أحمد عبدالمنعم
بينما كان أحمد الذي قارب على نهاية العقد الثالث من عمره يجلس على المقهى مع مجموعة من رفاقه كعادته اليومية, فوجئ بمن يقترب منهم طالبا مشاركتهم في حملة التبرع بالدم من خلال القافلة الموجودة حاليا في منطقتهم السكنية .. بذل الطبيب مجهودا خارقا لإقناعهم بأهمية المشاركة في تلك الحملة على اعتبارها طوق النجاة لآلاف من المرضى في حاجة إلى كل قطرة دم لإنقاذ حياتهم . تردد الجميع في القبول في ظل ما لديهم من معلومات عن أكياس دم ملوثة وغير مطابقة للمواصفات , فوسائل الإعلام لم تكف عن الحديث حول القضية التي مازالت قيد التحقيق حتى الآن, وكل يوم يتكشف فيها مزيد من المعلومات أو بتعبير أدق مزيد من الفضائح .. فقد أصبح التبرع مخاطرة غير مأمونة العواقب ولا داعىلها .
موقف أحمد ورفاقه لم يكن الوحيد, فقد تكرر كثيرا في الجامعات والأندية والشوارع وغيرها من أماكن التجمعات الشبابية, يوم بعد الآخر وصل مخزون المستشفيات من الدم إلى أدنى مستوى له منذ عقود طويلة حتى وصل الأمر إلى أن أحدهم نشر إعلانا بصحيفة يومية يطلب فيه متبرعا بالدم من فصيلة نادرة لإنقاذ حياة زوجته ويعرض دفع أي مبلغ من المال مقابل هذا العمل .
حالة الهلع التي يعيشها المصريون من التبرع بالدم خشية الإصابة بأي عدوى أوقعت المستشفيات في مأزق وباتت حياة الكثير من المرضى في خطر ما جعل البعض يقترح استيراد الكميات اللازمة من الدم من خارج البلاد لحين حل الأزمة.!
الحكومة المصرية حاولت قدر الإمكان إقناع الجميع بعدم وجود ما يدعو للقلق فيما يتعلق بخطوة التبرع بالدم , فظهر وزير الصحة الدكتور حاتم الجبلي في مشهد دعائي وهو يستلقى على احد quot; الأسرة quot; أثناء تبرعه بالدم , وفى أعقاب ذلك المشهد دعا الوزير كل القادرين على القيام بالخطوة نفسها محذرا من أن حياة الكثير من المرضى باتت في خطر جراء النقص الحاد في أكياس الدم .
لفت وزير الصحة الانتباه إلى أن نقص أعداد المتبرعين بالدم ساهم في انتعاش سوق محترفي التبرع والذين يتقاضون مبالغ مالية قدرها الوزير بخمسين أو ستين جنيها عن المرة الواحدة بعد أن كانت ثلاثون جنيها فقط قبل الأزمة.
حتى وقت قريب كان محترفو التبرع بالدم الذين تحدث عنهم الوزير المصري قاصرين على أطفال الشوارع ممن تعدوا السن اللازم لذلك أو من quot;عمال اليوميةquot; الذين يجدون في التبرع وسيلة لكسب قوت يومهم في حال فشلوا في كسبه عبر العمل الشاق الذي اعتادوا عليه .
الآن تغير الوضع تماما وانضم إلىتلك القائمة عدد ليس بالقليل من الشباب العاطل عن العمل, بعضهم من حملة المؤهلات المتوسطة بينما آخرون من حملة المؤهلات العليا . جميعهم ارتأى في التبرع بالدم أسهل وسيلة للحصول على المال حتى وان كان مبلغا بسيطا, فهو في النهاية أفضل من لاشي خاصة وأن أغلب هؤلاء الشباب يعانى البطالة ولا يملك حتى ما يكفى استقلال المواصلات للبحث عن عمل .
وائل (26 عاما).. كانت تلك هي المرة الأولى التي يتقاضى فيهامقابل مادي عن تبرعه بالدم, فقد اعتاد منذ دراسته الجامعية الاشتراك في قوافل التبرع بالدم دون الحصول على مقابل مادي, على أساس أن ذلك عمل إنساني تجاه المرضى الذين يحتاجون إلى هذا الدم, لكن بعد تخرجه من الجامعة تغير الحال تماما, انصرفإلى البحث عن عمل دون أن يفكر يوما في التبرع بالدم بمقابل مالي, حتى طلب منه صديق اصطحابه إلى أحد مراكز التبرع بالدم بعد أن أبلغه إمكانية الحصول على 60 جنيها مقابل ذلك .. فكر وائل لبعض الوقت قبل أن يأخذ قراره بالموافقة, فالأمر بالنسبة له ليس بجديد, الجديد فقط هو أن تبرعه هذه المرة سيوفر له نفقات أسبوع كامل وربما أكثر .
وقف وائل هو نفسه موقف أعداد ليست قليلة من الشباب ومنهم محمد (27عاما)الذي لا يجد حرجا في الحصول على مقابل مادي نظير التبرع بالدم ويقول quot;هناك من يبيع كليته ويكتفي بواحدة يعيش بها طوال حياته رغمما يمثله ذلك من خطورة على حياته، بينما التبرع بالدم أسهل ولا يمثل أدنى خطورة على الحياة, بالإضافة إلى أن ما نقوم به هو عمل إنساني ننقذ به الكثير من المرضى ممن هم في حاجة إلى كل قطرة دم .
المشكلة الحقيقية في وجود من يحترفون التبرع بالدم ويتخذونه عملا، هكذا يقول اشرف عبدالحميد - طبيب- حيث هنالك خطورة كبيرة على صحتهم في ظل قيام العديد منهم بالتبرع أكثر من مرة خلال مدد بسيطة, ولأنهم يدركون هذه الحقيقة تجدهم يخفونتاريخ آخر مرة قاموا فيها بالتبرع ويكذبون بها الشأن, فنجد بعضهم يتبرع أكثر من مرة خلال شهر واحد وربما خلال أسبوع واحد بينما الحد الأدنى للمدة المسموح بها يجب ألا تقل عن ثلاثة أشهر .

ما يمثله احتراف التبرع بالدم من خطورة على صحة المتبرع حقيقة يدركها كثير ممن يكسبون قوتهم بهذه الطريقة، لكن فشلهم في العثور على عمل يجعل من التبرع بالدم وسيلتهم الوحيدة للحصول على المال حتى وان دفعوا الثمن من دمائهم.

يسعد صفحة الشباب تقبل مساهماتكم، واقتراحاتكم على بريد:[email protected]