معرض بيروت العربي الدولي للكتاب 49
شباب يبحث عن هويته الثقافية بين الأبراج وطبّ الأعشاب

ما يطبع في أيّامنا هذه لأكثر ممّا
يسدّ حاجة المرء إلى ورق اللفّ.
نيكولاي غوغول- أمسيات قرب قرية ديكانكا

معرض بيروت للكتاب

عصام سحمراني من بيروت: quot;الشفاء بالأدعية والآيات، بحث بحسب الموضوع لو سمحتِquot;، طلب فادي ذلك من فتاة الإستعلامات في معرض بيروت العربي الدولي للكتاب بعدما ادّعى أنّه يقوم بدراسة إجتماعية تختصّ بهذا الشأن. أدخلت الفتاة المعلومات فقفزت على الفور العشرات من عناوين الكتب مجدوَلة بحسب دور النشر حيث تعرض وتروّج بكثرة في المعرض مثل كلّ عام للطلب الكثيف عليها وعلى غيرها من كتب الأبراج والتوقعات والطبّ البديل والطبخ. تناول الشاب خريطة المعرض من الفتاة وانطلق يبحث عن دور النشر في دهاليز المعرض وقد تزيّنت الخريطة في يده بعلامات قلمها.
على الرغم من أنّ منظمي quot;معرض بيروت العربي الدولي للكتاب 49quot;، الذي أقيم في مركز بيال للمعارض في بيروت وامتدّ من التاسع من ديسمبر حتى الخامس والعشرين منه، قد أصدروا إحصائيات دقيقة بيّنت الكتب الأكثر مبيعاً في المعرض كلاًّ بحسب فئته من تاريخ ، وأعمال عامة، ودين، وسياسة، وعلوم، وآداب وغيرها. على الرغم من ذلك فإنّ هذا التصنيف يحاول أن يستر الحقائق أكثر ممّا يبيّن الأرقام. والسبب واضح بشكل كبير لدى كلّ من يتابع أخبار المعرض أو يعمل في نطاقه كحالة غسان الذي يشارك في المعرض منذ سبع سنوات بائعاً حيناً لأحد الدور ومندوباً حيناً آخر لدار أخرى. غسّان يذكّر بالأرقام التي كانت تصدر منذ quot;ثلاث سنوات ورجوعquot; حين كانت الإحصائيات الخاصة بالمبيعات تعرض دون أيّ تصنيف؛quot;يومها كانت كتب ماغي فرح ومريم نور والشيف رمزي تكسح الكلّ ومرحبا ثقافة!!quot; يهزأ غسّان.
تلك الشهادة التي أدلى بها غسان مهمة للغاية بل إنّها أكثر من واقعية بالنسبة لحالة الإهتمام الثقافي العربي في العقد الأخير على الأقلّ. ومع ذلك فلا بدّ لنا من أن نتوجّه إلى الشباب المثقّف quot;التقليديquot; إذا ما صحّ التعبير. أولئك الذين يهتمّون بالأدب من رواية وقصص وشعر وخواطر وبالفلسفة والإجتماع وعلم النفس والسياسة والتاريخ وباقي العلوم الإنسانية والتطبيقية أيضاً.


رياض واحد من أولئك المثقفين الهائمين في المعرض وهم quot;يفلفشونquot; بين أوراق الكتب في دور النشر التي لا تحظى عادة بدعاية كافية تجعل مساحة معرضها أو موقعها جيّداً بالدرجة الكافية. تلك الدور تتواجد فيها في الغالب المواضيع التي تهمّ أمثال رياض. يحمل الشاب أحد دواوين الصحفي والشاعرquot;محمد أبي سمراquot; في يده وبالكاد يلتفت إليّ حين أسأله عن الكمّية الضئيلة من الكتب التي حصل عليها من المكان الذي يعتبره موعداً سنوياً هاماً بالنسبة إليه. quot;الجيبة فاضيةquot; يجيب رياض ببرودة أعصاب من لا يريد أن quot;يسمّ بدنهquot; على شيء تافه كسؤالي. فالقصة هي أنّ رياض يعدّ سنوياً لائحة من الكتب ينوي شراءها في موعد المعرض التالي لتخطيطه وغالباً ما يطرأ جديد على جيوبه تلك التي quot;فيها من الثقوب أكثر ممّا في جيب اليهودي من القطع الذهبيةquot; كما يقول الكاتب الروسيّ quot;نيكولاي غوغولquot; عن سترة بترو المسكين في quot;أمسيات قرب قرية ديكانكاquot;. وبالمناسبة فإنّ رياض لم يكمل لغاية الآن عشرة بالمائة من لائحة كتبه.


