حذر الشيخ سليمان الدويش من محاولات تنظيم القاعدة الإرهابي استخدام نصوص دينية للترويج للفتن، ونشر الفكر المنحرف.وأكد أنّ القاعـدة تســيء اسـتــخـدام النــصـــــوص الدينيــة، لتبريــر الخيانة، ونقــض العهــود، واصفا ذلك بأنه خسة يترفع عنهـا أهـل الشيم والمروءات.وتساءل ـ في حوار مع quot;الوطنquot; ـ: إذا كان النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن أن يخون المسلم من خانه، فما ظنك بخيانة من يحسن إليك، ويعطيك الأمان، ويفتح لك قلبه وبيته؟!
وقال: إنّ القاعدة منيت بنكسة وصفعة، وخيّب الله آمال أفرادها، وأبطل مكرهم، وأظهر من محاسن من استهدفوه ـ الأمير محمد بن نايف ـ ما لو سعوا لحجبه عن الأنظار عقودا لما استطاعوا.
وشدد الشيخ الدويش على أنه لا يعلم عالماً معتبرا يؤيد توجهات القاعدة، أو يقول قولها، مشيراً إلى أن ادعاءاتهم في هذا المجال quot;تسرعات من مجاهيلquot; أو أشخاص ليس لهم معرفة بالشرع ضليعة أو تجربة في معالجة الأمور حكيمة.
وحذر الشيخ الدويش من أن أعداء الإسلام يجدون في تلك الحماقات التي ترتكبها القاعدة مبرراً للنيل من الإسلام وأحكامه، والسخرية بتعاليمه، وبهذا يصبح من كان السبب معينا لهم على بغيهم وعدوانهم، ومحققا لتطلعاتهم من خلال الإساءة إلى الدين، وإعانة الأعداء على هدمه.
وأشار إلى أن الجهود المبذولة لمواجهة فكر القاعدة ليست كافية، بل تحتاج إلى مضاعفة، وتحتاج إلى مصارحة ومكاشفة، وتحتاج إلى حكمة وتحمل، وصبر وصدع بالحق، كما يجب أن تكون لتلك الجهود أرضية صلبة، فتتم مناقشة الشبه التي يثيرها الخصوم، بتجرد وحيادية، وصدق وموضوعية.
وقال الدويش لا أتوقع مراجعة القاعدة لأفكارها كما فعل غيرها، لأن غالب المراجعات التي تمت كانت في الداخل، بينما التنظيم اليوم ليس في السعودية وحدها، بل هو في كل البلاد، وهناك من الدول من يستفيد من وجوده، لضرب مصالح خصومه من خلاله.
العلم الصحيح يؤخذ من كبار العلماء وليس quot;الأصاغرquot; أو quot;المجاهيلquot;

الكثيرون يتوقفون عند استشهاد quot;القاعدةquot; بالنصوص القرآنية والأحاديث النبوية في تبرير أفعالها، فهل فهمهم للآيات والنصوص فيه مرجعية شرعية صحيحة أم ماذا؟
النصوص التي يستشهد بها هؤلاء هي ذات النصوص التي يستشهد بها العلماء، ومعلوم أن بين فكر القاعدة، وما عليه العلماء في هذه البلاد حرسها الله تناقض بيِّن، فهما ضدان لا يلتقيان في كثير من المسائل، ومعلوم أن الحقَّ واحد، لأنه لا يمكن أن يتعدد الحق وتكون المتناقضات محل اتفاق.
فنحن هنا بين أن نأخذ باستنباط أهل العلم الذي ورثوه عن مثلهم، والذين شابت لحاهم في الإسلام، إلى أن تنتهي السلسلة بمعلم الناس الخير صلى الله عليه وسلم، أو أن نأخذه عن الأصاغر ممن ثقافته غالبا لا تتعدى مذكرات قرأها هنا أو هناك، أو بيان حماسي تناغم مع شيء يجده في نفسه.
الخلل ليس في النص الذي يستشهد به هؤلاء، بل مكمن الخلل في تنزيل النص على الوقائع، وهذه قضايا لو وقع عشر معشارها في عهد عمر رضي الله عنه، لجمع لها أشياخ بدر رضي الله عنهم أجمعين، فكيف يقتحم غمارها من بضاعته مزجاة، فيصادم بها قول الأكابر من أهل العلم، ويقع بموجبها في مدلهمات الأمور، والفتن التي تدع الحليم حيرانا.
