أحمد عبد المنعم من القاهرة : هروب الشباب المصري من جحيم البطالة إلى العمل كمندوب مبيعات, ليس بالظاهرة الجديدة, فقد غزت المهنة شوارع القاهرة قبل سنوات, ولم تعد قاصرة على الشباب فقط حيث زاحمهم فيها الجنس اللطيف وأغلبهن أيضا من حملة المؤهلات العليا, فالمهنة -على بساطتها - كانت مربحة في ذلك الوقت, حيث كانت المرة الأولى التي يعرف فيها المصريون سلعا استهلاكية تصل إليهم بأسعار أقل كثيرا عن المحلات, عوامل عدة ومتشابكة جعلت من تلك المهنة عملا مربحا لمن تخلى عن شهادته الجامعية - رغما عنه في معظم الأحيان - واختار العمل في تلك المهنة الجديدة غير عابئ بنظرة المجتمع إليه أو ما قد يتعرض له من سخافات .
مرت الأشهر ومضت السنون ولم تعد مهنة مندوب المبيعات تلقى النظرة نفسها من جانب المارة, وباتت السخافات أقل من ذي قبل بعد أن فرض الباعة العصريون أنفسهم على الجميع, بيد أن مضايقات من نوع آخر بدأت تعرف الطريق إليهم، فمع الأعداد الهائلة التي انضمت إلى قائمتهم نظرا إلى بساطة الأمر، حيث إن كل المطلوب هو الذهاب إلى اقرب مكتب يقدم بضائع من هذا النوع على أن يكون المتقدم مستعدا للتوقيع على quot;إيصال أمانة quot; بقيمة البضاعة التي سيحملها أو أن يجد من يضمنه عند صاحب المكتب, وما إن يحصل الأخير على الضمانات المطلوبة حتى يقوم بتسليمه البضاعة اللازمة, والتي تختلف من مكتب إلى آخر , قد تكون عبارة عن ماكينات حلاقة أو عطور مركبة, أو كريمات للشعر والبشرة.. وقد تكون أدوات مكتبية وغيرها من البضائع البسيطة التي يقوى المندوب على حملها لساعات طويلة أثناء بحثه عن زبون أو مشترٍ .
سهولة العمل كمندوب مبيعات خلقت واقعا صعبا لأصحاب المهنة الذين يقدر عددهم بالآلاف , فباتت السوق تعاني تخمة الباعة، وما يعرضونه غالبا ما يكون مكررا, ما قلص حجم المبيعات بدرجة كبيرة وبالتالي انعكس ذلك على حجم الأرباح التي يجنونها في نهاية اليوم.
هانى محمود - مندوب مبيعات - يقول : منذ أربع سنوات كان المندوب يحصل على مبلغ يتراوح بين quot;30-20quot; جنيهافي اليوم الواحد حيث كنا نقدم سلعًا وبضائع جيدة وبأسعار مناسبة جدا، وكانت الفرصة متاحة أمام المشتريليجرب البضاعة كي يطمئن إلى جودتها خاصة وأن انخفاض السعر عادة ما كان يمثل عنصر قلق للزبون , بمرور الوقت انضم إلينا الآلاف من الشباب الذين تخرجوا في الجامعة ولم يجدوا العمل المناسب مع مؤهلهم الدراسي, فاختاروا العمل كمندوب مبيعات , وبالتالي زاد العرض عن الطلب فانخفض حجم المبيعات اليومية لكل مندوب وانخفض المقابل الذي كان يحصل عليه خاصة وأن المقابل يكون نسبة من حجم المبيعات .
محمد دياب الذي يعتبر نفسه من أوائل من عملوا كمندوبي مبيعات يفكر في البحث عن عمل آخر في ظل ما يعانيه من ضعف المقابل خلال العامين الماضيين والذي انخفض إلى النصف كما يقول ويضيف : حين اخترت العمل كمندوب مبيعات قبل ست سنوات كانت المهنة قاصرة على حملة المؤهلات المتوسطة، وكنت من أوائل الجامعيين عندما اتجهت إلى هذا المجال هروبا من البطالة التي كنت أعانيها لمدة عامين, وواجهت حينها ظروفا صعبة من قبل الزملاء والجيران, ولكني تحديت تلك الظروف وأثبتت الأيام أنني كنت صائبا في موقفي حيث إن الواقع الآن أن الغالبية من حملة المؤهلات العليا, وهو ما أضر بالطبع ببقية العاملين وباتت المهنة غير مجدية على الإطلاق, وأفكر جديا في البحث عن عمل آخر يكون جريئا أيضا لأن الخبرة تؤكد أن الجرأة تعني مزيدًا من المكاسب.
انخفاض الربحية لم ينعكس إطلاقا على أعداد الباعة العصريين، فهو الخيار الوحيد أمامهم بدلا من البقاء في المنزل منضمين إلى قائمة العاطلين عن العمل، تحقيق الربح أيضا يمكن التغاضي عنه طالما أنه لن يضطر إلى تحمل نفقات إضافية، فذلك العمل سيتيح له في النهاية الخروج إلى الشارع بدلا من الاستمرار في لعن حظه العاثر من داخل حجرته الصغيرة الموجودة في منزل متواضع .
عمرو سعيد الذي انضم حديثا إلى قائمة الباعة العصريين يتفق مع هذا الرأي ويقول : أن تحصل على وظيفة أفضل كثيرا من أن تحصل على لقب عاطل عن العمل خاصة إذا كنت حاصلا على مؤهل جامعي, ففي هذه الحالة ستجد نفسك في بؤرة اهتمام المحيطين الذين سيستمرون في توجيه سؤال واحد كلما رأوك وهو ماذا تعمل ؟! .. وإذا كانت الإجابة بأنك عاطل, ستجد مزيدا من نظرات الشفقة والاستهجان, بينما لو قلت لهم، أعمل كمندوب مبيعات سيكون الرد, أفضل من الجلوس في البيت.
ويعترف زميله صلاح رزق - الذي يتشابه معه في الظروف - أنه يضطر في بعض الأحيان إلى الاقتراض من أصدقائه حتى ينفق على هذا العمل الشاق الذي يجبره على المرور بالمقاهي والشوارع وغيرهما من أماكن التجمعات بحثا عن مشتر, ويقول : أفضل ما في مهنة quot;مندوب المبيعات quot; أن العمل بها لا يحتاج إلى وساطة, فهو عمل متاح لمن يرغب, ومن هنا كان العمل الوحيد الذي وجدناه أمامنا, ولن نتخلى عنه بسهولة حتى وان اضطررنا إلى الاقتراض حتى نستمر فيه ، فهو في النهاية أفضل كثيرا من البقاء في المنزل بلا عمل.
quot;مندوب المبيعاتquot;قديما كان عملا مرفوضا من قبل الجامعيين, ولكنه حقق ربحية كبيرة لمن تحدى نظرة المجتمع واختاره بديلا للبطالة, بينما الآن تغيرت نظرة المجتمع إلى quot;مندوب المبيعات quot;, وقلت المكاسب التي حققتها تلك المهنة، وفي الحالتين وجدت المهنة من يقبل عليهاحتى إن لم يحصل نفقاته اليومية.. وكأنهم بذلك يهربون من البطالة إليها.

يسعد صفحة الشباب تقبل مساهماتكم، واقتراحاتكم على بريد:[email protected]