وافق صندوق النقد الدولي على منح قرض جديد لمصر قيمته 3 مليارات دولار يسدد على 46 شهرا بعد مفاوضات مضنية استمرت نحو عام.
وقال الدكتور عمرو عادلي، أستاذ الاقتصاد بالجامعة الأمريكية، إنه "ليس هناك إجابة مبنية على معلومات، المفاوضات كانت سرية، لكن المعروف أن مصر هي ثاني أكبر دولة مديونة للصندوق بعد الأرجنتين".
ويضيف عادلي أن نقطة الضعف البادية للاقتصاد المصري هي وفرة العملة الصعبة. وفي تقديره إن "المفاوضات طالت لأن الصندوق طالب بتعديلات أملا في أن تسهم في تحقيق أكبر قدر من الاستدامة المالية للاقتصاد المصري".
ويقول إن "الصندوق طالب بتعديلات أكثر هيكلية فيما يتعلق بدور الدولة في الاقتصاد، والحوافز المتاحة للقطاع الخاص، بالإضافة إلى الطلبات المعتادة للصندوق من نوعية نظام صرف مرن لا يضع ضغطا إضافيا على البلاد من أجل الحفاظ على سعر مصطنع للعملة الوطنية".
الحكومة المصرية من جانبها تقول إن "القرض الجديد سيوقف الدائرة الجهنمية التي تأخذ الجنيه إلى عوالم مجهولة في أسعار الصرف، وإن ذلك سيعطيها الفرصة لدفع القطاعات الإنتاجية لزيادة الصادرات وفك الحبس عن المنتجات المستوردة التي تعتبر من المكونات الأساسية لعمليات الإنتاج، وبذل المزيد من الجهد لتيسير عمليات التصدير من البلاد في محاولة لزيادة حصيلة الدولار بالبلاد".
مرونة سعر الصرف وروشتة صندوق النقد المتكررة
ويضع صندوق النقد الدولي روشتة على رأس كل بلد يتقدم إليه بطلب قرض وهي مرونة سعر صرف العملة المحلية أمام العملات الرئيسية.
ونقلت وكالة رويترز عن إيفانا فلاديكوفا هولار، رئيسة بعثة صندوق النقد الدولي في مصر قولها إن الصندوق "سيراقب عن كثب كيفية عمل سوق العملات الأجنبية لنري ما إذا كان يتوافق مع نظام سعر الصرف المرن".
ويقول الدكتور عمرو عادلي إن "سعر الصرف بالنسبة لصندوق النقد أصبح أشبه بالهوس، لأن المشكلة كانت واضحة في السنوات التالية على برنامج 2016 للصندوق مع مصر، فقد تم تقييم الجنيه في السنوات التالية بأكثر من ثمنه الحقيقي.
وتساءل عادلي هل من الممكن أن نعتبر عدم مرونة سعر الصرف أو استمرار نظام التعويم المُدار في السنوات الماضية هو السبب وراء الأزمة التي تواجهها مصر اليوم في النقد الأجنبي؟.
يجيب عادلي لا أعتقد ذلك، ويستطرد، أن تلك مجرد ذريعة لكي يتنصل الصندوق من أوجه الضعف التي اعترت برنامجه مع مصر في 2016، لذلك فإن إصرار الصندوق على سعر الصرف المرن، وترك الجنية لمصيره أمام الدولار والعملات الأخرى، يتم في ظل تجاهل تام لظروف هيكلية من نوعية أن مصر مستورد صافي للغذاء والوقود من الخارج.
وأكد عادلي أن أي انخفاض كبير في قيمة العملة الوطنية في ضوء الاختلالات الهيكلية في الميزان الجاري يترجم بارتفاع شديد في معدلات التضخم، وهذا يزيد التكلفة الاجتماعية الكبيرة للسياسة النقدية المرنة التي يطالب بها الصندوق.
وقال الدكتور حسن الصادي، أستاذ الاقتصاد في جامعة القاهرة، لبي بي سي إن المشكلة ليست مشكلة سعر صرف مرن، إنما تكمن في إيرادات الدولة من الدولار التي لا توفي احتياجاتها من السلع الاستراتيجية التي تستورد من الخارج.
ويضيف أن هناك فجوة تصل إلى 20 مليار دولار بين الإيرادات والاحتياجات من الاستيراد من القمح والأرز والمشتقات البترولية.
ويقول الصادي إن "الدولة لا تستطيع تخفيض الواردات التي أصبحت الآن مركزة على السلع الاستراتيجية التي تضمن أود الناس، وإذا لم يكن لديك القدرة على توليد الدولار من أنشطة إنتاجية وزيادة التصدير وليس لديك القدرة على تقليل الواردات، فقد تدخل الدولة في أتون الدائرة الجهنمية من الاقتراض المتوالي".
