علي نزار هاشم: هل الحب غريزة بدائية أشد وأقوى من العقل ؟ أم أنها إحساس فطري تختلف مظاهره تبعا لاختلاف الثقافات ؟
إن الاختلافات الثقافية تنتج سلوكيات وتصرفات وعلاقات إنسانية مختلفة، كما يمكننا القول أن تعبير الحب عندما نطلقه على المخلوقات الأخرى إنماذلك إسقاط رمزي لعلاقة ينفرد بها الإنسان، وكأننا نقوم بإضفاء طابع إنساني على علاقات مخلوقات أخرى كالحيوانات، فالحب ظاهرة إنسانية .
هناك مفهومين يأخذان حيزاً في ذهن أي إنسان، ويطالان الحب نفسه، فهل هو ينشأ من نظرة أولى ؟ أم بحاجة لتعايش وتواصل ؟ هل يجب أن يكون مجنوناً وعاصفاً ولاهباً ؟ أم الأفضل أن يكون هادئاً ومستمراً ؟ أهو شمعة ستنطفئ يوماً ؟ أم هو شعلة ربانية لا تنطفئ ؟
نظرة، أمتعايش وتواصل وتراحم ؟! إن البشر ينقسمون إلى فئتين أمام هذه السؤال، فئة تؤكد ضرورة وأهمية النظرة الأولى، وفئة تذهب نحو التعايش كأساس للاستمرارية. ولا تختلف الثقافات في تعاطيها مع هذا السؤال، ففي الإعلام (السينما) حديثا نجد اعتناقا لما اعتنقه تراثنا من قبل وتحديداً من خلال ألف ليلة وليلة في التشديد على سهام النظرة الأولى، rsquo;rsquo;النظرة التي تعقبها ألف حسرةlsquo;lsquo; كما ورد في معظم quot;اللياليquot;، وكأن هناك تلازم ضروري بين الحب والأرق والسهد، وأغاني عبد الحليم حافظ مثال مناسب !
في تراثنا هناك من يميل إلى الرأي الثاني كما نجد في كتاب ابن حزم الأندلسي quot;طوق الحمامة (في الألفة والإلاف)quot; حين اعتبر نفسه منحازاً للفئة الثانية إذ يقول في كتابه : rsquo;rsquo;ومن الناس من لا تصح محبته إلا بعد طول المخافتة ، وكثير المشاهدة، وتمادي الأنس، وهذا الذي يوشك أن يدوم ويثبت ولا يحيك في مرّ الليالي، فما دخل عسيراً لم يخرج يسيراً lsquo;lsquo;.
إن الانتماء إلى أي من الفئتين، يتحدد عليه تتابع في الخيارات اللاحقة، فمن يؤمن بالنظرة الأولى سيوافق على كون الحب عاصفاً، وسيعتبره شمعة، بينما الآخر، سيراه هادئاً، وبالنسبة له يشكل شعلة.
في الفكر الغربي،نجد تأثرابمفهومي التملك والكينونة،ونلاحظ سعيا محموماباتجاه الخانة الأولى، فعند التملك يعتبر الحب كما المحبوب ملكية خاصة، أما مفهوم الكينونة، فهناك سعادة بالحب والمحبوب دون رغبة التملك، بل نجد زهدا فيه، ليس زهداً تحقيرياً بل زهد راقٍ يشكل أسمى درجات الحب وأمتنها .
إن واقعنا المجتمعي ، يحوي الكثير من الفكرة الأولى المتأثرة بالفكر الغربي الاستهلاكي الذي حوّل الحب إلى سلعة، كما حول الذات (ذكراً أو أنثى) إلى سلعة أيضاً، على عكس مفهومغاب عن حياتناهو الحب في الله، وهو يشير إلى نوع مختلف من الحب، تضعه الثقافة الإسلامية في مرتبة أرقى وأسمى، وهو يقترب من فكرة الزهد المطلوب المذكورة سابقا، وغير المحببة حاليا .
فهل من طريق إلى هذا الزهد الذي ما زال بعيداً عن التداول اليومي، ؟! أم سنستمتع بالتعليب الغربي لأفكارنا وعواطفنا ؟
إنالتحرر من مثل هذه الرؤى يجعلنا نرى الحبفي صورته الانسانية الأولية، وويجعلنا أبعد من الانشغالبسحر النظرة وحب التملك، وتسمو بنا إلى رؤية أشمل غير متعالية.. إن الحب، المحبة، المودة، الوداد، كلها تشكيلات لونية لانفعالات تثير وتحفز الإنسان نحو الإنسان، والهدف هو في السعي نحو التذكير بالفطرة، لتعميم الحب على الإنسانية، وبالتالي تأسيس مساحة للإنسان الواعي الملتزم بالمحبة الإنسانية .
التعليقات