رزق علي: يتنقلون بين مكان واخر ، يبحثون عن جرحى يضمدون لهم الجراح ويزيلون عن المهجرين آلام الرحلة .يصفهم الناس بملائكة الرحمة ورسل الطمأنينة والسلام .. إنهم طواقم الاسعاف والطوارىء والمتطوعين في كل من لبنان وفلسطين الذين قاموا بعملهم بكل شجاعة كي ينعم غيرهم بحياة بعيدة عن صوت المدافع وازيز الرصاص.
ينشطون دوما في زمن الحروب الملعونة التي تحرق الاخضر واليابس من الارض ولا تجعل الفضاء ممكنا لحياة الاجيال اللاحقة في هدوء وامن وسلام.

لا فرق بين مرسيل اللبناني الذي حاول جاهدا وعبثا ان ينقذ جرحى قانا وقتلاها ، قبل ان تسبقه دموعه لتغطي اجساد الاطفال بدلا من دمائهم التي لم تسيل اصلا ومحمد الفلسطيني الذي راح يجوب افاق شمال غزة بحث عن ما تبقى من اشلاء لطفلين قضيا في قصف اسرائيلي لعربة كان يجرها حمارا .

كل منهما غارق في همه دونما انتظار تحية من احد. يعملان لانقاذ الجرحى وانتشال القتلى ونقل المشردين من نير آلة الحرب الاسرائيلية التي لم تعد تفرق بين هذا اوذاك وان كانا يرتديان اللباس الاحمر القاني المزهر بالشارة الطبية الا ان الطائرات تلاحقهما في كل مكان .

لم يكونا ليجتمعا في مكان واحد ،فالاحتلال قد قطع اوصال بلادهما بالاسلاك الشائكة التي وضعها الجنود الاسرائيليين في كل مكان لتحول دون الالتقاء.
محمد متطوع فلسطيني في جهاز الاسعاف والطوارىء الفلسطيني اشترك منذ اندلاع انتفاضة الاقصى مع الطواقم الطبية لانقاذ مئات الفلسطينين الذين كان يعلقون تحت ركام المباني التي تقصفها اسرائيل بين حين واخر، الامر الذي جعله اكثر تعلقا بمهنته الجديدة املا في انقاذ الكثير من الارواح التي تتوق الى من ينقذها من الدمار والخراب الذي تحدثه الطائرات او الدبابات الاسرئيلية.

في الوقت نفسه لم يكن بوسع محمد ان يجمع بين مهنته السابقة كموظف في احدى الدوائر الحكومية وبين عمله كمنقذ الذي يعتبره عملا مقدسا يمكنه من خلال خدمة الناس ومساعدته ، فما كان منه الا ان ترك وظيفته السابقة .

يعتبر محمد ان كافة الحوادث التي يتعرض لها المسعفين خلال عمليات انقاذ الجرحى وانتشال الجثث قد مكنتهم من الاحتفاظ باكبر قدر ممكن من المشاعر الانسانية .
وتعود به الذاكرة الى حادثة احتجازه هو وخمسة من زملائه في الاسعاف الفلسطيني في احدى البنايات شمال قطاع غزة بينما كان المبنى يتعرض لموجات عنيفة من القصف المستمر الامر الذي ادى حينها الى استشهاد اكثر من سبعة فلسطينين بينهم اربعة اطفال من عائلة واحدة وهي المرة التي اصيب فيها محمد بينما كان يحاول انتشال جثة احد الاطفال من تحت ركام المنزل.
ويرى محمد بان المهنة الجديدة شكلت لديه دافعا اكبر لحب الحياة والعمل من اجل انقاذ ما يمكن انقاذه ممن يتعرضون للقصف والاعتداءات الاسرائيلية المستمرة .
ولان الموت ومشاهده تكثر في عمل محمد ،فهو يعتبر كل يوم يخرج من منزله لاداء مهامه هو موعد متجدد مع الموت لنفسه ولغيره .
وعن الاحتياطات المتخذة لتفادي الاعتداءات الاسرائيلية يقول محمد quot;الله بيسترquot; ولا يعدو الامر اكثر من مجرد نزهة يذهب فيها بعيدا لكسب مزيد من دعوات الامهات وكبار السن اللذين ينقذ حياة ابنائهم .

وبينما يتطلع المسعف محمد الى ان تهدأ الامور قليلا حتى يتمكن من الاستفادة من فسحة الهدوء ليمضي قليلا من الوقت مع اطفاله فان الامور لا تنذر بهدوء قريب بل بتصعيد ما بعده تصعيد خصوصا في ظل الفشل الاسرائيلي في لبنان والتخوف من استعراض للعضلات في غزة .
وعن ذلك يقول محمدquot; الامور اصبحت اكثر تعقيدا واكثر خطورا . لقد فتح الاسرائييلين كل الجبهات عليناquot;.
ولا ينسى محمد ان يتوجه لزملائه في المهنة في لبنان quot; هم اعلم بديارهم منا. لكل واحد خصوصياته واهتمامته . لا يمكن ان يكون الوضع في لبنان ممثال لفلسطين فالامر اخطر و اكثر تعقيدا من هنا، نحن معتادون على الامر لكن عليهم التكيف بسرعة مع الاحوال الجديدة حتى يتمكنوا من الاسراع في الانتشال وانقاذ الجرحىquot;.