ويضيف عادلي أن ذلك يظهر جليا في حالة تركيا مثلا، فلديها سعر صرف مرن، لكن الضغوط استمرت على الليرة بشكل كبير ومعدل التضخم يتعدى الـ 60 أو 70 في المائة سنويا والدولار ارتفع بمواجهة الليرة بما يزيد على 1000 في المائة في العشر سنوات الماضية، هل هذا هو النموذج الأمثل بالنسبة للصندوق؟
دائرة مفرغة يدور فيها الاقتصاد المصري
ويطالب صندوق النقد الحكومة المصرية بتبني برنامج لتخفيض الدين العام وهو "حاصل الديون الخارجية مضافا إليها الديون الداخلية".
وذكر بيان صندوق النقد أن البرنامج الجديد يحفز تمويلا إضافيا بنحو 14 مليار دولار من شركاء إقليمين "دول الخليج" وشركاء دوليين.
ويقول عمرو عادلي إن الصندوق كان تدخله في البرنامج السابق مع مصر بهدف توفير تمويل صغير للبلاد لتمكين الحكومة من التوسع في الاقتراض الخارجي لأنها حتى الآن الوسيلة الأساسية التي يتم من خلالها سد الفجوة التمويلية.
وأضاف عادلي أنه كان باديا بعد 2017 أن الصادرات لم تستجب بالقدر المرجو رغم انخفاض الجنيه، لكن النمو الذي شهده الاقتصاد المصري أدى إلى زيادة الاعتماد على الواردات.
كان هناك نوع من الانتقاد الخفي في التقارير الصادرة عن الصندوق عن مصر ولكنها كانت مصحوبة بسعادة بأن الاقتصاد المصري ينمو ولدية قدرة على النفاذ للاقتراض بشروط إيجابية.
ويقول عادلي، لكن الحقيقة أن العرض الكبير للدولار الذي صاحب أزمة كورونا، إضافة إلى انخفاض أسعار الفائدة بشكل كبير في زمن الرئيس الأمريكي ترامب خلق فرصا للأسواق الناشئة للتوسع في الاقتراض، لذا نحن اليوم نواجه وضعا سيئا، بحسبه.
أزمات متتالية تضرب الاقتصاد المصري
وتنحصر المصادر الأساسية للدولار في مصر في تحويلات المصريين العاملين بالخارج وإيرادات قناة السويس وزيادة صادرات الغاز والسلع وعوائد السياحة كل ذلك يصل إلى نحو 72 مليار دولار لكن ما تحتاجه البلاد أكثر من 82 مليار دولار سنويا من الاستيراد من الخارج.
ويقول الصادي إن تقليل الواردات ليس حلا سهلا وربما ليس لدى مصر القدرة على ذلك، والفجوة التمويلية تتضاعف والجنيه المصري ينخفض والدولار يرتفع ونحن ندفع خدمة الدين بالأسعار الجديدة المرتفعة للدولار.
ويضيف أن الفائض الأولي في الموازنة سيظل إيجابيا لكن خدمة الدين في طريقها لـ"تأكل موازنة الدولة بالكامل".
ويتساءل الصادي هل هذا هو ما نريده للاقتصاد المصري أن يحقق فائضا أوليا - أي الناتج بين الإيرادات والمصروفات من دون الديون وخدمتها في الموازنة - أم نريد الاستدامة؟.
ويقول عادلي إن هناك أثرا سلبيا كبيرا ناتجا عن الحرب الأوكرانية، وهو كلام ليس للتنصل من المسؤولية أو كلام تبريري، العالم كله متأزم، معدلات الفائدة على الدولار الأمريكي وصلت إلى 4.5 في المائة ومعدلات التضخم وصلت إلى 10 في المائة في الولايات المتحدة.
ويضيف أن هذا ظرفا استثنائيا بكل المقاييس مقارنة بالـ 45 سنة الماضية ويبدوا أن صندوق النقد تجاهل تلك العوامل السلبية تماما وركز على الروشتة البالية التي يعطيها لكل المرضى في كل زمان وفي كل مكان من منتصف السبعينيات وحتى الآن لم تتغير هذه الروشتة.
مستقبل الجنيه في ظل الارتفاع المتوالي في سعر الغذاء والفائدة
هناك توقعات بانخفاضات جديدة للجنيه المصري أمام العملات بسبب انخفاض المعروض من الدولار والعملات الأجنبية في الأسواق المصرية وربما يصاحب ذلك ارتفاع جديد في أسعار الفائدة.
ويقول الدكتور حسن الصادي إذا "كان لصندوق النقد روشته من السبعينيات فإن مصر تفعل الشيء نفسه في كل مرة، نحن تأتينا الموجات التضخمية سراعا بسبب الاستيراد المحمل بالتضخم الخارجي والمحمل بسعر العملة الصعبة المرتفع".
وأضاف الصادي أن كل عملية خفض للجنيه تزيد من الرغبة على منتجاتك بالخارج لأن سعر بيعها انخفض، لكن سعر بيعها في الداخل سيزيد، لأن تصدير السلع ليس من فوائض الإنتاج الحقيقية لكنه من "اللحم الحي" أي من المعروض من السلعة في الأسواق المحلية في غالب الأمر، لذلك فإن العرض من هذه السلعة سيقل في الداخل ويزيد من سعرها، لأن الصادرات لم تعتمد على فوائض إنتاج تزيد عن حاجة السوق الداخلي.
التعليقات