استشهاد خاطئ
كيف ترون استدلالهم بحديث قتل محمد بن مسلمة لكعب بن الأشرف وإسقاط ذلك على محاولة الاعتداء على سمو الأمير محمد بن نايف.. هل هناك أي وجه بين الحادثتين من وجهة نظركم؟
حديث محمد بن مسلمة رضي الله عنه لا يصح الاستدلال به على مثل تلك الحادثة المشتملة على الغدر والخسة، فاغتيال كعب بن الأشرف لم يكن لكفره، بل لأنه آذى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومثله ابن أبي الحقيق، وإلا فلو كان لمجرد كفره لكنا رأينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمر به مع صناديد قريش ويهود وغيرهم.
فكيف إذا كان الاستشهاد بذلك لقتل مسلم معصوم النفس، فضلا عن كونه وليَّ أمر، فضلا عن مواقفه الخاصة مع من أراد قتله وخيانته، بل وفوق ذلك كله نقض العهد، وهذه خسة يترفع عنها أهل الشيم والمروءات، وإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يخون المسلم من خانه، فما ظنك بخيانة من يحسن إليك، ويعطيك الأمان، ويفتح لك قلبه وبيته؟!!.
نكسة القاعدة
قلتم إنكم توقعتم بيان اعتذار في العيد من quot;القاعدةquot; فهل من الممكن أن يعتذر هؤلاء عن فعلة من أفعالهم وهل كنت ترون بوادر لهذا الأمر؟
لم أكن أتوقع ذلك منهم، ولكني قصدت من خلال تلك الجملة تقريعهم، وتذكيرهم بأنه كان الأجدر بهم لحفظ ماء الوجه بعد تلك النكسة التي منوا بها، والصفعة التي تلقوها، حيث خيَّب الله آمالهم، وأبطل مكرهم، وأظهر من محاسن من استهدفوه ما لو سعوا لحجبه عن الأنظار عقودا لما استطاعوا:
وإذا أراد الله نشر فضيلة
طويت أتاح لها لسان حسودِ
ضرب المصالح
هل تتوقعون مراجعةquot;ماquot; لتنظيم القاعدة على غرار مراجعات الجماعة الإسلامية في مصر والجزائر وليبيا، أم إن هذا أمر مستبعد على الأقل في ظل غياب وجود منظرين للتنظيم حاليا؟
لا أتوقع مراجعة من هذا القبيل، لأن غالب المراجعات التي تمت كانت في الداخل، بينما التنظيم اليوم ليس في السعودية وحدها، بل هو في كل البلاد، وهناك من الدول من يستفيد من وجوده، لضرب مصالح خصومه من خلاله.
تسرعات مجاهيل
لماذا ترفض القاعدة ذكر من استدلوا بمن يوافقونهم في رؤيتهم الشرعية وتبرير أعمالهم من العلماء.. وهل حقا هناك عالم بارز مشهود له بالعلم يوافقهم على ما يفعلونه؟
إذا كان quot;من كان شيخه كتابه فخطؤه أكثر من صوابهquot;، فما ظنك بمن شيخه المجاهيل!!
لا أعلم لهم عالما معتبرا يقول بقولهم، أو يؤيد توجهاتهم، بل كل ما هنالك اجتهادات وتسرعات من مجاهيل، أو من أشخاص ليس لهم معرفة بالشرع ضليعة، أو تجربة في معالجة الأمور حكيمة.
ومن كان يعتقد رأيهم، ويرى أنه دين يدين الله به، فسكت ولم يبين، فهذا ليس بعالم، بل هو خائن، وإلا فكيف لعالم أن يكتم الحق، ويقول غيره ؟.
تسلط الأعداء
ذكرتم بصراحة أن هناك من يريدون للمنخرطين في quot;القاعدةquot; الاستمرار في عملهم ليجدوا مبررا للهجوم على الإسلام خاصة من أهل الكفر هل يعني ذلك أن عناصر القاعدة صاروا أسرى لمفهوم لا يقل خطرا عن مفاهيم أعداء الإسلام؟
نعم يجد أعداء الدين، من خلال تلك الحماقات مبررا للنيل من الإسلام وأحكامه، والسخرية بتعاليمه، وبهذا يصبح من كان السبب، معينا لهم على بغيهم وعدوانهم، ومحققا لتطلعاتهم، وهو وإن كان يظن نفسه يخدم دينه، ويدافع بزعمه عن أمته، إلا أنه أساء وأعان على هدم الإسلام، وتسلط الأعداء.
