شباب يعبر عن نفسه بنغمات هاتفه:
تجارة الحب في السعودية
سعيد الحسنية: بعيدا عن تجارة الموت والتفجيرات التي يروج لها تجار الإرهاب والمفخخات والتي تحط الترحال كل حين في مكان ما من العالم ، تزدهر بين الشباب تجارة أخرى مملوءة بالأمل و حب الحياة قوامها نغمة جميلة وبيت من شعر يحملها الأثير عبر أجهزة الهواتف المحمولة بين الأصدقاء والمحبين لا تخلو من النكتة او المزاح المحبب والصورة المميزة. قد انتعشت من خلالها مبيعات دواوين الغزل وكتب الحب وكتيبات الرسائل القصيرة ، وولدت أيضا مهن وأعمال جديدة .
النغمات مصدر واعد للربح لشركات بيع الموسيقى
![]() |
خاص إيلاف-تصوير سعيد الحسنية |
وأفادت بيانات أوردتها شركة كونسكت لدراسات السوق أن مبيعات الرنات بلغت نحو اربعة مليارات دولار على مستوى العالم في عام 2400. وفي المقابل لم يتسن الحصول على إحصاءات عن حجم تجارة رنات الموبيل في السعودية.ولكن كل المؤشرات تشير على انتعاش هذه التجارة .
وفى حين استقرت اسعار شركات خدمة تحميل الموسيقى من الشبكة الدولية مثل شركة ابل اب تيونز عند نحو 99 سنتا للاغنية يتقاضى بائعو الرنات ما يعادل مثلي أو ثلاثة أمثال هذا المبلغ مقابل مقطع لا يزيد زمنه عن 15 ثانية من أغنية.
هذا ما دفع بأحد الخبراء في صناعة الموسيقى إلى القول : quot;نعرف تجارة نغمات الموبيل مجال مربح وأن الرنة الأكثر مبيعا الآن تفوق مبيعاتها الأغنية الأكثر تحميلا من الانترنت. وهكذا قطعت التقنية خطوة كبيرة للأمام.
نغمة فابتسامة فلقاء
quot; ان اختيار النغمة الجميلة والنكتة اللطيفة على جهاز الموبيل الخاص بك يسهل عملية التعارف والصداقة بين الناسquot; هذا ما شدد عليه عبد العزيز المنصور (طالب جامعي ) والذي أشار إلى أنه من عشاق الحداثة ويسعى دوما إلى إنزال أحدث النغمات، ويؤكد عبد العزيز على فعالية وجدوى النغمات في التقارب مع الجنس اللطيف. وهكذا يبدو أن طريق العشاق بات يمر بنغمة فابتسامة فلقاء .
وفي الإطار نفسه يقوم العديد من الشباب بتغيير نغمات هواتفهم المحمولة بانتظام لمسايرة أحدث الأغاني. ويقول أحد الشباب إن الجميع يفعل ذلك لأنه أمر ممل جدا أن تظل محتفظا بنفس النغمة لفترة طويلة.
تجارة جديدة تستفيد من فراغ الشباب وتسيطر على عقولهم
![]() |
خاص إيلاف |
وتنتشر في الصحف المحلية والقنوات الفضائية إعلانات لشركات تعرض أحدث النغمات والصور الثابتة والمتحركة للهواتف المحمولة.
اما أحمد الحربي وهو طالب ثانوي فهو يسعى باستمرار للحصول على أحدث النغمات من مواقع على الانترنت أو من المحطات الفضائية الغنائية لانه لا يتحمل سماع نفس النغمة مدة طويلة،quot;من المُمل الاحتفاظ بنفس النغمة لفترة طويلة أو حتى استخدام النغمات الأصلية للتليفونات... خصوصا مع ظهور النغمات المُجَسمة وإمكانية ان يعلو تليفوني بصوت المغني نفسه.quot; ويتابع أحمد: quot;استخدم أكثر من نغمة وأُخصص لكل متصل نغمة معينةquot; .
