القاعدة في العراق |
محمد عطيف من الرياض: تؤكد الكثير من التقارير التي ترصد تحرك تنظيم القاعدة في السعودية، وجود تعديلات على مستوى المواجهة الخاسرة مع القيادة الأمنية السعودية على العديد من المحاور، إذ تلجأ القاعدة إلى تغييرات عديدة في الوسائل والأساليب التي يتبعها التنظيم. بعض هذه الوسائل تم البدء بتنفيذها فيما يجهز ويؤسس للأخر، من تلك التعديلات مؤشر ظهور ما يمكن تسميته بـquot; نساء القاعدةquot; في السعودية حيث برزت أولى الأسماء كـquot;وفاء الشهريquot; quot;وزوجة خالد الفرجquot; و quot;أم أسامة quot; وغيرهن ممن وصفن، لدى المراقبين والمتابعين،بأنهن يشكِّلن بداية الظهور الحقيقي لـ quot;نساء القاعدةquot; في المملكة.
وكانت المحاولة الفاشلة التي استهدفت مساعد وزير الداخلية السعودية وما تجلى عنها من دلالات، أشارت إلى هذا الظهور بشكل واضح، بحيث تم تداوله وقراءته وتحليله كحقائق ملموسة لا يمكن إنكارها من قبل وسائل الإعلام السعودية وخصوصًا الرسمية. كما تزامن ذلك مع ما تناولته تقارير رسمية محلية وعالمية عن تأكيد وصول مد quot; نساء القاعدة quot; إلى السعودية مما يجعل الأخبار عن تغيير منهجية القاعدة في السعودية واقعًا ملموسًا ودلالة على فشل التنظيم ونجاح السياسة الأمنيّة السعوديّة على كافة المحاور.
وفيما يتضح تأكيد أغلبية المتابعين على أن لجوء القاعدة لهذا الأسلوب هو دليل واضح على quot;الهزيمة السيكولوجية والواقعية لهذا التنظيمquot;،وأنّ التصعيد لهذا الأسلوب يعكس العناد مما يحتم تعزيز جوانب العلاج الفكري وبعض العوامل الاقتصادية والاجتماعية والنفسية التي تعتبر مداخل لتكوين أعضاء ما يسمي بـ quot;نساء القاعدةquot;، فإن جانبًا آخر يرى أن شبكة الانترنت هي من أخطر المنافذ للتضليل وترويج الفكر القاعدي في ظل وجود اعتقادات خاطئة منها على سبيل المثال ما ذكرته إحدى منتسبات الحملة المذكورة عن اعتقاد الكثير أن المرأة لا تهمها الأمور السياسية في السعودية اذ تقول quot;بالعكس لديهن متابعة كبيرة وهن مستهدفات بالدرجة الأولى لبعض الجهات مع الإقرار بأن الدعوة النسائية تواجه اتهامات بعدم تقنينها وترتيب أمورها بنفس الدرجة التي تحظى بها مثيلتهاquot;.
الا ان السياسة الأمنية السعودية الناجحة أكدت حرصها على أبناء الوطن في ظل التعاطف وتقديم مجال الخضوع للمناصحة، ودعم التائبين ومتابعتهم، بل وأيضًا الحرص على عدم تمرير أي معلومات تخص النساء اللواتي انضممن إلى التنظيم حرصًا على خصوصياتهن، بحيث تتم quot;مناصحتهن في منازلهنquot; وتقديم ما يلزم لهن، ويكفل عودتهن للطريق الصحيحة.