مصارحة ومكاشفة
كيف ترى المشروعات العلمية والشرعية التي قامت للتصدي لفكر القاعدة هل تعتقد إنها كافية وبمستوى الخطر؟
الجهود المبذولة ليست كافية، بل تحتاج إلى مضاعفة، وتحتاج إلى مصارحة ومكاشفة، وتحتاج إلى حكمة وتحمل، وصبر وصدع بالحق، كما يجب أن يكون لتلك الجهود أرضية صلبة، فتتم مناقشة الشبه التي يثيرها الخصوم، بتجرد وحيادية، وصدق وموضوعية، لأن الحق لن يضيق بنا ولا بهم، ولأنه بعد بيان الحق فسيعلم من كان يبحث عنه أن هذا طريقه، أما من كان يتعامى عنه (فماذا بعد الحق إلا الضلال فأنى تصرفون).

حقائق براءة محمد بن مسلمة من خلال الخسة والغدر كنت منذ أيام وأنا أحاول الدخول لمشاهدة هدية العيد التي وعد بها تنظيم القاعدة في جزيرة العرب، وكنت أقول في نفسي: هل ستحمل هذه العيدية مفاجأة من نوع آخر، بحيث نرى فيها شجاعة في الاعتذار، وإقراراً بالخطأ، لأنني لا يمكن أن أتصور أن رجلاً تبلغ به الخسة والانحطاط إلى هذا المستوى، فضلاً عن أن يكون مسلماً، من أصول عربية، عرفت معنى الخيانة والغدر، ناهيك عن أن ينسب هذا لذروة سنام الإسلام، ويلحقه بأفعال السادة الكرام، والأئمة الأعلام.
تفاجأت حقيقة، وإن كان عنصر المفاجأة قد يختفي حين يقرأ المسلم قول الحق تبارك وتعالى: (أفمن زين له سوء عمله فرآه حسنا)، وقوله جل في علاه: (قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالاً الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا)، حيث رأيت الجهل والتخبط، والطيش والخفة والتسرع في إطلاق الأحكام، وتنزيل النصوص في غير موضعها، وهذا ليس بغريب على من بضاعته حماسه الطائش، ولا يرى إلا أرنبة أنفه.
دعوني أتنزَّل وأقول إن كلَّ مافي ذلك الشريط صحيح، وعندهم عليه وثائق وإثباتات، فهل هو مما تكفر به الدولة، ويجوز بموجبه قتالها؟.
إن قالوا: نعم.
قلنا لهم: هل هذا علم علمتموه وحدكم، أم هو معلوم لدى العلماء وسكتوا عنه، أو جبنوا عن التصريح به، أو عندهم فيه شبهة ؟.
فإن قالوا: لا يعلمه غيرهم، قلنا لهم: وهل ناصحتم به قبل أن تقاتلوا من أجله، وهل أقمتم به الحجة على خصمكم ؟.
فإن قالوا: نعم، ناصحنا به وأقمنا الحجة على الحكام والعلماء، ولكنهم لم يستجيبوا.
فيقال: هل أنتم تكفرون بسبب ذلك الحاكم وحده، أم تكفرون الحاكم والعالم ؟.
فإن قالوا: بل نكفر الحاكم دون العالم، طالبناهم ببيان سبب التفريق.
وإن قالوا: بل نكفرهم جميعاً، قلنا لهم: وهل يقف هذا الحكم على أشخاصهم، أم يسري على كل من تحت أيديهم، ومن يواليهم، أو يرى إمامتهم ومكانتهم؟.
فإن قالوا: بل هو مقصور عليهم لزمهم البيان، وذكر سبب التفريق.
وإن قالوا: بل هو منطبق على كل من يرى بيعتهم، وأن لهم مكانة وقدرا، وكل من يواليهم، فقد كفَّروا بذلك عامة المجتمع.