ويقول عبد المجيد التمامي (21 سنة) وهو طالب في قسم علوم الحاسب بجامعة الأمير سلطان quot;كل ثلاثة أسابيع ألجأ إلى تغير الرنة وذلك من خلال محل لبيع النغمات في سوق الاتصالات أو من خلال الأكشاك الخاصة الموجودة في بعض المولات التسويقية الكبرى حيث تكثر المحلات لبيع الرنات والشعارات عن طريق اجهزة الحاسوب quot;.ويقول ماجد مهدي(21 عاما) الذي يعمل في مطعم : quot;أُبَدل النغمة كل أسبوعين تقريبا. أُتابع النغمات الجديدة في الصحف واشتري النغمة بجنيه واحد quot;.
ومن جهة ثانية يطل علينا أبو بكر عبد الودود ليفاجئنا بموقفه المتميز عن زملائه الشباب حيث يشر إلى ولعه بالأغاني القديمة ولا سيما إلى محمد عبدو وفيروز فيحب أن يزود جواله بتلك النغمات وذلك مع إبدائه إعجابا كبيرا بموضة النغمات ويقول : حلوة وضرورية إنها موضة شبابية quot;.أما عبد الرحمن الشماس فيبدي من جهته ولعه بالنغمات المتعددة ويقول : quot; طبعا أنزلها على جوالي تماشيا مع الشبابquot; كما يبدي هوسه بأغاني نانسي عجرم وكل جديد .وكطبيعة الحال يخصص عبد الرحمن نغمة لكل متصل وأحيانا يضيف صور المتصل أو أي صورة أخرى ،ويبدي أيضا حرصه على تزويد جواله بنغمات حديثة فقط من الملات دون اللجوء إلى خدمة اتصل على (... ) لتأخذ نغمة. وبالرغم من هوسه بها يعتبر عبد الرحمن إن النغمات مجرد كشخة وليست ضرورية. يوافقه على ذلك ياسر محمد جمعة : الذي يقول : quot;ليست ضرورية ولكن ما الضرر منها ..إنها ليست أساسية ولكنها ممتعة quot; ويضيف : quot; أنزلها للقضاء على الملل quot; . ويشير كذلك إلى أنه يسعى إلى إنزال النغمات بشكل دائم يكاد يكون أسبوعيا فيقول ممازحا : quot;أنزلها على جوالي بشكل دائم وعند صدور أي حديث ..فكل الباعة هنا أصحابنا quot;.
غير ان هذا ليس رأي الجميع. إذ يشكو احد الشبان من رنين الهواتف التي تحمل نغمات الأغاني في أماكن لا ينبغي أن تسمع فيها مشيرا إلى أنها تجسيد لمجتمع لا يتمتع أفراده بحرية التعبير عن أنفسهم. وقال quot;نكون في المسجد وفجأة تعلو نغمات أغنية لنانسي عجرم أثناء الصلاة من جوال أحد المصلين أو مثلا في مستشفى أو مأتم...quot;
بيع النغمات..تجارة مربحة وممتعة
تنتشر متاجر صغيرة لخدمة حاملي الموبيل في كل أنحاء السعودية حتى في الأحياء الشعبية ناهيك عن المحلات المنتشرة في أسواق الاتصالات المتخصصة ، إضافة إلى متاجر صغيرة موجودة على مداخل بعض المولات الكبرى حيث لا تمثل التكلفة عقبة أمام الراغبين في شراء أحدث النغمات.وأثناء إحدى جولاتنا على تلك المحلات إلتقينا عدد من أصحابها الذين زودونا بعدد من المعلومات حول تجارة النغمات .
فيقول يامن العبدلله الذي يملك متجرا صغيرا في سوق الاتصالات لبيع أجهزة الموبيل وخدماتها من نغمات وصور وهو يجلس على جهاز حاسوب لنقل نغمة جديدة لأحد الزبائن: quot; سعر النغمة مرتبط إلى حد كبير بحجم الكمية التي يطلبها الزبون..وهي تتراوح بين خمسة ريالات وعشرة ريالات للنغمة الواحدة وقد تكون مجانية مع الجهاز الذي يرغب الزبون شرائه من عنده.ويضيف يامن : إن حركة الإقبال على النغمات كبيرة وتزدهر أكثر مع نزول ألبوم ناجح لمغن مشهور حيث نبيع كمية جيدة من الرنات في اليوم الواحد quot; ...وحول الفئات الأكثر إقبالا عليها يقول : quot; الإقبال من كلا الجنسين تقريبا لكن الشباب أكثر من النساء..كما يؤكد على ان النغمات تحظى بالإقبال من كافة الأعمار quot; وكل حسب عمره .. فصغار السن يقبلون على النغمات الموسيقية البلوفونية،أما الكبار في السن فينزلون النغمات الغير موسيقية..ويضيف :quot;الجميع ينزل النغمات ..حتى الملتزمون دينيا فهم ينزلون آيات قرآنية على جوالاتهم quot;. أما عن كيفية حصوله على النغمات التي يبيعها فيقول :quot;طبعا عبر الإنترنت quot; وعن أكثر النغمات رواجا لديه يقول : quot;النغمات الحديثة الخاصة بأحدث الألبومات إضافة إلى النغمات الخليجية.
