عندما يتجاهل الرجل استغاثة امرأة
المصري الشهم فى طريقه الى الانقراض

أحمدعبدالمنعم :امرأة أو فتاة تتمتع بقدر من الجمال تسير في شارع مزدحم بالمارة.. تفاجأ بوابل من الكلمات المعسولة تنهمر عليها من كل حدب وصوب . لا تلتفت الى قائلها في أغلب الأحيان وتمضي قدماً في طريقها دون اهتمام. أحياناً لا تتوقف عبارات الغزل عند المسموح به فيتخللها مجموعة من الكلمات البذيئة التي تخدش الحياء.تصر الفتاة علي موقفها وتمضي في طريقها كأنها لم تسمع شيئاً.. ففي ظل تجاهل المارة لما يحدث عليها أن تؤثر السلامة وتسرع من خطاها للابتعاد عن المشاكل. صمت الفتاة في كثير من الأحيان لا يحميها- كما تظن- بل قد يشجع من يعاكسها علي التمادي في المغازلة لتتحول من مجرد كلمات الى لمس أجزاء من جسدها. احتمالان لا ثالث لهما في هذه الحالة ، اما أن تقدم الفتاة علي سب الشاب والهروب من المكان بأقصى سرعة ممكنة - وهو الاحتمال الأكبر- واما أن تصفعه علي وجهه وتكيل له اللكمات بأيديها الناعمة غير عابئة بما قد تتعرض له من لكمات مضادة.. وعليها ألا تنتظر شهامة أحد المارة ، فلكل واحد د منهم ما يشغله عن ذلك المشهد الذي اعتاد على رؤيته يومياً.. فالزمن الذي نعيش فيه الآن ليس بزمن الرجل الشهم؟!!



ذلك السؤال الحرج كان محور دراسة حديثة أعدتها الدكتورة إيمان قائد- الأستاذ بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية في مصر- وحملت عنوانquot; سلبية الرجالquot; وطرحت الباحثة من خلالها عشرات الاسئلة في محاولة علمية للبحث عن اجابة عنها عبر 300 رجل وامرأة من جميع الطبقات الاجتماعية والثقافية مثلت عينة الدراسة.

اعترف 86% من المشاركين في هذه الدراسة بسلبية مفرطة من قبل الرجال تجاه ما تتعرض له المرأة من معاكسات في الحياة اليومية ويحمل 78% منهم الرجل مسؤولية ذلك بينما يرى 37% من عينة الدراسة أن صورة المرأة في وسائل الإعلام هي السبب.
وتقول الدراسة ان 55% من المصريين لا يثقون بالقانون في حالة تطور الأمر وتحوله الي مشكلة وأن ذلك هو ما يدفعهم الي أن يؤثروا السلامة .بينما يرى 45% أن إنشغال كل إنسان بهمومه الخاصة يجعل اهتمام الرجال بما تتعرض له السيدات يقل بشكل ملحوظ ،غير أن نحو 90% من الرجال المشاركين في هذه الدراسة المثيرة يؤكدون علي نحو حازم أن السبب الرئيسي في سلبيتهم تجاه مشكلات المرأة يتمثل في خروجها للعمل ومزاحمتها لهم في الوظائف المحدودة ووسائل المواصلات المزدحمة والأماكن العامة وبالتالي فليس هناك مبرر للدخول في مشاجرات من أجلها.

وتوضح الدراسة ان أبرز الأسباب وراء هذه السلبية التي يعاني منها الرجل المصرى هو خروج المرأة للعمل، وهو ما جعل الرجل يشعر بعدم وجود فارق بينه وبين المرأة وبالتالي يسأل نفسه لماذا أقوم لها لتجلس في المركبة وهي تزاحمني كل يوم.
فقبل خمسين عاماً من الآن كان الرجل يصعد الى المركبة فلا يجد إلا امرأتين أو ثلاثة فقط قبل أن تتغير الأحوال وتصبح السيدات يمثلن الأغلبية العظمى في الشوارع والمواصلات العامة وهو ما زاد من مساحة السخط عند الرجال الذين بات معظمهم يشعر الآن بأن المرأة أخذت أكثر من حقها بمزيد من المكاسب على حسابهم وبالتالي لم يعد من المقبول النظر إليها باعتبارها المخلوق الضعيف الذي يحتاج الى المساعدة.

وتضيف الدراسة ان عدد كبير من الفتيات أصبحن يتصرفن كالشباب في كل شيء بل ويستخدمن الكلمات نفسها والمصطلحات الخاصة بهم وأحياناً . كما تطرقت الى ملبس الفتيات الذي عادة ما تخلاج عن الاطار الاجتماعي الشرقي المقبول مما يدفع البعض للشك في سلوكياتهن وبالتالي لا يتقدم الشباب للدفاع عنهن في حالة تعرضهن لأي مشكلة في الشارع أو العمل.

علماء النفس والاجتماع الذين عكفوا على دراسة الظاهرة أجمعوا على أنه من الصعب تحديد الأسباب الحقيقية وراء هذه السلبية التي نعاني منها في حياتنا اليومية ..كما أن هناك أسباب كثيرة متشابكة تدفع أفراد المجتمع الى مزيد من السلبية وأهمها الضغوط الاقتصادية والإيقاع السريع للحياة الذي لا يسمح لأحد بمشاركة الآخرين في مشكلاتهم، اضافة الي الشعور الدائم بعدم الأمان والاستقرار في العمل والأسرة . كل هذه الأمور تدفع الشخص الى التوتر والقلق وانحصار دائرة تفكيره في الذات فقط بعيداً عن مشكلات الآخرين.

واعتبروا أنه من الخطأ بمكان اعتبار سلبية الرجال تجاه ما تتعرض له المرأة من المضايقات يومياً بأنه سلوك موجه ضد المرأة أو رفض لخروجها الى سوق العمل ومزاحمة الرجال في الحياة العامة لأننا يجب أن ننظر إلى هذا السلوك السلبي باعتباره جزءاً من السلبية في غيرها من الأمور سواء كان ذلك بالنسبة للرجل أو المرأة أيضاً حيث أصبح من المعتاد رؤية الخطأ أمام أعيننا ولا نتدخل لتصحيحه طالما أن الأمر لا يتعلق بنا بشكل مباشر وأصبحت كلمة quot;وأنا ماليquot; تتداولها الألسنة باستمرار دون أن يعتبر البعض هذا السلوك سلبياً أو غير مناسب مع أخلاقنا المصرية .
ربما لم تضف تلك الدراسة جديدا فيما يتعلق بظاهرة منتشرة فى الشارع المصري ولكنها بالتأكيد مثلت صدمة لبلد طالما تغنى شعبه بالشهامة واعتبرها جزءا من جيناته الوراثية ؟!!