن غياب الشفافية علامة دامغة من علامات النظام السعودي، تشمل الإصلاحات إجراءات جديدة للمساءلة العامة، مثل التدقيق الداخلي المنتظم في الإنفاق، ورصد الإنجازات والإخفاقات الوزارية. ويتعهّد برنامج التحول الوطني 2020 – الخطة الخمسية الأحدث التي أقرّتها الحكومة في السادس من يونيو الماضي – بإنشاء لوحة مؤشرات الأداء"، وهي تقرير عن التقدّم يُنشَر عبر الإنترنت، ويُحدّث بصورة مستمرة، في إطار جهد منسَّق لتوسيع الحكومة الإلكترونية. وهذا يساهم أيضًا في تسريع الإجراءات البيروقراطية.

كما يعِد برنامج التحول الوطني بخفض مدة الانتظار للحصول على أذون، وللإفادة من الرعاية الطبية وصدور القرارات القضائية، فضلًا عن تحسين الخدمات كالإنترنت السريع ومكافحة الحشرات الضارة. على مستوى الوزارات، عدد كبير من المبادرات المماثلة في الرؤية السعودية 2030 متواضع ومنطقي، وكان يجب تطبيقه منذ وقت طويل. وهكذا، يكون ريد قد صفّ الرابحين كلهم هنا، وهم السعوديون من كل الشرائح الاجتماعية.

الأثرياء يدفعون أكثر
أول الخاسرين، بحسب ريد، هم الأثرياء السعوديون. فعلى الرغم من بقاء مصالحهم من دون تأثر، لكنهم سيستفيدون بدرجة أقل من سخاء الدولة السعودية. يقول: "تأمل وزارة المال التي تدير جباية الضرائب بمختلف أشكالها، بمضاعفة الإيرادات غير النفطية ثلاث مرات، من خلال جباية ضرائب جديدة على كماليات غير محددة من جملة تدابير أخرى.&

سيُفرَض أيضًا على السعوديين الأثرياء تسديد ضرائب عن الأراضي غير المستصلَحة في المدن، التي يحتفظ بها منذ سنوات أشخاص ينتظرون من الحكومة أن تشتريها أو يتحيّنون فرصة إبرام عقدٍ ضخم مع أحد المتعهّدين، "إذ تأمل السلطات بأن يتخلّى مالكو الأراضي عن الأرض بسهولة أكبر عندما يصبح مجرد الاحتفاظ بها أمرًا مكلفًا. ثم قد تُستخدَم تلك الأراضي في مشاريع إنمائية لخدمة المصلحة العامة، ويمكن أن تساهم في معالجة النقص الحاد في المساكن ذات الأسعار المعقولة"، وفقًا لمقالة ريد.

يقول الأمير محمد إن 70 إلى 80 في المئة من الدعم الحكومي يصبّ في مصلحة الأثرياء، في تقديرات تتلاقى مع أرقام صندوق النقد الدولي. وبحسب الخطة الجديدة، يدفع السعوديون الأثرياء مبالغ أكبر بكثير مقابل الماء والتيار الكهربائي، في حين أن من يستهلكون كميات أقل يدفعون رسومًا أقل، وتنوي الرياض مساعدة الطبقتَين الوسطى والدنيا بصورة مباشرة من خلال التحويلات النقدية الاستهدافية التي ستعوِّض عن ارتفاع تكلفة المعيشة جراء خفض الدعم الحكومي، بحسب الخطة المرسومة.

اختبار هائل
يتوقع ريد أن تخفّض وزارة الخدمة المدنية إنفاقها على الرواتب بنسبة 20 في المئة بحلول عام 2020، علمًا أن جزءًا من هذا الوفر تؤمّنه خصخصة قطاعات تتولّى الحكومة حاليًا إدارتها.&

يضيف: "تطرح الرؤية السعودية 2030 وبرنامج التحول الوطني الأكثر خوضًا في التفاصيل تساؤلات أيضًا عن كفاءة المسؤولين المكلّفين بالإصلاح. والمشروعان أشبه بخطط العمل التي تضعها الشركات، حيث يتم التشديد على مشاريع قابلة للقياس والتنفيذ في منظومة غير مألوفة بالنسبة إلى عدد كبير من السعوديين. وإذا أردنا الحكم على هذين المشروعَين بحسب نتائجهما، سوف يخضع البيروقراطيون الذين يفتقرون إلى الكفاءة أو الفعالية إلى التدقيق أو يتم طردهم على الفور". كان وزير المياه والكهرباء عبدالله الحصين الضحية الأولى، إذ أُعفي من منصبه في أبريل الماضي.

ويختم ريد مقالته بالقول إن الرؤية السعودية 2030 اختبار هائل، وليست مجرد قائمة بخطوات يجب القيام بها، لافتًا إلى أن الإنفاق الحالي غير قابل للاستدامة، ففي 2015 فقط، تراجع صافي الأصول الأجنبية 115 مليار دولار، ودفع معدل التراجع بصندوق النقد الدولي إلى التحذير في أكتوبر الماضي من مغبة نفاد الاحتياطيات في غضون خمس سنوات، في حال حافظت أسعار النفط على انخفاضها ولم يُكبح الإنفاق العام.