فإن قالوا: هو محصور على الحكام والعلماء لقيام الحجة، وأما العامة فيعذرون بجهلهم، فيقال: وهل العذر بالجهل في مثل هذه المسائل التي أبحتم فيها القتال، ورضيتم بموجبها تكفير الأعيان مقبول؟.
فإن قالوا: نعم يُعذرون بجهلهم، فيقال: وهل العذر بالجهل يشمل العساكر التي تقاتلونها، أم هم مستثنون منه؟.
فإن قالوا: يشملهم فقد أسقطوا أنفسهم، وأثبتوا أنهم يقاتلون المسلمين بالشبهة.
وإن قالوا: العساكر لا يعذرون بجهلهم، فيلزمهم الدليل على التفريق.
ثم إنهم إن قالوا: بل هذا أمر معلوم من الدين بالضرورة، والعلماء يعرفونه، فيقال لهم: ولماذا سكت العلماء عنه ولم يبينوه، أو لم يخرجوا على الحاكم بموجبه؟.
فإن قالوا: منعهم الخوف أو الطمع أو الخيانة، فيقال: لماذا لم يمنعهم ذلك وقد خالفوا وأنكروا ما هو أقلَّ منه؟.
وعلى افتراض أنهم كذلك فهل تستحلون أموالهم ونساءهم كما استحللتم دماءهم؟.
فإن قالوا: نعم فذلك والله الفجور، وإن قالوا: لا نستحل نسائهم، بل نستحل دماءهم وأموالهم ليس غير، فيلزمهم الدليل على التفريق.
ثم يقال لهم: من من العلماء يؤيد رأيكم، ويقول بقولكم ؟.
فإن قالوا: كثير، فيقال لهم: سموا لنا رجالكم.
فإن قالوا: إن بعضهم لا يحسن ذكر اسمه، أو يفتينا في الخفاء، فيقال: من جبن عن ذكر عقيدته فهو أجبن من أن يكون مجاهدا في سبيل الله، وإن كان منعه من بيان عقيدته الخوف على نفسه، فلماذا لا يهاجر من أرض الكفار إلى حيث المراغم الكثير والسعة، لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الإقامة بين ظهراني الكفار !!.
فإن عجزوا عن ذكر عالم من علماء المسلمين، واكتفوا بذكر بعض المجاهيل، فيقال: إن شيئا من أمر الدين غاب عن السادة العلماء، ولم يعلمه ويعمل به إلا المجاهيل، أو الجبناء فلا حاجة لنا به.
بل أين بعض من يفتيكم ممن تبالغون في تعظيم شأنهم عن القيام بهذا العمل الذي تقومون به في بلدانهم، لماذا رضوا بأن يكونوا مع الخوالف؟.
بل إني على معرفة تامة، ويقين لا يخالطه شكٌ، أن ممن استشهدوا بهم في ذلك الشريط الفاضح لفكرهم، يخالفونهم في كثير من تخبطاتهم وضلالاتهم، وتحديداً في مسألة القتال، فكيف إذا اشتمل على الغدر والخسة والخيانة.
بل وكيف إذا كان ما سبق ذكره على سبيل التنزل للخصم ومجاراته، مفترضين أن ما قاله صحيح وثابت، وأنه مما لا شبهة فيه، وليس ثمة ما يمنع إنزال الحكم على صاحبه، من تأويل أو غيره من الموانع الشرعية.
أيها الفضلاء:
لن أتعمق كثيراً في المناقشة لأن ذلك يحتاج إلى وقت وجهد وبسط، لكني سقت هذا النموذج من المناقشة لبيان حقيقة الجهل الذي تنطوي عليه تلك الأفكار، وأنها كالذي يترك صلاته مستدلا بقول الله تعالى: (فويل للمصلين)، وهذا غاية في الجهل والسوء، وسأعود لأقول:
نعم هناك أخطاء وتجاوزات، وهناك ظلم واعتداء، وهذا ليس بسرٍّ أكشفه، ولا ستر أفضحه، بل هذا ما يعترف به المسؤول قبل غيره، ولكن هذا وعلى افتراض أنه جزء من النظام المعمول به، أو مأمور به بشكل رسمي، لا يبيح الخروج، ولا يسوِّغ قتل النفس، ولا يخرج فاعله عن ملة الإسلام، فكيف إذا علمنا أنها تجاوزات فردية في كثير من أحوالها، والدليل على ذلك، ما تقوم به الدولة من تعويض لأصحاب المظالم، أو اعتذار من بعض من وقعت عليهم الأخطاء، ومعاقبة بعض المتجاوزين، وإن كنت لا أزال أطالب بالتشديد في ذلك، والأخذ على يد كل مستهين بالحقوق، أو مستغل لسطوته وسلطته.
