سعيد الحسنية : إن الله قد خلق المال وقسمه بين عباده، وأوضح لهم أنه زينتهم في دنياهم، ما يدفعنا هنا للحديث عن المال هو الطفرة الهائلة التي تشهدها سوق الأسهم السعودية والتي زادت خلال السنوات الثلاث الأخيرة، وخاصة بعد دخول الاتصالات السعودية ضمن السوق. ويتزايد يوما بعد يوم دخول الأموال للسوق نتيجة للأرباح الخيالية التي يتحدث عنها المضاربون والعاملون في البورصة .
دخول أموال جديدة
الاقتصاد السعودي يعيش في هذه الأيام أفضل حالاته بسبب ارتفاع الطلب العالمي على النفط والذي يعتبر الدخل الأول للسعودية, ومع ارتفاع السعر إلى أعلى مستوياته القياسية انعكس ذلك على أداء الشركات التي تجاوزت الظروف الصعبة التي كانت تمر بها سابقاً وهو ما ساهم في الخروج من نطاق الخسارة إلى نطاق الربحية بل تجاوزت ذلك في بعض الأحيان إلى تحقيق أرباح قياسية . ويمكن لأي مراقب وخبير اقتصادي أن يلحظ دخول أموال طائلة في قطاع الأسهم . ولم يقتصر الأمر في هذا الشأن على المحافظ الاستثمارية الكبرى التي تخص كبار المستثمرين أو بالبنوك أو القطاعات التابعة, لكن الأمر يتعلق بصغار المستثمرين الذين دخلوا السوق من أصحاب المبالغ المحدودة والذين دخلوا فيه بشكل مفاجئ, وهذا النوع من المتعاملين يعتبرون الأقل خبرة ومعرفة بالظروف من حولهم وأغلبهم من الموظفين أو صغار رجال الأعمال, وكان دخولهم إلى هذا المجال سعيا وراء أرباح خيالية تحدث عنها الجميع، إضافة إلى التسهيلات التي قدمتها البنوك في هذا المجال من قروض خاصة لشراء الأسهم إلى جانب التسهيلات المالية التي تقدمها البنوك للمستثمرين والتي تعادل في بعض الأحيان ثلاثة أضعاف رأس المال الأصلي .
التأثيرات الاجتماعية للأسهم
لا يخفى على أحد اتفاق السعوديون على ملاحقة مؤشرات الأسهم التي تستحوذ على متابعة واهتمام مختلف الشرائح، في سوق هو الأكبر عربياً، ويحتل المرتبة الخامسة عشرة عالمياً، حيث تناهز تداولاته الأربعين ملياراً يومياً. فجاء عشق اللعب بالأسهم وتداولها لضرب المجتمع السعودي بحدة ويكون قاسما مشتركا بين جميع أفراده، والسؤال المطروح: ما هي أسباب هذا الظاهرة الاقتصادية الاجتماعية ؟ ما هي مؤثراتها المستقبلية على المجتمع ؟
بالواقع لقد ترك المؤشر أثرا كبيرا على الناس ، فبسبب سياسة التخصيص، والاكتتاب في الشركات، والتسهيلات البنكية، قام آلاف السعوديين وبينهم رجال متقاعدون، وموظفون، وطلاب جامعات وحتى مدارس ثانوية، ونساء موظفات وطالبات وزوجات ومطلقات وأرامل، بإخراج مدخراتهم، وباع كثيرون مقتنياتهم، من أجل أن يضاربوا في سوق الأسهم، هذا ما دفع البعض إلى القول : quot; لقد أصابتهم حمى الأسهم quot;، ولم يعد هناك أهمية توازي أهمية الربح الذي يبشر به المؤشر الأخضر. ففي صالات التداول، تجد جميع العيون محدقة بالشاشة. وهكذا نلاحظ أن الغالبية العظمى قد أصابها نوع من الهوس بفعل التوجه المتزايد للسوق.
ونتيجة لهذه الحركة الهائلة التي سادت سوق الأسهم، ذهب بعض المثقفين إلى اعتبار أن ظاهرة الأسهم قد كرست مفهوم الانسياق وراء الجموع في مجتمعاتنا، حيث الفرد هو ابن للمجتمع حد الذوبان، فهو يتجه حيث اتجه الناس، بغض النظر عن الأثر الذي تحدثه فيه هذه المتابعة، سواء على الصعيد الاقتصادي، أو حتى على الصعيدين النفسي والفكري. ويشير آخرين إلى أن ما يحدث في سوق الأسهم هو إعلاء قدر الإشاعة، بل صار المتحكمون في السوق يدركون أهمية الإشاعة، إلى الدرجة التي صاروا فيها يصنعون هذه الإشاعة بما يتماشى مع استثماراتهم، وصولا إلى ترسيخ الإشاعة كأصل في السوق.
