إسرائيل نسفت تحضيراتهم ..ومنازلهم
طلاب الجامعات في لبنان: من الحرب الى الامتحانات


مجموعة من الطلاّب في المدينة الجامعية في الحدث-خاص إيلاف
عصام سحمراني من بيروت : إنتهى العدوان الإسرائيلي على لبنان واستعاد اللبنانيون حياتهم شبه الطبيعية رغم التهجير، والتوقف عن ممارسة الأعمال، والدمار الذي حلّ بالمساكن والطرقات، والحالة العامة التي شلّت البلاد وجعلت لبنان ممراً للصفقات الدولية المتعدّدة الإتجاهات. إنتهى العدوان ومعه بدأت نشاطات عديدة تتعلّق بإعادة الإعمار، وعودة النازحين إلى مساكنهم والموظفين والعمّال إلى أشغالهم، وعودة الحياة في لبنان برمّته إلى نفسها مرّة أخرى.

طلاّب الجامعات، الرسمية منها على وجه الخصوص، لم يتأثّروا كثيراً بالعدوان الإسرائيلي وكان لتوقيت العدوان فائدة بالنسبة لهم حيث بدأ بعيد انتهاء امتحاناتهم النهائية. وكذلك الحال بالنسبة لمباني التدريس والإدارة في كلّياتهم التي لم يصب أيّ منها بالقصف الإسرائيلي إن في محافظتي الجنوب أو في جبل لبنان أو في البقاع حيث كانت الميادين الأبرز للعدوان. لكنّ نتائج الحرب أصابت معظم الطلاّب في الصميم وخاصة في ما يتعلّق بتحضيراتهم للدورة الثانية من الإمتحانات التي تبدأ أوائل الشهر القادم في معظم الكلّيات.

محمّد مثلاً لا ينوي تقديم الدورة الثانية بتاتاً. وعلى الرغم من أنّه سيعيد سنته الدراسية عاماً آخر فإنّه مصرّ على هذا القرار؛ quot;لا أستطيع التركيز بتاتاً في أمور الحياة نفسها فكيف في الدرس!؟quot;. هو نزح مع بدء قصف الضاحية الجنوبية إلى الشمال ومن هناك إلى سوريا حيث غاب عن ذهنه كلّ ما يتعلّق بالدراسة quot;نهائياً وكأنّي لست طالباً جامعياًquot;.

يدوّن علي برنامج إمتحانات الدورة الثانية على مفكّرته الصغيرة وهو ينسخه عن الإعلان الكبير في كلّيته. quot;يبدو أنّهم يشعرون مع الطلاّبquot; يهمس لرفيقه. هو إذاً راضٍ عن الإمتحانات؛ quot;هيك وهيكquot; يقول بغموض ويفسّر؛ quot;أنا ناجح بتسع مواد أي انّي قطعت إلى السنة الثالثة لكنّ المواد الباقية يبدو انّني لن أقدّمها!quot;.

لا مبالاة علي يبرّرها بضياع كلّ كتبه مع القصف الإسرائيلي على الضاحية الجنوبية بالإضافة إلى تدويناته الخاصة على دفاتر المحاضرات التي واظب على حضورها طوال العام حيث quot;دمّرت الشقّة بما فيها والحمد لله كنّا قاطعين السنة من الدورة الأولىquot;.

إرتياح علي إلى برنامج الإمتحان ومواعيده التي تمتدّ إلى ما بعد عيد الفطر لا يبدو صديقه جاد مرتاحاً لها بتاتاً. فجاد يعتبر البرنامج مملاً ومتعباً وخاصة في ما يتعلّق بترافقه مع شهر رمضان؛ quot;كيف سنؤدّي جيّداً بمثل هذه الظروف.. صيام وحرّ وإرهاق ونفسية تعبانة جرّاء العدوانquot;. هو لا يمكنه التغيّب كي لا يخسر سنته كما يقول لكنّه في المقابل لا يتوقّع من نفسه شيئاً هذا العام؛ quot;خلّينا واقعيين صعبة كتير النجاحquot;.

ومجموعة اخرى ..خاص إيلاف
سامر يستغلّ ترافق برامج الإمتحانات مع شهر رمضان؛ quot;شهر الصيام والمغفرة والأودمةquot; ليطلق دعابة تختصّ بهذا الشأن. سامر في البدء لا يجد أيّ عراقيل أمامه تجاه الإمتحانات على عكس الآخرين فهو حضّر جيّداً ولو أنّه نزح من الضاحية الجنوبية تجاه الجبل خلال فترة الحرب الطويلة؛ quot;أخذت الكتب والمحاضرات معي ودرست فوقquot;. هو يعتبر أنّ إجراء الإمتحانات خلال شهر رمضان سيخفف بالتأكيد من quot;الشتائم واللعنات التي يتعرّض لها المراقبون والمصححون من قبل الطلاّب الساخطين كي لا يفسدوا صيامهمquot; يطلق سامر ضحكة على دعابته وتشاركه بعض رفيقاته بتواطؤ واضح.

