نزار الرياني : القاعة كبيرة مترامية الأطراف ، تنتشر على جوانبها الكراسي على نحو متسق في انتظار فرسان التداول .
شاشات الكمبيوتر مستعدة لاستقبال كل جديد من المعلومات، المشروبات الساخنة والباردة تنتظر شاربيها في المقصف . لا يزال الهدوء سيد الموقف .. صمت مطبق لا يقطعه إلا صوت السيارات خارج السوق .
واخيرا فتحت أبواب السوق ، دخل الفرسان من كل باب ، هرج ومرج ساد القاعة ، كل في المكان الذي يرغب ، البعض اتخــذ من الكراســـي نقطة انطلاق ووضع يـــده على الماوس بينما تسمرت عيناه على شاشة الكمبيوتر يراقب تغيرات الأسعار ، والبعض الآخر فضل الوقوف ومراقبة االشريط المضيء مبديا ً تحفزا ً أكبر وقلقا ً أكثر وضوحا ً، وفريق آخر فضل الصعود إلى دور أعلى ومراقبة قاعة التداول من عل ٍ ، وفريق فضل المتابعة من منزله ليضمن بذلك راحة الأعصاب .
ومع انطلاق التدوال زادت الحركة ، كل الهواتف " في الخدمة " وكل الموبايلات على الآذان .
الكل يتكلم .. أرقام تتطاير ومبالغ تتقاذفها الأسماع ، وجوه تضحك وأخرى تكفهــــر ، صيحـــات مختلفة ومتنوعة وأوامر متضاربة " بــــع"، " اشتر"، " خمسين ألف"،" مائة ألف "،" أوقف البيـــــع"،" لا تشـــــــتر".. أرقام خضــــراء " ارتفع السعر" وأخرى حمراء " هبط السعر" وأخرى زرقاء " السعر مستقر" ومعدل السوق في صعود ثم في هبوط وهكذا .
للحظة يخيل اليك انك أمام معركة شرسة ، يهاجم فيها " الكبير" بشراسة و يشتري بالملايين ويغامر من منطلق القوة والثبات وامتلاك القدرة على تغيير الأسعار وتوجيهها في الوجهة التي تناسبه ، اما الصغير فيهرب بما لديه من ملاليم من زاوية إلى أخرى ، من سهم بدأ يهبط سعره إلى سهم يتعشم صعوده ، وهكذا تدور اللعبة على قاعدة كم يستطيع الكبير أن"يأكل" من الصغير؟ وكيف يستطيع الصغير أن يفلت من الهلاك ويظفر بقوت يومه .. انه قانون الغاب باوضح اشكاله .
الأسبوع الفائت باع أبو حسين دكانه بنصيحة من أحد الأصدقاء ، ودخل السوق مراهنا ً على سهم إحدى الشركات الكبيرة .
اشترى أبو حسين أسهم من تلك الشركة بكل ما ملكت يمينه ، وفجأةً هبط سعر ذلك السهم هبوطا ً حادا ً ، رافقه ارتفاع أكثر حدة ً في ضغط الدم لديه الذي خرج في نهاية يوم تداول طويل ليستقل سيارته خائر القوى منهكا ً من هول المصيبة التي حلت به . ولكنه لم يتمكن من مغادرة سيارته ليجد نفسه نفسه على سرير في المستشفى يعالج من صدمة لم تكن في الحسبان .
البورصة في الكويت هي عادة دأب عليها الكويتيون منذ زمن ، وهي إحدى أهم أنشطتهم اليومية الأساسية ، ومن يدخل هذا السوق لا يمكنه الخروج منه بسهولة ، ومن أراد الاستمرار ومتابعة المشوار يجب أن يتحلى بحب المغامرة والمخاطرة وعدم الخوف من المفاجآت وقوة التحمل وبرودة الأعصاب والصبر وبعد النظر والقدرة على قراءة السوق بشكل جيد والقدرة على استيعاب الخسارة بنفس مستوى الشعور بلذة الربح .في الكويت ثقافة الصيد وركوب البحر والغوص بحثا ً عن اللؤلؤ والشعر والموسيقا والرياضة وبناء العقارات إضافة إلى الحرفة الأهم هذه الأيام حرف تداول الأسهم في بورصة عريقة هي الأقدم في المنطقة والأكثر نشاطا ً وحيوية ً .
لقد تمكن الكويتيون عن جدارة من تحويل هذه التجارة الراقية التي يحتكرها في بلدان أخرى طبقة من رجال الأعمال ، إلى نشاط يومي يقوم به الكويتيون جميعا ً كبارا ً وصغارا ً نساء ً ورجالا ً تجارا ً وأناسا ً عاديين متعلمين وأميين شركاتٍ وأفرادا ً لأنهم جميعا ً تعلموا أصول هذه التجارة ووضعوا أيديهم على مفاصل اللعبة فباتت تحت السيطرة وليس على من يود الدخول في السوق سوى اتخاذ القرار .