ومن جهة ثانية كشف سوق الأسهم السعودي، أهمية المسار الاقتصادي في حياة الناس، فالذين كانوا يجتمعون للحديث عن أي موضوع عام أو اجتماعي، صار حديثهم له محور واحد هو الأسهم، حتى أن المتدينون صارت laquo;قضاياraquo; الأسهم هي مدار نقاشاتهم. كذلك نشرت سوق الأسهم quot; مفهوم الربح الجماعي وهو مفهوم قامت عليه النجاحات الداخلية للدول المتقدمة quot;. إضافة إلى مفاهيم العمل والمغامرة وعدم الارتهان إلى الماضي والتجريب المستمر، وكل هذه مفاهيم إيجابية لأي مجتمع يبحث عن النجاح.
تفشي حمى المضاربة
ولكنَّ بالمقابل يشير البعض الآخر إلى سلبيات هذه الظاهرة ، حيث يوجد فيه تلوّثٌ كبير وغش وتدليس وخداعٌ وإشاعات وأكاذيبٌ وخيانةٌ للأماناتِ وكشفٌ للأسرارِ واحتكارُات وتسريبٌ للمعلوماتِ مقابلَ أموالٍ ، فحمّى المضاربة اجتاحت المجتمع وأصبحت حديثَ البيوتِ والرجالِ والنساءِ وطبقاتِ المجتمع من الأغنياء ومتوسطي الدخل وحتى الفقراء ، صارت الشاشاتُ فتنةً للناس ، وهنا يشير أحدهم إلى أنه quot; أصبحَ التشاؤم في اللون الأحمر والتفاؤل في اللون الأخضر، ويشهد المجتمع ظاهرة التعلّق المحموم بهذه الأسهم والاهتمام الشديد بها، حتى طغت على أداء الحقوق والانشغال عن حياتهم، وصار بيع المدخرات والممتلكات والتهادي بالأسهم، وأخذ القروض بأي طريقة، وبلغت قصصُ التحوُّلِ الفجائي إلى الثروةِ أمرا متنَاقَلا عبر الألسن ، وصار الناس يعملون من خلال أماكن العمل في هذه الأسهم .
في هذا الصدد قدر إحصاء علمي عدد الساعات المهدرة من الأعمال بثمانمائة ألف ساعة يوميا بسبب الأسهم لخروجهم من الأعمال أو عكوفهم على الشاشات في وقت العمل ، وبعضهم قام بتركيب خطوط هواتفَ خاصة في مقر عمله لكي يعمل من خلالها، وصالات التداول أصبحت تشهد حضور عدد كبير من الموظفين الفارين من أداء واجباتهم الوظيفية, أو بالمتابعة عبر الانترنت أو الهواتف.
على جانب آخر ، تحولت المجالسُ والمقاهي والمنتدياتُ والمكالماتُ إلى بورصاتٍ للبيع والشراء ، طمعا في الثراء السريع ، ودخل بعض الناس في عملياتِ تورُّق ضخمة ، من أجل أن يحصُل على سيولة ليتاجر بها في سوق الأسهم ، وصار النزاع بين الأزواج والزوجاتِ على حق الزوجة الذي قضى عليه الزوج ، فاكتتب باسم زوجته وباع واشترى وهي لا تدري ، ثم حصل النزاع بين الزوجين على أسماء الأولاد ، من الذي له الحق أن يكتتب بأسمائهم .؟
كثيرون يرددون هذا القول : لماذا أُتعب نفسي وأدخل في دواماتِ الكد والكدح والمشكلات مع العمال والسوق وأنا أستطيع من خلال ضغط الأزرار على هذه الشاشة أن أكسبَ أضعاف أضعاف ما أجنيه، ولم يفكر هؤلاء أن هذه الحركاتِ اليسيرة عبر الشاشاتِ لا تبني شيئا في المجتمع ، وإنها ليست عملياتُ تصنيع ولا زراعة ،إنها نظرةٌ فرديةٌ فقط ، فالمساهِم ينظُرُ لذاته بغضّ النظر عن مصلحة المجتمع .