لقد تحدثت مع سمو الأمير محمد بن نايف ndash; حفظه الله ndash; عن نماذج من تلك التجاوزات، ورأيت منه اهتماما خاصا بها، ووعداً بالتحقيق في شأنها، ورأيت منه إجراءات صارمة لبعض المستهترين، بل رأيته يعترف بصراحة ووضوح بوجود الأخطاء، وهذا غاية العقل والحكمة، وكلنا سمعه يحادث ذلك المنتحر، ويعترف بالأخطاء، وينفي أن تكون مقصودة.
ولو أن كلَّ إنسان تعرض لمظلمة، أو أسيء إليه في معاملة رفع سلاحه، وخرج على ولي أمره، لأصبحنا في غابة موحشة، ولكانت الغلبة فيها للأقوى.
يجب على كل مسلم أحسَّ بالظلم، أو وقع عليه شيء من التجاوز، أن يسلك السبل الشرعية، وأن يطالب بحقه، فإن أنصفه الحاكم فذاك، وإن لم ينصفه فيلزمه السمع والطاعة بالمعروف، ويجب عليه الصبر، وتغليب مصلحة الجماعة على مصلحته الفردية، لأن الخروج والفرقة شر، والاجتماع والوحدة مع احتمال الظلم خير وبركة.
ونحن حين نعترف بالأخطاء ليس لمجاملة هؤلاء والتنزل معهم، بل لأن ذلك من الدين، ولكننا في الوقت نفسه لا يجوز أن نجعلها مبررا للتكفير والتفجير، أو مسوغا للخروج على الحاكم، لأن مصلحة بقاء الحاكم على ظلمه، أعظم من زواله وذهابه، ذلك إن كان الظلم مقصودا، فكيف والحاكم قد فتح بابه لاستقبال المظالم، وأعلن أنه سيضرب بسيف العدل هامة الظلم، والمحاكم قد أشرعت أبوابها، وقد رأينا قضايا أُنصِف فيها أصحابها، مع اعترافنا بالتقصير كما أسلفت.
أيها الفضلاء:
تحدث التسجيل quot;عيدية التنظيمquot; عن انتهاك الحرمات والأعراض، وأعتقد أن من سمع المكالمة التي دارت بين الأمير والمنتحر يعلم كذب تلك التهمة، فكيف لو سمع هؤلاء ولا هؤلاء إلا وقد سمعوا، ولكن كما قال الله تعالى: (وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلما وعلوا)، أقول: كيف بهم وقد سمعوا سمو النائب الثاني ndash; حفظه الله ndash; وهو يقرر استنكاره لمن يقبل أن تعمل زوجته سكرتيرة أو نحوها، ويؤكد أن الأنفس فداء للأعراض!!!.
إن وجود الحالات الفردية الشاذة، بسبب ظروف خاصة، يتطلبها الموقف تارة، أو يتجاوز فيها بعض الأفراد، لا يجوز أن تتخذ قاعدة عامة، أو تكون ذريعة للثلب والانتقاص، فكيف وقد رأيت بنفسي قبل غيري، وشهدت من المواقف ما يثبت كذب هذا الاعتداء وزيفه.
بل لقد تحدثت مع الأمير محمد بن نايف ndash; حفظه الله ndash; بخصوص بعض الإجراءات التي تتم مع النساء في أقسام الزيارة في السجون، ووجدت منه تجاوبا كبيرا في هذا الجانب، ووعدني خيرا، وأقْسَمَ بالله أنه لا يقبل ولا يرضى, وأنه يكره هذا، لكنه يتحسر من بعض حماقات من يستغل الثقة، فيتسبب في مثل هذه الإجراءات، ووعدني بحلٍّ عاجل لهذه المسألة، فأسأل الله أن يجري الحق على يديه.