![]() |
خاص ايلاف |
ومن جهة ثانية يجمع هؤلاء الباعة على أن التقدم التقني ساعد كثيرا في شعبية نغمات رنات الموبيل حيث أصبح لدينا اليوم نغمة هي عبارة عن نغمات متعددة، وصاحب هذه النغمة كمن يحمل أوركيسترا في جيبه.
حب تباهي أم سد نقص؟
يرى خبراء في علم الاجتماع أن الإقبال على شراء نغمات هو تجسيد لإحساس الشباب بالفراغ. ويؤكدون على أن رنات الموبيل ظاهرة تنتشر بين مختلف الفئات العمرية... إلا أنها لدى الشباب وسيلة لشغل وقت الفراغ والتباهي ومجال للتعبير عن ميول فردية. ويشيرون أيضا إلى أن من يعاني من شعور بالنقص وتحديدا من الناحية المادية لديه ميل كبير للمحاكاة كي لا يبدو أقل من غيره... الميل للتظاهر مرض اجتماعي خطير فتنتج عنه تصرفات لا تعكس الواقع الاقتصادي أو الاجتماعي. ولكن هذا لا يعني أن كل من يسعون إلى إنزال النغمات على جوالاتهم هم يعانون من نقص ، إنما تحولت تلك الظاهرة إلى كشخة يتنافس ويتسابق عليها الشباب لمجرد التباهي .ولكن كل هذا التفسير لم يثني سالم الظاهري ، وهو موظف (33 سنة) ، عن إظهار سخطه على كشخة النغمات بقوله : quot; أن هذه الظاهرة تعود إلى الفراغ فلا يجد الشباب ما يشغلون به أنفسهم فضلا عن حبهم التباهي. ويضيف : quot; تجد الشاب بدون عمل ثابت أو يتقاضى مرتبا ضعيفا وأكثر ما يهمه شراء جوال حديث ومتابعة أحدث الرنات.quot;
كتب شعر ونكات..والرزق على الله
![]() |
خاص إيلاف |
يقول المثل الشعبي (رزق ناس على ناس ورزق الجميع على الله ) فمهنة واحدة تولد مهن أخرى كثيرة وانك تجد من افتتح محلا لبيع أجهزة الهاتف الموبيل لا غنى له عن جهاز الحاسوب وشخص يجيد العمل عليه لإدخال النغمات أو الصور إلى الأجهزة وحسب الطلب وتقديمها كخدمات للزبائن وهذه النغمات والصور متعددة وحسب نوع الجهاز وسعة الذاكرة فيه متنوعة من أصوات الحيوانات إلى أنغام الموسيقى فالأغاني التي لم تقف عند جيل معين من أم كلثوم إلى هيفاء وهبي مرورا بجورج وسوف إلى كاظم الساهر ونانسي عجرم وهيفا وهبي وراغب علامة وغيرهم من الفنانين العرب الذين تعج بكليباتهم فضائياتنا الغنائية .أما الصور المرسلة على الأثير فيها الكثير من الطرافة والتهكم وهي لأشخاص معروفين تارة كالفنانات ونجوم الرياضة ، وتارة أخرى لإفراد العائلة و الأصدقاء خاصة مع احتواء بعض الأجهزة على الكاميرات .ويبقى أن انتشار الرنات فيه نوع من التعبير عن النفس والتمايز بين الأفراد في مجتمعاتنا العربية ولا سيما تلك التي تكثر فيها المحظورات وتندر مراكز اللهو والترفيه.
التعليقات