تونس : تواجه الشركات الحكومية التونسية ومن بينها شركتا "الخطوط الجوية" و"فسفاط قفصة" مصاعب بسبب تراكم الديون والخسائر وسط غياب الاستقرار السياسي في البلاد وأعباء التوظيف العشوائي، في أزمة فاقمها تفشي وباء كوفيد-19.

وتدير الحكومة التونسية 110 شركات تنشط في قطاعات النقل والصناعة والخدمات وغيرها. ولكن منذ عام 2011، لم يتماش الانتقال الاقتصادي مع الانتقال الديموقراطي في البلاد، بل تفاقمت أعباء هذه الشركات، خاصة "الخطوط الجوية" و"فسفاط قفصة" اللتان كانتا مصدرا مهما للعملة الصعبة لخزائن الدولة.

وقال وزير النقل معز شقشوق في تصريحات اعلامية الأسبوع الماضي "اليوم نتحدث عن مخططات لانقاذ (هذه الشركات) وليس لاصلاحها فقط".

وتشغل مجموعة "الخطوط الجوية" نحو 8 آلاف موظف وتسيّر الشركة 27 طائرة، سبع منها فقط في طور الاستغلال. وفي خطوة للاصلاح واعادة الهيكلة، عرضت الحكومات المتعاقبة ثلاثة مخططات اصلاح على مجالس وزارية منذ 2012 ولم تنفذ.

تراجع رقم معاملاتها في العام 2020 ب 70 في المئة (حوالي 340 مليون يورو) بسبب الجائحة، كما نزل عدد المسافرين الى مستوى مليون مسافر فقط وبذلك وصلت ديونها 955 مليون دينار (حوالي 292 مليون يورو).

من بين مقترحات الاصلاح تسريح 1,200 موظف من مجموع ألفين على دفعات تم انتدابهم خلال العشر سنوات الفائتة، بهدف التخفيف من أعباء كتلة الأجور التي ناهزت 200 مليون دينار (61 مليون يورو) في العام 2020.

الى ذلك، لم تتمكن شركة "فسفاط قفصة"المتخصصة في استخراج وتحويل مادة الفسفاط وتصديره، بلوغ مستوايات الانتاج التي كانت تحققها ما قبل 2011 والتي ناهزت 8,2 مليون طن في العام 2010، وبلغت خلال العشر سنوات الفائتة نحو 4 ملايين طن كأقصى تقدير لعام 2017.

يعود سبب التراجع أساسا الى توقف عمليات استخراج الفسفاط في منطقة الحوض المنجمي بمحافظة قفصة (وسط-غرب) بسبب الاحتجاجات والاعتصامات المطالبة بالتشغيل.

الشلل الذي أصاب هذا القطاع لم يكلف الدولة خسائر مالية هامة فقط بل دفعها أيضا وفي سابقة الى اللجوء الى استيراد هذه المادة من الجزائر في أيلول/سبتمبر الفائت لأنها تستخدم كسماد أساسي في الزراعة.

يعتبر وزير التجارة الأسبق والخبير الاقتصادي محسن حسن، ان الانتدابات العشوائية التي تم اقرارها بعد 2011 في هذه المنشآت الحكومية تعكس "سوء حوكمة وسوء تصرف، وبذلك تزايدت المصاريف وتدحرجت ككرة الثلج من سنة الى أخرى" في هاتين الشركتين.

حاولت الحكومات المتعاقبة منذ العام 2011 ان تلبي احد اهم مطالب الثورة المتمثلة في التشغيل، وفتحت باب الانتدابات في المؤسسات الحكومية التي كانت رافعة لاقتصاد البلاد، مقابل ذلك تضمن ولو بشكل مؤقت سلما اجتماعيا.

ويضيف حسن "شهد قطاع الفسفاط مسارا تراجيديا خلال بضع سنوات، تراجعت البلاد من التصنيف الخامس من بين أكبر الدول المنتجة الى المركز 12 عالميا" وخسرت أسواقا.

الى ذلك، يرى الخبير الاقتصادي حكيم بن حمودة ان الشركات الحكومية "كانت تعاني حتى قبل 2011، واثر ذلك ومن منطلق ان الحكومة حاولت شراء السلم الاجتماعي عبر التوظيف في هذه الشركات، تفاقمت مشاكلها".

سياسيا، شهدت البلاد مخاضا متواصلا إذ تداولت تسع حكومات على السلطة ولم تعرف استقرارا على مستوى التسيير وظلت ملفات الاصلاح مفتوحة دون الشروع في خطوات التنفيذ.

يؤكد بن حمودة أنّ "غياب الاستمرارية في العمل الحكومي وعدم الاستقرار السياسي منذ الثورة من أهم العوامل التي تحول دون الاصلاح".

ومن بين اهم المؤشرات الدالة على تأزم الوضع داخل "الخطوط الجوية" انه لم يتم تعيين رئيسا مديرا عاما على رأسها منذ منتصف العام الفائت الى حدود مطلع 2021 حين تولت ألفة الحامدي المهمة ليتم بعد شهرين إقالتها اثر خلاف حاد مع "الاتحاد العام التونسي للشغل" وبعدما قامت شركة تركية-فرنسية بتجميد حسابات الشركة تبعا لقرار قضائي لأنها لم تسدد ديونا متراكمة منذ مدة.

لجوء الدولة الى حلّ التوظيف في هذه المؤسسات لامتصاص غضب الشعب، سرعان ما قابلته دعوات متكررة من المانحين الدوليين بضرورة مراجعة هذه القرارات والاسراع باصلاحات ضرورية للشركات.

ودعا رئيس بعثة صندوق النقد الدولي الى تونس كريس غيريغات الثلاثاء في مؤتمر صحافي السلطات التونسية الى "التقليص من تحويلات الدعم للمؤسسات العمومية والتي تدار بسوء تصرف" بالاضافة الى "اعداد استراتجية للاصلاح".

وأظهر تقرير تخفيض ترقيم ديون البلاد من قبل وكالة موديز مطلع الأسبوع الفائت من ب2 الى ب3 وبآفاق سلبية، أن الضمانات التي تمنحها الدولة للشركات العمومية التي مثلت 15 في المئة من الناتج الداخلي الخام في العام 2020، تمثل "عامل خطر اضافي".

يؤكد محسن حسن ان الخروج من الأزمة "يتطلب عقدا اجتماعيا جديدا يحدد التوجهات الاستراتجية والاقتصادية للدولة ودورها للمحافظة على هذه المؤساسات"، بينما دعا بن حمودة الى "اعلان حالة طوارئ اقتصادية".

لكن الوضعية السياسية الشائكة التي تمر بها البلاد قد تحول دون ذلك خاصة في ظل استمرار النزاع في قضية التعديل الحكومي المعلّق.