بغداد ndash; ايلاف: يتواصل بنجاح لافت المعرض الاستعادي الشامل الذي تقيمه مؤسسة (عراق) للإبداع للفنان التشكيلي العراقي الكبير طالب مكي على قاعة (مدارات) في الوزيرية ببغداد والذي يضم عدداً من منحوتاته ورسوماته التي أنجزها على مدى 4 عقود. ويشهد المعرض منذ افتتاحه في يوم التاسع من الشهر الجاري حضور جمهور غفير من المهتمين والفنانين التشكيليين والمثقفين والجامعيين مما اعاد الى الجدل موقع هذا الفنان المبدع والخلاق الذي عاصر واشتغل مع الفنان الكبير الراحل جواد سليم ونال مكانة مرموقة في التشكيل العراقي المعاصر حيث تميز بأسلوب اختزالي وميل إلى استخدام الأشكال الهندسية للتعبير عن السمات والملامح الإنسانية.

وطالب مكي المولود في الناصرية عام1937 الذي عمل لفترة طويلة رساماً في مجلتي والمزمار، حاصل على دبلوم معهد الفون الجميلة وشارك في جميع معارض جمعية التشكيليين وجماعة المجددين كما انه عضو جماعة الجددين وعضو جمعية التشكيليين العراقيين وشارك في اغلب المعارض المقامة داخل العراق. وقد أعدت مؤسسة عراق الابداع بالتعاون مع دار ايكال للطباعة ومؤسسة اتجاهات ثقافية دليلا جميلا عن الاعمال المشاركة في هذا المعرض الاستعادي الذي ضم العديد من لوحات الرسم ونماذج النحت المتميزة لطالب مكي عكست خصوصية نتاجاته الابداعية التي استخدم فيها مختلف المواد التشكيلية والنحتية حيث الكرافيك على مدى ربع قرن بكونه رسام الاطفال الاول الذي رسم آلاف الصور وعبر عن امكانية فنية متقدمة جداً في هذا المجال كما في مجال الكاريكاتير.. وقدم الكاتب العراقي د. حسين الهنداوي رئيس مؤسسة عراق للابداع للمعرض بكلمة جاء فيها:
quot;طالب مكي الكبير. هذه هي التسمية التي احرص ان اطلقها على هذا الرسام، المتعدد الابعاد والمواهب والخصال ايضا، الذي غدا سلفا وعن حق قامة فارعة في تاريخ الابداع التشكيلي العراقي المعاصر لا سيما في لحظاته الصعبة التي غمرت معظم الثلث الثالث من القرن العشرين واولى سنوات ما بعده.

فهذا الفنان المتتلمذ على يد جواد سليم مباشرة، امتاز دائما عن نظرائه بزخم حرية داخلية نادرة الجرأة والحذر في آن واحد، مما خلق لديه هذا البعد الواقعي او quot;التربويquot; المقرون بسخاء الروح والادوات بالفطرة، والذي جعل تلامذته، ومنهم نجوم لامعة سلفا في الرسم العراقي الحي، يخضرمونه كشيخ للرسامين في العراق، ويتوجونه باعتزاز عنيد وحميم كالأب الروحي لهم كما لفن الرسم للاطفال وللمدرسة النقدية في الرسم العراقي الساخر وحتى لتيار في النحت احيانا.

لكن طالب مكي ليس مجرد طاقة ابداع مدهشة المبادرات والحيوية وحسب، وليس فقط صاحب الغلاف الأول في عام 1969 لمجلة quot;مجلتيquot; الاولى في العراق للاطفال، والمبدع الاهم لفترة طويلة في الرسم للمجلات العراقية وخاصة لأكثرها اصالة، كـquot;مجلة العاملون بالنفطquot; خاصة ، انما هو رائد كبير في مجال الاستلهام الصامت والمتعمق لجماليات الموروث التشكيلي الكوني لاسيما ذلك العراقي الاصيل منه النزاع، ومنذ لحظاته البعيدة، الى تهميش الفكرة الجاهزة، ومعها الادوات والترميزات والالوان الجاهزة، في مواجهة استفهامات الذات وحريتها بالمعنى الوجودي على الارجح.

من هنا هذه الليبرالية الأخاذة، في الهوى والروح، التي تسكن اعمال طالب مكي طولا وعرضا وباصرار واضح كما يسكنه، ويعبر عنه ربما، هذا التمرد الطاغي والخفي الذي يخترق حتى صمته المثقل بهمّ المؤالفة الصعبة بين عبثيات لا تحصى اقواها ما بين تجريبية مفعمة بهاجس التعبير المتفرد او المتسامي زهدا حتى على متعة التواصل والتداخل وبين نوع خفي من الالتزام...quot;

من جانبه اعتبر عدد من النقاد العراقيين في تجربة طالب مكي انها تربط صمت الأعماق لدى طالب بصمت الكتلة، اذ انه يحسن التعامل مع الحجر والبرونز في منحوتاته اكثر من اتقانه التعامل مع اللوحة.. واذا فعل ذلك فانه يترك بصمات النحت بارزة في التفاصيل.. بل انه يتعامل مع الكتلة في لوحاته من منظار نحتي بارز.. وان العمل الفني لديه ليس حلماً يتحقق بقدر ما هو مشروع حضاري وفي كل تخطيطاته الاولية.. تجد أنه يربط الماضي بالحاضر ربطاً معرفياً، يقع فيه المشاهد في مرحلة ذائبة من التذكر والكشف أما في معنى آخر فان اعمال طالب مكي التي اشتغلها بصمت وروية بعيداً عن الاحتكاك بجو المشهد التشكيلي فعد ارثاً فنياً مهماً وكبيراً يستمد مادته من الموروث المحلي ويستنطق الحجر والبرونز ليحيلهما أشكالاً حية وهذا هو بالتالي شأن الفنان الخلاق الذي يستفيد من أدواته ومادته تلك الاستفادة القصوى ولايركن للراحة.