وبحسب تقرير لصحيفة quot;الوطن السعودية quot; فإن quot;أم أسامةquot; اشتهرت بانتمائها لتنظيم القاعدة، واعتبرت في فترة ما بمثابة الذراع الإعلامي النسائي لتنظيم القاعدة على الإنترنت، اذ سبق لها أن ذكرت أنها ساهمت في انتشارهم فكريا عبر الإنترنت. الا انها ما لبثت أن تراجعت في ظل عوامل عديدة ومنها تأثرها بحملة quot;السكينةquot; لتوعية الشباب عبر الانترنت، وقالت لاحقًا في حديث لها لصحيفة quot;الوطنquot; عن تجربتها quot;لو استمرّ الوضع على ما هو عليه الآن من عدم تركيز الجهود على الاستئصال الفكري والمعالجة الشرعية الفكرية وتكثيف الحوار وكشف الشبهات سوف نحصل على طبقة وجيل جديد من القاعدة لا ينتمي إلى خلية ولا ينضم إلى مجموعة فهو وحده أو هي وحدها خلية وتنظيم، وهذا أخطر بكثير من الوضع الحالي، لذلك يجب التسريع بالحل الفكري. لا تقولوا لي بأن الوسائل المرئية أو غير المرئية مثل التلفزيون والصحف لا بأس بها، لكن في الحقيقة لا أحد يسمع لها ولا يأخذ منها، خاصة وأساليب إعلامنا بدائية، نحن نحتاج الوصول إلى المتعاطفين، وإلى الأعضاء ومحاورتهم، نحتاج إلى نشر المنهج المعتدل والعلم الصحيح، نحتاج إلى وقفة مع الكتّاب في الصحف الذين يستفزون الشباب والفتيات الملتزمين، فالوضع لا يحتمل شحنًا نفسيًاquot;.
منحنيات التحول
من المؤكد أن مصطلح quot;نساء القاعدةquot; له جذور تمتد لسنوات عديدة واعتبر من الوسائل والأساليب التي نهجها هذا التنظيم في مراحل متقدمة من صراعاته في تمرير الإرهاب الذي نبع من العراق، وكان ناتجًا عن الخسائر الكبيرة التي مني بها التنظيم ليتنازل حينها عن بعض ثوابته ومنها معارضة قادته لمشاركة المرأة في الجهاد والمساهمة في العمليات الإنتحارية.
وفي تقرير للدكتور عبد الحفيظ المالكي نشر على الإنترنت يؤكد quot;أن النجاحات المتوالية لأجهزة الأمن السعودية أدت إلى تغيير إستراتيجية عمل القاعدة، اذ تؤكد اعترافات العوفي أن تنظيم القاعدة أدخل تعديلات جوهرية على أسلوب عمله في المملكة. لقد تم اختيار اليمن ليكون مرتكزًا ومنطلقًا للعمل ضد المملكة، ولم يكن اختيار اليمن بصورة عفوية أو بمحض الصدفة،...quot;
وهو ما يؤكد أن تنظيم القاعدة لم يعد يقف عند مبادئ أو محرمات دينية في سبيل الوصول لأهدافه، الأمر الذي يؤكد مقولة الأميركية سارة دايلي، الخبيرة في مؤسسة quot;راندquot;، بان تركيز القاعدة على النساء quot;يتضمن تناقضًا مذهلاً مع رأي ذلك التنظيم في الكثير من الحقوق التي تسعى المرأة في العالمين العربي والإسلامي إلى نيلهاquot;. فيما ذكرت صحيفة quot;الشرق الأوسطquot; السعودية أنه سبق للمباحث الأميركية أن حذرت منذ البدايات من لجوء القاعدة إلى استخدام النساء، ليس فقط في الأعمال الجهادية الانتحارية والتكفيرية بل وتقديم quot;الدعم اللوجستي مثل نقل الأموال والأوامر وجمع التبرعات المالية quot;، بالإضافة لرصد أكثر من وسيلة إعلامية الكترونية تكفيرية مخصصة لتشكيل نساء القاعدة خصوصًا في السعودية.
جهود سعودية أمنية ووطنية
من جانب آخر، تقوم الجهات الأمنية السعودية بإقفال الثغرات في هذا الموضوع عن طريق التأكيد المستمر على أن الوطن لأبنائه في أي وقت، ومن خلال حرص الدولة على احتواء التائبين والتائبات وتوفير الدعم لهم لضمان عدم الاستجابة لمغريات التغرير مرة أخرى، كما نجح برنامج quot;المناصحةquot; في تسجيل انتصارات واضحة على فكر القاعدة من خلال استسلام العديد من الإرهابيين وتسليم أنفسهم.