وتحدَّث التسجيل quot;عيدية القاعدةquot; عن التهديد لسمو وزير الداخلية، وسمو مساعده ndash; حفظهما الله ndash; وأنا هنا أقول لتلك الأقزام المتطاولة، ما قاله أبو طالب في لاميته، وهو وإن كان قالها في حق المصطفى صلى الله عليه وسلم، إلا أني أسوقها متمثلاً، والعبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب:
كذبتم لعمر الله نبزى محمدا
ولمَّـا ننـافح دونه ونناضل
ونُسلمه حتى نُصرَّع دونه
ونذهل عن أبنـائنا والحلائل
أقول هذا ليس دفاعاً عنهما لذواتهما، وإن كانا يستحقان، بل دفاعا عن الأمن الذي يحرسانه، ويسهران على استتبابه، وأقول لتلك الأقزام، كلنا عيون ساهرة، ومهما أزبدتم وأرعدتم، فوالله من بلغت به الخسة واللؤم إلى هذا الحد من العمل، الذي تجاوز القيم والمروءات، فلن تعدو تهديداته حنجرته، والجحر الذي يختبىء فيه.
لكن بقي أمر مهم، وحديث يجب أن نقوله، وهو أن نسبة هذه الأعمال المشينة، والأفعال المنكرة إلى عظماء الرجال، وتشبيهها بأفعالهم، من أعظم الكذب والزور، فمن تأمل قضية اغتيال كعب بن الأشرف وابن أبي الحقيق، التي استشهد بها هؤلاء الجهلة، وجد أنها في حق أفراد آذوا النبي صلى الله عليه وسلم، فكيف يصح إنزالها على خصمهم حتى وإن كانوا يكفرونه، إلا إن كانوا يرون أنهم في مقام رسول الله صلى الله عليه وسلم، وله ما له من أحكام، فتلك والله كارثة وطامة، وإلا فلماذا لم يقتل رسول الله صلى الله عليه وسلم كفار قريش غيلة ؟.
وتحدَّث التسجيل quot;عيدية القاعدةquot; عمن لامهم على عملية الخسة، وبرروا فعلها بأنهم لم يمنحوا خصمهم أماناً، ولم يوقعوا معه عهداً، وأقول لهم:
تقولون هذا عندنا غير جائز
ومن أنتمُ حتى يكون لكم عندُ
ولكن:
إذا ساء فعل المرء ساءت ظنونه
وصدَّق ما يعتاده من توهم
ليتكم سكتم ورضيتم بما رأيتم من فشل جهدكم، وضلال سعيكم، لكن أبيتم إلا السوء لأنفسكم، وأن تبقوا في الناس علامة للغدر والخسة، وإذا كان وعيدكم لخصومكم بمثل هذا الفعل، فثقوا أنكم ستنتصرون في المعركة، لأن خصمكم يتعامل معكم بمكارم الأخلاق، ولم يفكر بالغدر.
وإن كان وعيدكم بالمواجهات فقد رأيتم ما لا قبل لكم به.
ولكن أفلا أدلكم على أمر رشد، وشيء فيه لكم يتحقق الخير بإذن الله؟.
عودوا إلى رشدكم، وتبصروا في أنفسكم، وفكروا في عواقب الأمور، وانظروا من المستفيد من ممارساتكم، وفي مصلحة من تصب، وتذكروا أن من تتهددونه كان أحنَّ الناس على أهليكم، وأرحمهم بذويكم، وتذكروا سعيه لإطلاقكم من السجن الذي ذقتم فيه المرارات كلها، وتسبب في لمِّ شملكم بأهليكم، والإنفاق عليكم، وتيسير كثير من أموركم، فلا تعضوا تلك اليد التي امتدت إليكم، (هل جزاء الإحسان إلا الإحسان)، وإني ضامن لكم أنكم ستجدون منهم قلوبا رحبة، وستجدون فيهم عليكم شفقة ورحمة، ولستم أول من تجنَّى فعفوا عنه، ولن تكونوا آخر من أساء لنفسه، ووالله لو أقبلتم إليهم رغم ما عملتموه خطوة، لوجدتموهم قد قطعوا تجاهكم خطوات.
أقول هذا وأنتم في سعة من الأمر، وقبل أن يُصيب أحدكم دما حراما يبوء بإثمه يوم القيامة، واعلموا أن خلفكم من الآباء والأمهات، وربما الزوجات والذراري، من يتقطع قلبه حسرات عليكم، فاتقوا الله فيهم، ولا تجمعوا عليهم فوق مصائبهم ولوعاتهم مصائب ولوعات أخرى.
