الشاطر وائل بشطارتو!
جاد نصر الله: قبل أعوام قليلة، كنت شأني شأن أترابي المراهقين أعد الايام بانتظار التاريخ الذي سأبلغ فيه سن الرشد وأطفئ أعوامي الثمانية عشرة. لطالما ايقظ هذا الرقم احلامنا بالمستقبل وببطولاتنا المتخيلة، وأثار رغبتنا في امتلاكنا لامور استعجلنا اختبارها: الفوز بغرفة مستقلة، وهاتف خلوي، ورخصة القيادة، وسيارة، والتأخر في العودة الى المنزل مساءً، وتدخين السجائر في العلن. امور كنا نعتقد ان شخصيتنا لا تكتمل من دونها، وأن استقلالنا عن العائلة والبيئة المحيطة مشروطة بتوافرها. وفي حمى تزاحم هذه الافكار والرغبات في الرأس التي تشبه محاربة طواحين الهواء، تتسلل رغبة اقتناء البطاقة الانتخابية. أكسسوار إضافي لوهم التحرر. الا ان هذه الرغبة في بلد كلبنان لن تتحقق قبل ثلاثة اعوام اخرى.
... انت في الواحدة والعشرين. ها قد وضعت البطاقة الانتخابية الصفراء في محفظتك منتظرا بفارغ الصبر ذاك النهار الموعود. من ستنتخب؟ اسم من ستكتب واسماء من ستشطب حين تقف خلف الستارة في نهار الاحد المشمس؟ من المرشح الذي توفرت فيه شروطك فأهلته للتعبير عنك كشاب لبناني. من هو ذاك الذي تتمنى الا يخذلك فتمطره بالشتائم والسباب كلما رأيته واقفا يصدح على المنبر، ويجعلك تندم على الساعة التي قررت فيها المشاركة في هذا الفعل الديموقراطي ويضطرك الى إتخاذ قرار بعدم الانتخاب مجددا.
تستعرض بروية لائحة اسماء النواب المئة والثمانية والعشرين لتجد أن ثمة شباب بينهم، لا بل يكاد يبدو هؤلاء أطفالا مقارنة مع زملائهم الذين يرتفع متوسط أعمارهم بإطراد! ففي لبنان كل شيء يحلق عاليا، بدءا بأعمار القيادات السياسية مرورا بكلفة الحياة ومعدلات الفقر والبطالة، وصولا إلى تأخر سن الزواج ونسبة التسرب المدرسي، علما أن العمر ليس المقياس العلمي للحكم على الهاجسين باحلام الشباب اللبناني ومخاوفهم.
تحاول جاهدا تجاهل الشيب الذي يخفيه النواب بصبغات الشعر الملونة. تنصت إلى خطابات الشباب بينهم بحثا عما قد يحاكي أحلامك وطموحاتك، فاذا بك تتمنى لو كنت أصما. خذ مثلا، علي حسن الخليل ( نائب حركة امل) واجتراره لخطاب "خشبي" نخره السوس. مصباح الاحدب (نائب عن منطقة الشمال) الذي تكتفي معظم الناخبات بوسامته فيجتاز باصواتهن نصف المسافة بين طرابلس وساحة النجمة. بيار الجميل(ابن رئيس الجمهورية السابق امين الجميل)، انتظر لليوم التالي قبل ان تأخذ بتصريحاته على محمل الجد. فزلات لسان هذا الشيخ الشاب أكثر من أن تحصى. وقبل أن تصغي اليه، عليك التأكد من سلامة سروالك، والاّ فأطفئ التلفاز فورا لأنه "مش كل واحد لابس بنطلون مفخوت بدو يحكي بالسياسة" كما صرخ يوما. اميل اميل لحود(ابن رئيس الجمهورية الحالي) ما زال يافعا في التجربة. دخل المجلس صفر اليدين من أي رصيد سياسي باستثناء انه ابن رئيس الجمهورية. لكنك سرعان ما سوف تعرف ما سيؤول اليه مستقبله السياسي حين تراه محتضنا من قبل آل المر، انسبائه المتنيين!
"ماذا بعد؟!" سأل الزعيم الدرزي وليد جنبلاط من المختارة. ثم اتبع سؤاله في الايام التالية بالكلام عن الـ"النخب" الجديدة. كرر هذه العبارة كثيرا قبل ان يرمي باسماء مرشحيه ويورط البعض في ورشة الترويج لنخبه. ومنهم على سبيل المثال لا الحصر الياس عطالله، رئيس حركة اليسار الديمقراطي، الخارج من رحم الحزب الشيوعي بعد مخاض عسير. والمحمل بإرث العلاقة التاريخية مع زعيم المختارة التي اسس لها جورج حاوي في عصر الحركة الوطنية. والمضحك المبكي في هذه المفارقة ان هذه القيادات "التاريخية" لليسار اللبناني لم، أو بتعبير أصح، لا تريد استخلاص العبر من سياساتها التحالفية القديمة. فتراهم يبنون الآمال على وعود الآخرين لهم باشراكهم في معاركهم ولوائحهم الانتخابية، فيما يعي جميع المتابعين - باستثنائهم طبعا - ان التلميح إلى امكان ادراج اسمائهم في اللوائح الانتخابية ليس سوى مناورة تشبه الرصاص الذي يطلق عادة قبل بدء اي معركة وتنعدم فعاليته حين يبدأ دوي قذائف المدفعيات الثقيلة.