وعلى صعيد المساندة التوعوية تأتي حملة quot;السكينةquot; كأبرز النماذج التي تهدف لتوعية الشباب عبر الإنترنت، بإتباع أساليب مختلفة للحوار مع النساء اللاتي يتبنين الأفكار المتطرفة، حيث نجحت في إقناع أكثر من 100 سيدة بالتخلي عن أفكارها المتطرفة، وبحسب ما أوردته صحيفة quot;الشرق الأوسط quot;عن الحملة فإن أكثر quot;40 في المئة من المنتديات والمواقع الأصولية على الشبكة العنكبوتية، التي تناقش الشأن السعودي، تديرها نساء. في الوقت الذي تواصل فيه محاوراتها للكثير من quot;النساء المتبنيات للفكر الذي أصبح يعرف بـ quot;الفكر القاعديquot;، والذي يتميّز لدى النساء بالحدة والشدة عنه في الأوساط الذكورية مع رفضهن وهروبهن من الاستماع إلى الطرف الآخر، في قراءة تعد الأولى من نوعها في سبيل استشراف مدى تسرب الفكر المتطرف ما بين الأوساط النسائية السعودية وبقرائنquot;.
وتصف هذه الحملة أنه من الإشكاليات الخطرة تمرير أسماء قدوات على أنهن مجاهدات، وبعضهن زوجات لبعض أتباع تنظيم القاعدة حيث يتم تغرير الباقيات بهن، وكذلك انعدام الأساس الديني المتزن لدى متصفحات النت من النساء فيقعن فريسة سهلة للأفكار الضالة،إضافة إلى بعض الفتاوى المتشددة وكذلك تأثر فئات النساء باستشهاد نساء أخريات في الدول الأخرى.
ووفقًا لمقال للشيخ عبد المنعم المشوح مدير حملة quot;السكينةquot; يكتب فيه quot;أن الحملة التي أتمت الآن عامها السادس استطاعت أن تحقق جهدًا ملموسًا في التصدي للفكر التكفيري عبر الإنترنت، فمن خلال 60 محاورًا شرعيًا ومتخصِّصًا في علوم النفس والاجتماع في حملة السكينة وحاورنا الآلاف، ونملك رصيدًا هائلاً من هذه الحوارات، ونقوم الآن بالتأصيل الشرعي والعلمي لهذه الشبهات والرد عليها، وقد رصد فريق حملة السكينة من خلال تواجدنا في أكثر من 400 موقع إلكتروني (أربعمئة موقع) محاولات عناصر القاعدة استغلال ما جرى في غزة، للإثارة والتشويش، وتأليب الشباب على مجتمعاتهم الإسلامية، ونشر فتاوى وخطب الإثارة والتحريض والتكفيرquot;.
وخلصت تجربة الحملة في حصر الأسباب بـ quot;معتقدات وشبهات المتعاطفات مع الفكر القاعدي في الجانب العاطفي بتفاعلهن مع ما يؤمننّ به ويعتقدن فيه كمسألة quot;الكراماتquot; أو التأثر بتفجير النساء لأنفسهن في بعض الدول الإسلامية، الأمر الذي ينتهي إلى تأييد مبدأ التفجير في أي مكانquot;. ومن الأشياء الغريبة كانت إشارة الحملة إلى وجود مبدأ quot;الهبةquot;، اذ استدلت الحملة على ذلك بما فعلته إحداهن أن وهبت نفسها لأول مفجر لمبنى القنصلية الأميركية بمدينة جدة في فترة سابقة، والتي اتضح صدقها وجديتها أثناء محاورتها من قبل منسوبات الحملة، لكنها تراجعت في النهاية عما آمنت به بعد سلسلة حوارات طويلة كما ذكرت الناشطاتquot;.
التعليقات