وتذكروا أنكم بحماقاتكم هذه التي تنسبونها للإسلام، وتزعمون أنها ذروة سنامه، تفسدون أكثر مما تصلحون، وتهدمون أعظم مما تبنون _ إن كان ثمة إصلاح وبناء -، بل والله يشهد أنكم قد فتحتم على الخير وأهله من أبواب المحن والابتلاء، والوقيعة والانتقاص، وفتحتم على المشاريع الخيرية وأعمال البر، من الشر والسوء ما لا يعلم ضرره وخطره إلا الله تعالى، ولكم أن تنظروا في واقع الحال لتعلموا إن كانت لكم قلوب تفقهون بها، أو آذان تسمعون بها، أو أعين تبصرون بها.
لقد أحدثتم في حصن الدعوة شرخا كبيرا، وتركتم مشاريع الفضيلة حمى مشاعاً للمتردية والنطيحة، لينالوا منها، ويقعوا فيها، واستطالت الأوزاغ على الثوابت مستغلة فتنتكم، وصرتم كالمنبت الذي لا أرضاً قطع، ولا ظهراً أبقى، فلستم الذين عملتم لخدمة أعمال الخير وأهله، ولا هي بالتي سلمت منكم ومن فتنتكم.
أقسم لكم بالله غير حانث، إن أعداء الحق لا يتمنون زوالكم، بل هم أكثر من يفرح بأفعالكم، وذلك لأنها تُقدِّم لهم المسوغات والمعاذير على طبق من ذهب، ودون أدنى كُلفة أو مؤونة.
لقد كانت بلادنا في وقت مضى منارة مضيئة، ومعلما واضحاً، لبذل الخير، ورعاية المشاريع والمدارس، ونفع الناس في أصقاع المعمورة، فلما اشتعلت فتنتكم، بدأت هذه المكانة التي تبوأتها بلادنا تضعف وتتلاشى، وصرنا عنصرا غير مرحب به في أكثر بلاد الدنيا وللأسف الشديد.
أعلم أنكم ستقولون وبكل برود إن هذا بسبب الحرب العالمية على الإرهاب، وهذا غير صحيح، فإن مشاريع الخير التي ترعاها بعض دول الخليج ما زالت قائمة، بل أصبح لها حضور أكثر من ذي قبل، فلماذا لم تتأثر بالحرب على الإرهاب؟.
لقد أحجم كثير من أهل اليسار عن مواصلة دعمهم لمشاريع الخير بسبب إقحامكم لها في جهالاتكم، فلم يسلم منكم إفطار الصائم ولا غيره، ولست هنا أردد بيانات وزارة الداخلية كما تزعمون، والتي تنسبونها للكذب دائما، بل هذا مما وقفت على بعضه، واعترف به بعض من كان معكم، لهذا فقد خشي المنفق أن تنقلب صدقته إلى قنبلة يروح ضحيتها أبرياء لا ذنب لهم.
بل لقد وجد أصحاب الجنح والجرائم في فتنتكم أعظم رافد لهم، فانشغلت أجهزة الأمن بتتبعكم، وضعف تعاطيها مع هؤلاء المفسدين، فتحقق لهم ما أرادوه، وكل ذلك ثمرة من ثمار أفعالكم.
ولو أننا بقينا نعدد آثار فعالكم السلبية لجفَّ حبر المطبعة ولمَّا ننتهي من ذكر بعضها، فكيف وأنتم ترونها نصراً للإسلام، وقياما بشعيرة الجهاد!!!.
إننا على يقين أن الجهاد ماضٍ إلى قيام الساعة، وأنه لا تزال أمة من الناس على الحق ظاهرين، لا يضرهم من خذلهم أو خالفهم، ولكننا على يقين مثله، أنْ ليس من صفاتهم الغدر والخيانة، ولا اللؤم والخسة، ولا الكذب والفجور في الخصومة، والطيش والخفة، ولا الظلم والجور.
ألا فاتقوا الله فإني لكم ناصح، وعليكم مشفق، والله من وراء القصد.

سليمان بن أحمد بن عبدالعزيز الدويش
أبو مالك
اختصرت المقالة عن الأصل ونشر بإذن صاحبه

جدة: جمال خاشقجي، خالد المشوح