نبيل فهد المعجل: استرعى إنتباهي ما يعانيه كثير من أفراد المجتمع السعودي من إصدار أحكام متسرعة معلبة على الآخرين وآراء تهتم بالقشور على حساب المضمون وذلك إثناء برنامجي "إضاءات" الذي يقدمه الأستاذ تركي الدخيل و "مع بروين" التي تقدمه الرائعة بروين حبيب.أثناء مشاهدتي برنامج إضاءات مع رجاء الصانع صاحبة رواية بنات الرياض وصلتني رسالة عبر الجوال من كاتب عمود له جمهوره العريض بعد عشر دقائق فقط من بداية اللقاء يقول فيها "كنت أتمنى لو لم تظهر على البرنامج ...انها جوفاء"
ما كدت ابلع ريقي من هول الرسالة المتعجلة الا ووصلتني رسالة اخرى من زميل آخر تقول " إنها مغرورة" تبعتها رسالة ثالثة تقول "ضغطت على الريموت كنترول للبحث عن فيلم من أفلام المقاولات على الأقل سيكون أقل مللا منها". الرسالة الرابعة قال صاحبها انه أغلق التلفزيون لأنه لم يحتمل تبرجها. لك أن تتخيل عزيزي القارئ. أربعة اصدروا أحكاما خلال أول 10 دقائق من اللقاء بأنها جوفاء ومغرورة ومملة ومتبرجة.
حمدت الله بعد هذه الرسائل بأنني أنتمي لهذا المجتمع بصفتي الذكورية وليس لي علاقة بتأليف الروايات فأنا بالكاد قارئ ولست مضطرا ليوم من الأيام أن أحاكَم من قبل المشاهدين أمام المشاكس تركي الدخيل.
هذا الموقف ذكرني بموقف شبيه عندما استضاف برنامج "مع بروين" تركي الدخيل فقد إنهالت علي مع بداية اللقاء رسائل جوال تقول "تركي خفيف!!" وأخرى "ورا ما يثقل شوي". أجبت على تلك الرسالتين بأن تركي كان ثقيل الوزن وخف وزنه أما مسألة الثقل, بمعناها ومحتواها السطحي, فإنه لم يكن واحد منهم ولا أظن أن يكون أحدهم في يوم من الأيام.
رسالة أخرى لم يجد صاحبها ما يقوله الا تعليقا على مظهره الخارجي "وش هالشماغ اللي لابسه". يبدو أن صاحب الرسالة الأخيرة يعتقد بأنه كلما ثبت (أو تنشى) الشماغ على الرأس كان الشخص أكثر ثقلا. هناك هوسا في مجتمعنا بمسألة الثقل هذه. فالناس تعودت أن تنظر الى ثقيلي الشخصية بشئ من الهيبة, ولا أقول الإحترام, والعكس لأصحاب الشخصيات التلقائية.
أجهل حتى هذه اللحظة سر الإعجاب المفرط عند الكثيرين بمسألة الثقل. في نظري المتواضع وقد أكون مخطئا أجد أن المبالغة في "الثقل" ينعكس سلبيا على نواح كثيرة من الشخصية ويظهرهم, على عكس ما يرون أنفسهم, بثقيلي دم ولنا كثير من الأمثلة هذه في ما يعرض في برامج القناة الحكومية(ما غيرها). فغالبية ضيوفها وبعض مذيعيها يتقمصون من الثقل الشيء الكثير حتى يكاد يسقط الكرسي الجالسين عليه من شدة ثقلهم. لا ترى شئ يتحرك في هؤلاء ,خوفا من إهتزاز شخصياتهم مع أي هزة من أشمغتهم أو بشوتهم, سوى شفاههم مع نحنحة خفيفة لإضافة جرعة أخرى من الهيبة والثقل وليتها مصحوبة بإبتسامة.
هذه مجرد أمثلة أوردتها هنا للتعبير عن حزني لما وصل اليه الكثير من أبناء مجتمعي من بعدهم عن الموضوعية من خلال حكمهم السريع والجاهز على تصرفات الآخرين من سياسين ورجال دين وأكاديميين وغيرهم كثيرين هذا بالإضافة الى الإهتمام بالمظهر الخارجي على حساب المضمون.
أعود وأقول بأني لست بموقف الدفاع عن تركي ورجاء فلديهما من الثقة بالنفس وحلاوة اللسان, وطوله إن لزم الأمر, ما يمكنهم من الدفاع عن أنفسهم. كما أنني لست بصدد الحديث عن أعمالهما وان كان ولا بد فأقول وبعجالة أن برنامج إضاءات أشهر من نار على علم وأن رواية بنات الرياض ممتعة, عفوية, سلسة ولكنها ليست من الأعمال التي ترسخ في الذهن عند الإنتهاء منها ويمكن تسميتها بالعمل الموسمي إن صح التعبير على شاكلة أفلام الصيف وإستخدام اللغة العامية منحها حميمية معينة ونكهة وبساطة مع عدم إختلافي مع الكثيرين بأن إسم المؤلفة وعنوان الرواية كانا لهما أبلغ الأثر في رواجها.
تركي ورجاء وغيرهما كثيرون أناس بسطاء، وان الفارق بينهم وبين الآخرين، أن الله جبلهم على البساطة مع الثقة بالنفس فلماذا نظلمهم بآراء متسرعة ومعلبة؟