أحمد البشري- الرياض: حين تعبره للمرة الأولى تشعر بالأرض تغني، وبأن تاريخ الرياض إستوى وإختمر على ناره الهادئة وعلى وقع أصوات أقدام الفتيات اللواتي ملأنه في أزمان سابقة بشغف الشباب، وجعلنه أشهر شوارع العاصمة الرياض. الكثير من حكايات العشاق بدأت من هناك ولم تنتهِ، والكثير لا يزال يكتب بإيقاع أسرع، منه إستفاق الشباب على صوت أم كلثوم، وتعلم أول دروس البلوغ، وربما تعرف للمرة الأولى إلى أصوات أكعب الفتيات.
شارع الثميري قديماً
يقول صالح وهو شاب عشريني، بشارب خفيف وملامح طفولية: كان يوم ثلاثاء، وكنت متحفزًا للقاء (خويتي)، والوقت ضيق، لقد توقفت عن باب مستوصف في حي الناصرية، وإنتظرت لدقائق حتى أتت فتاتي، كان الوقت يطاردنا كما أعين الآخرين، الحقيقة اني قضيت الليلة السابقة في محاولة إيجاد مكان مناسب، لا شيء مناسبًا في الرياض، او لم يعد شيئًا مناسبًا، وحين استشرت صديقي المقرب قال لي شارع الثميري.
ومع أنه لم يكن ينوي إكمال الحديث، إلا أنه إبتسم وقال لي: لقد كان الوقت يمر سريعًا علينا، لقد أمسكت بيدها وتجولنامعًا في الساحات الخلفية لشارع الثميري، يجب علينا البقاء في الأماكن العامة، حين تلاحقنا الشرطة الدينية، نضظر للبقاء خلف الأبواب الموصدة، وقتها يمكن أن يحدث الكثير، لكن في الشارع، في المقهى، لا يمكننا سوى الحديث والبقاء معًا.
يقع شارع الثميري للبضائع الرجالية في الجهة الخلفية من شارع البطحاء، ويضم عشرات آلاف من البضائع التي تشمل الثياب والحاجات اليومية والقبعات والأحذية، ويبيع بشكل رئيس الأزياء الوطنية، كما يحتوي على بعض المحال للملابس الغربية، ليمتد بك الرصيف إلى أن تقف على أطلال الرياض القديمة، تحديدًا الى جانب قصر المصمك التاريخي.
شارع الثميري الآن
تغنى الكثير من الشعراء بالنساء اللواتي أعتدن على التسوق في أماكن قريبة منه، وغنى المطربون الشعبيين أغاني تلامس صخب الشارع وعراقته. ويُقسم الشارع إلى مناطق يرتادها الشباب بكثرة، منها تنقسم منطقة quot; محلات العقلquot; ( والعقل جمع كلمة عقال وهي الحلقة السوداء والتي عادة ما يعتمرها الخليجيين فوق الرأس)، ثم منطقة بيع الملابس الرجالية الداخلية منها والخارجية، ثم بعض محال الأقمشة، يتداخل مع هذا القسم بعض المحال لبيع (المسابح) الثمينة، والتي يتفنن الباعة في جلبها من أماكن بعيدة، وتطعيمها بالفضة او بالأحجار الكريمة، ويبيع الجزء الأخير أنواعًا وماركات مختلفة من الثياب الغربية لمختلف الفصول الأربعة.
في الجزء الخلفي لشارع الثمييري يقبع أحد اقدم الأسواق لبيع المجوهرات، لذا كان هذا المكان دائمًا مناسبًا للمغامرات العاطفية، في أوآخر القرن الماضي، فقد كان وجود النساء دافعًا رئيسًا لتبضع الشباب من الشارع، وإذا ما حالفك الحظ واستمعت لحديث رجال الجيل الماضي، عن هذا الشارع فستظن لوهلة بأنك في مكان آخر غير مدينة الرياض المشهورة بالتحفظ الديني، وسلطة المؤسسات الدينية.
المغامرات العاطفية لا تنتهي في الرياض، والهرب من أعين الرقيب مستمر، ويبتكر الشباب دائمًا طرقًا حديثة للإلتقاء بالجنس الآخر، عاصفًا بالمخاوف ورائه، ومتفائلاً بما قد يتيحه له القدر وقت اللقاء، فبعد أن خرجت من المناطق الخلفية لشارع الثميري في نهاية القرن الماضي، واستقرت في المناطق الشمالية للمدينة، طوال العشرين سنة الماضية، هاهي تعود من جديد للتعانق مجدها القديم، وفي أماكن أكثر رومنسية، ويزيد من جمال الموضوع الإضاءة الجميلة التي زودتها بها أمانة مدينة الرياض، ضمن مشاريع تحسيين المنطقة المركزية.
في الوقت الذي كان الشباب فيه يقومون برحلات مكوكية من أجل إيجاد مكان مناسب لقضاء دقائق معدودة بصحبة صديقاتهن، وكان محيط هذه الدائرة يتسع حتى وصلت في أحد الأوقات إلى خارج النطاق العمراني، في مناطق الإستراحات الخاصة، لكن تضييق رجال الشرطة الدينية للخناق عليهم، أضطرهم للبحث عن أماكن أكثر أمانًا.
شارع الثميري ظهر مرة أخرى على سطح، ظهر رزينًا كما لو أنه شيخ كبير يعاود أيام الصبا والمغامرات العاطفية، عاد ليحتضن لقاءات العشاق على المقاهي، وفي ساحات قصر المصمك، بين جموع المتسوقين، و(الخواجات) الذين تأسرهم هذه الأجواء الشرقية. كل ذلك دون ان يلفتوا الأنظار إليهم.الشباب والفتيات على حدِ سواء، كل ما يخشونه تواجد الشرطة الدينية، لكن بعد أن أهمل الشارع، وأندثر صيته بين الناس كواحد من أهم أماكن تجمعاتهم، فلم يعد هناك تواجد مكثف، حيث هم الآن يطاردون الأنفتاح الأقتصادي، الذي كما يظنون جلب الشيطان إلى مدينتهم.
يقول (ح.س.)، وهو شاب لا يبدو ذو أصول سعودية، جلس ليشرب قهوة عربية في مقهى صغير: المكان هنا وكأنك في دولة أخرى، خليط جنسيات، وأعمار، وملابس، يمكنني رؤية الفتيات، أعتقد أنهن يجدن المكان مناسبًا لقضاء أوقاتهم سواءً مع العائلة أو مع صديقاتهن.