إحداهنّ مي التي تقوم بجهدها -كما تقول- لكنّ هذا الجهد برأيها لا يمكن له أن يساعد سوى في بعض المواد؛ quot;فبرنامج معظم المواد متخم وفوق ذلك فقد انقطعت اتصالاتنا بالدكاترة منذ ما قبل الحربquot;. هي لا تملك إذاً سوى فرصة الحدّ الأدنى من النجاح؛ quot;سأحاول الصعود إلى السنة التالية وفيها أفسح مجالاً للمواد الباقية من هذه السنةquot; تقول مي التي يسمح نظام كلّيتها بحمل مواد أربع إلى السنة التالية.
ناديا أيضاً لا تملك فرصة النجاح برأيها؛ quot;إلاّ إذا صارت معجزةquot; هي ما زالت تلبس ثياب الحداد على عائلة عمّها التي استشهد ثلاثة من أفرادها في القصف على بلدة الغازية في الجنوب. تمسح ناديا دمعة وتستجيب لمواساة صديقاتها اللواتي تجمّعن حولها وكأنّهن يقمن بواجب العزاء مجدّداً ومجدّداً.

وعلى الرغم من الأجواء غير المتلائمة مع الأجواء الإعتيادية للإمتحانات فإنّ بعض الطلاّب يطلقون ما يمكن أن نسمّيه بالتطمينات بالنسبة لإمتحانات الدورة الثانية. سعيد مثلاً يؤكّد أنّ quot;هنالك تساهلاً واضحاً من قبل إدارة الكلّية بخصوص الإمتحاناتquot;. ولا يفصح سعيد عن مصدر ارتياحه هذا لكنّ الحديث معه يبعث على الطمأنينة بالنسبة لكثير من الطلاّب المتشائمين؛ quot;الله يبشّرك بالخير!quot; يقول له أحدهم.

أحمد كذلك quot;يبشّر بالخيرquot; لكنّه وعلى عكس سعيد يفصح مباشرة عن سرّ ارتياحه واطمئنانه الكامل إلى موقف التساهل الإداري. فأحمد كما هو معروف عنه لدى معظم أصدقائه quot;يختنق بالسرّquot; يقول أحدهم. أحمد يعيد الأمر برمّته إلى أحد أساتذة المواد الذي أكّد له بأنّ هنالك quot;تساهلاً في الأسئلة وفي التصحيح على حدّ سواءquot; يقول أحمد ويضيف نقلاً عن أستاذه أنّ quot;معظم الطلاّب سينجحونquot; يبتسم أحمد.

إذا كان معظم الطلاّب سينجحون فالنتيجة أنّ بعضهم سيرسب. وكريم يصنّف نفسه مباشرة في هذه الخانة. كريم سيقوم بتقديم امتحانات الدورة الثانية على الرغم من رسوبه في quot;عشرة من أصل إثني عشر مادة في الدورة الأولىquot;. ويعيد كريم خيبته تلك إلى أجواء الدورة الأولى التي ترافقت مع كأس العالم بكرة القدم؛ quot;ويا ريت ربحت البرازيلquot; يأسف كريم الذي لم يحضّر بتاتاً quot;لا للدورة الأولى ولا للثانية يللاّ تعوّدنا السنة بسنتين!!quot; يعزّي كريم نفسه.

تهنئة- خاص إيلاف
حيدر يشكّ في إقدامه على خوض امتحانات الدورة الثانية على الرغم من احتياجه لمادة واحدة لاغير تمكّنه من الإنتقال إلى السنة التالية في اختصاصه. ولا يعيد حيدر سبب ذلك إلى عدم تحضيره الجيّد فحسب بل إلى مشروع يشغل تفكيره حالياً. الأمر هو أنّ حيدر يسعى لنيل التأشيرة الألمانية حيث أقدم صديقان له على السفر إلى هناك الشهر الماضي من أجل العمل هناك؛ quot;بكلّ الأحوال الشهادة الجامعية لن تطعمنا خبزاًquot; يقول حيدر بأسف على سنتيه الجامعيتين الضائعتين وبأمل بمستقبل ألماني مشرق.

تلك بعض من أجواء التحضيرات للإمتحانات الجامعية في دورتها الثانية التي تمتدّ إلى ما بعد عيد الفطر. وعلى الرغم من التحضير الجيّد لبعض الطلاّب واللاتحضير لآخرين فإنّ معظمهم يأمل بالتعويض في العام المقبل الذي يبدو أنّه يتآكل يوماً بعد يوم مع امتداد العام الدراسي الحالي إلى ما لا نهاية.
لنتأمّل بعض النجاح لهم.

تصوير عصام سحمراني

[email protected]