بلال تقليديّ آخر لكن quot;الفلفشةquot; بين الدهاليز هي اختصاصه الذي اكتسبه على مدار السنين والمعارض التي يرتادها والمكتبتان الفائضتان في منزل أهله بالإضافة إلى المكتبات الثلاث في بيته وquot;المتروسةquot; كما نقول باللبنانية بجميع أنواع الكتب تشهد على هذا الكلام. هو إدمان إذاً! ربّما لكنّه إدمان على القراءة قبل أيّ شيء آخر. بلال الذي تلقّى نصيحة من أحد مدرّسيه أيّام المدرسة المتوسطة ربّما كان الوحيد الذي امتثل لها واعتنقها بين زملائه منذ ذلك اليوم؛ quot;إشتر أيّ كتاب يقع بين يديك!!quot;. هي نصيحة غريبة ربّما لكنّ فوائدها قد تجلّت في الشخص الذي اعتنقها والذي أصبح أستاذاً لا كأستاذه في مادة واحدة فحسب بل في كلّ شأن من شؤون الحياة. هذا عن بلال الذي quot;لم تسمح الجيبةquot; أيضاً له هذا العام أن يشتمل بعباءته كلّ المنشورات، فاكتفى بإتمام مجموعته من كتب عالم الإجتماع العراقي الراحل د.علي الوردي؛ quot;وبعد المساومة أيضاًquot;.

يقتصر الإهتمام لدى عامر على الكتب الدينية الإسلامية من quot;تفسير وحديث وفلسفة إلهيةquot;. وقد وقع في المعرض على كنز كبير منها تمثّل في الخطوة التي قامت بها quot;المكتبة العصريةquot; بخصوص نشر نسخات كاملة لكنّها مصغّرة على صعيد القطع والخطّ لأمّهات الكتب من الصحيحين إلى مؤلفات الغزالي وإبن تيمية وإبن الجوزي إلى غيرها من الكتب النادرة والمحققة حديثاً. quot;أحد يصدّق أنّ هذا الكتاب كان يباع بعشرين دولار!!؟quot; يحمل عامر أحد الكتب ويفاجأ أكثر حين يدفع ثمنه 2500 ليرة لبنانية أي ما يقلّ عن عشرة بالمائة من سعر الكتاب الأصلي بحسب عامر.

نمر كان معرضه حافلاً أيضاً هذا العام فقد أحسن الإختيار للمرّة الأولى منذ زمن طويل حيث نوّع ما بين الروايات العربية والعالمية، والدواوين الشعرية الحديثة والقديمة، والكتب والمجلات الإجتماعية الخاصة بدراسته الجامعية. نمر ابتاع أكثر من عشرين كتاباً من المعرض بعدما استمرّ حتّى اليوم الأخير يدخل مع الإفتتاح الصباحي ولا يخرج إلاّ مع البائعين ومع ذلك فهو لم يشبع من المعرض؛ quot;ولن أشبع بتاتاًquot;. حالة نمر تلك استدعت أخاه غير المهتم بالثقافة بدعوته لإفتتاح زاويته الخاصة في المعرض؛quot; ربّما يجب أن أدرس الموضوع!quot; يقول نمر.

ناديا كانت مهتمّة أيضاً بزوايا دور النشر البعيدة عن الأبراج والعناية بالبشرة وتخفيف الوزن. فقد صبّت كلّ إهتمامها هذا العام على كتب وموسوعات الأطفال ونالت مبتغاها بالفعل لدى أكثر من دار. ناديا لديها ثلاثة أطفال رغم سنّها الصغير نسبياً أكبرهم في الثانية عشر وأصغرهم في الثامنة وهي تريد quot;إغنائهم بالمعلومات التي لا تقدّمها المدرسةquot; وقد استشارت لهذا الغرض أحد الأصدقاء المقرّبين والمثقّفين في الوقت عينه وقد زادها على غموضها فيما يناسب أطفالها غموضاً أكبر حين حمّلها كتباً قد تجد هي صعوبة في قراءتها؛ quot;كيف الولاد!!؟quot; تحتج ناديا على الصديق ولا يبالي كثيراً بإحتجاجها؛ quot;متل ما بدّك!quot; يقول لها.
إرتأينا أن نقتصر في عرضنا على آراء لشباب من مثقّفي دهاليز المعرض. أولئك الذين يقرأون، لا الذين يمضون ساعاتهم في الكافيتيريا، أو في quot;الفيرجين ميغا ستورزquot; حيث يمنع من لا يليق مظهره بسمعة المكان المفترضة من الدخول. وحيث يبلغ ثمن قرص الأغاني المدمج عشرين دولاراً، يستطيع المثقّف أن يشتري بها من خمسة إلى عشرة كتب على الأقلّ. أضأنا على المثقّفين الحقيقيين الشباب رغم قلّتهم، على أمل أن لا يتحوّل مفهوم الثقافة أكثر نحو الأبراج والتوقّعات. الطبخ معليش.

*تصوير عصام سحمراني_خاص إيلاف

جناح جورج حاوي

جناح المقاومة الاسلامية

الجناح الكويتي

الجناح السعودي