الجميل في تصريحات وليد جنبلاط انها تحمل دائما إجابات على ما يدور في رأسك من تساؤلات، وان كانت اجاباته تعكس تهربا من الاسئلة المباشرة الموجهة اليه، وضعفا في شرح اسباب تقلبات طقس مطالبه السياسية، غير أن ملء الفراغ بالكلام المناسب قد يوضح المعنى.
وائل ابو فاعور
من بين أسماء المرشحين المتداولة هذه الأيام، ثمة اسم يستحق التوقف عنده قليلا انه وائل ابو فاعور. هذا المرشح الشاب الذي كثرت اطلالاته الاعلامية في الآونة الاخيرة بصفته متحدثا باسم الحزب التقدمي الاشتراكي. لم يكن وصول ابو فاعور الى موقعه القيادي الحالي نتيجة قرارعبثي بالتعيين، بل هو تكريس لمسيرة بدأها قبل أعوام طويلة في الحزب انطلاقا من منظماته الجماهيرية وتعكس تجربته في جوانبها الاساسية، الآلية المعمول بها لانتاج الكوادر في الحزب الجنبلاطي واطلاقهم في الاطار السياسي الاوسع. اما النماذج على "نجاح" هذه الاستراتيجية التنظيمية فكثيرة. ليس اولها الوزير غازي العريضي ولن يكون "الرفيق" وائل آخرها. ولا يحتاج المتابعون الى جهد كبير للتعرف على اسماء قادتهم في المستقبل، بل يكفي رصد الاسماء الشابة التي تطل برأسها من النافذة بين الحين والآخر.
يعود اول ظهور فعلي لوائل ابو فاعور جرى خلاله تداول اسمه خارج اوساط الاشتراكيين الى فترة ترؤوسه منظمة الشباب التقدمي (منظمة الحزب الشبابية)، حيث أجرى تمارينه التكتيكية. وكوّن خلال هذه الفترة الطويلة التي احتك فيها بالعنصر الشاب بشكل يومي، فهما اعمق لمشاكل هذه الفئة. وتبلورت لديه الصورة الأوضح لواقع الازمة التربوية والاجتماعية من خلال الاطر الاساسية لعمل المنظمة. وكان لكثرة اللقاءات مع ممثلي المنظمات الشبابية المختلفة، والمساهمة الفعلية في العديد من التحركات المطلبية والنقابية في الشارع، فضلا عن المعارك الانتخابية لمجالس فروع الطلاب في الجامعة اللبنانية، أن لعبت دورا كبيرا في انضاج تجربته السياسية وابراز تميزه كفرد. فهو يعرف كيف يوحي للآخرين بالثقة وينتزع الاعتراف به. يساعده على ذلك قدرته الكلامية. هذا القاسم المشترك بين قادة "الاشتراكي"، وكأنه بطاقة الدخول لتبؤهم المناصب الحزبية!
نجح وائل ابو فاعور في ابراز اسمه من خلال صوغ علاقات خاصة على الصعيدين المحلي والدولي. ويدرك الذين عملوا مع ابو فاعور، من موقع الحليف او النقيض على حد سواء، انه من الاشخاص الذين يتقنون اصول اللعب وفق القواعد الصعبة. يدرك جيدا ان القرارات العملية تحاك وراء الكواليس وليس في الاجتماعات المملة حيث التصافح وتبادل الابتسامات والتنافس على العبارات المنمقة.
مما لا شك فيه ان هذه الميزات ساعدت في وصوله الى أن يكون الساعد الأيمن لزعيم المختارة. ولعل هذا ما يفسر اعتماد وليد جنبلاط عليه في كثير من الامور التي تتعلق بسياسة الحزب الخارجية ومنها اشراكه في سفراته التي ترتدي طابعا خاصا كلقائه دروز فلسطين، فضلا عن إيفاده في الفترة الأخيرة الى فرنسا لمحاورة الجنرال ميشال عون، قبل عودة هذا الاخير من المنفى.
يطمح وائل ابو فاعور في الدخول الى المجلس النيابي، ورصيده الحقيقي عمله في الوسط الشبابي. فهل سيكون صوتا معبرا عن الفئة الشبابية الواسعة التي شكل احد رموزها في لبنان؟ هل يستند الى قوة حقيقية مستمدة من الشارع اللبناني فيتفوق على غيره ممن تاجروا بشعارات الشباب تحت قبة البرلمان، ولم يفلحوا؟ ام انه سيكون مجرد رقم اضافي في اللقاء الديمقراطي لا يفعل سوى تبرير آخر مواقف رئيس كتلته للرأي العام، كما يبدو الى الآن! ويصبح وجها اشتراكيا في منطقة البقاع الغربي ينزلق الى مدارك المصالح الخدماتية والمناطقية ويقع في فخ المحسوبية.
يقف وائل ابو فاعور عند مفترق طرق وفي جعبته الكثير من "الشطارة" التي أشار اليها وليد بك حين سُئِلَ في لقائه بأعضاء منظمة الشباب التقدمي في قصر المختارة قبل فترة: "لماذا الرفيق وائل أبو فاعور وليس (فلان)؟" فاجاب: "الشاطر بشطارتو"...
التعليقات