الآثار الصحية والنفسية للأسهم
ولدراسة هذه الظاهرة وآثارها الاجتماعية والصحية على متداولي الأسهم, قام أحد الباحثين الاجتماعين بدراسة ميدانية، توصل من خلال استبيان تم توزيعه، إلى أن نسبة كبيرة من المتداولين للأسهم أثناء هبوط الأسهم تجاوزت 89% أثرت نفسياً وصحياً لمتداولي الأسهم، تمثلت في الإحباط والاكتئاب والانهيار العصبي وبعض الأوقات كالهذيان, بالإضافة إلى العزلة والقلق وعدم النوم والسرحان، هذه مشاكل تؤدي إلى مشاكل مستقبلية صحية مثل الضغط والسكر وبعض الأمراض الأخرى، كذلك كان لتداول الأسهم أثره على الناحية الاجتماعية حيث بلغت نسبة العينة 80% يعانون مشاكل اجتماعية سواء داخل المنزل أو خارجه, حيث أثرت على علاقة المتداولين بالمحيطين بأسرتهم بأبنائهم, وأنشأ التوتر العائلي داخل الأسرة وخارجها وذلك نتيجة الضغوط الاقتصادية التي أثرت على المتداول بشكل كبير. وأدى الاهتمام المتزايد في موضوع الأسهم إلى انصراف الناس عن أصدقائهم وأسرتهم وأولادهم وزوجاتهم وأعمالهم الأصلية .
خسائر للمتداولين
ومن جانبهم يجمع عدد من الخبراء على أنالاستمرار في الأسهم له مخاطر كبيرة تضر بالفرد وتؤثر نتائج خسائره على الوضع الاجتماعي ووضعه الاقتصادي والنفسي، في هذا الإطار يشير عدد من المتداولين إلى أن سوق الأسهم قد أكلت الأخضر واليابس وأنهم أصبحوا بين عشية وضحاها معدمين ومكبلين بالديون والسبب يعود إلى التداول والاستثمار في سوق الأسهم الذي كبدهم خسائر لا تعد ولا تحصى. تماما كما حصل مع عبد المجيد العتيبي الذي خسر كل شيء نتيجة الأسهم فيقول : quot; لقد كنت متردداً في الدخول إلى سوق الأسهم وخصوصاً بعد الهزة التي حدثت للسوق في السابق ولكن بإلحاح وإصرار من بعض الزملاء الذين نصحوني بالاستثمار في سوق الأسهم لتحسين مستوى معيشتي وزيادة دخلي قررت الدخول إلى سوق الأسهم ولم أكن أملك أي مبلغ للدخول إلى السوق وخصوصاً أن بعض البنوك تشترط أكثر من مائة ألف ريال لفتح محفظة استثمارية فقمت ببيع أرض كنت املكها وكنت أريد بناء مسكن لأسرتي عليها، وبعد أسبوع واحد فقط من دخول السوق بدأ السوق يتراجع ومنيت بخسائر الواحدة تلو الأخرى حتى أصبحت لا أملك سوى ثلاثة آلاف ريال. أما أصحابي الذين نصحوني بالدخول إلى سوق الأسهم فقد تخلوا عني والقوا باللوم عليّ لعدم خروجي من السوق منذ بدأ ينزل ويتجه للون الأحمر.quot;
و بالرغم من أن دخول الكثيرون مضمار الأسهم أدى إلى انتعاش الحركة في الاقتصاد وكسب الكثيرون فائدة مالية كبيرة ، إلا أن جزء كبير منهم مازالوا يعيشون الخسارة بسبب البحث عن الربح السريع ومجاراة السوق الذي يغري أي متابع بفوارقه السعرية الكبيرة والمتباينة، لكن البعض يتجاهل وضع السوق الحالي ولا يأبه بالمرحلة التي يصفها العارفون بالسوق بالمخيفة, كما أن سوق الأسهم السعودية كمثيلاتها على مستوى العالم تعتمد على المستثمرين في المقام الأول وتفتقد للثبات, وهي الأكثر تأثراً بأية أحداث, لذلك فإن البعض يصف المضاربة في سوق الأسهم بالحلم وأنه كما يأتي بسرعة فقد ينتهي بشكل أسرع, ولذلك شواهد كبرى لا يمكن تجاهلها على مستوى العالم وأكبر دليل هو سقوط السوق الأمريكية مطلع القرن الحالي وتضرر من ذلك عدد كبير من المستثمرين السعوديين, كما حدث عدة مرات .