حوار مع الروائي العراقي سعدون محسن ضمد
من أمستردام صالح حسن فارس: أستطاع الكاتب والروائي العراقي سعدون محسن ضمد أن يفرض اسمه بقوة ويلفت الانظار اليه في الأوساطالأدبية من خلال إصداره لروايته الأولى( حكاية الثلاث الكلمات الساحرات) والتي نشرها أتحاد الأدباء والكتاب العراقيين في بغداد عام 2005. سعدون محسن ضمد اقتحم عالم الرواية من بابها الواسع وإن لم ينطلق من فراغ، فله تجربته الأدبية الخاصة أثناء دراسته في كلية الآداب حيث قام بنشر عدة قصص ومقالات في الصحف والمجلات العراقية والعربية، فليس غريبا بعد ذلك أن تُسجل أولى رواياته حضورا متميزا وتنال إعجاب القراء والنقاد.
منذ الاسطر الأولى للرواية يشعر القارئ أنه أمام عمل هائل وتنوع وغني حيث تتداخل الفلسفة بالتصوف بشكل درامي مثير وإنتقالات سريعة وتتشعب الأحداث وكأنك أمام مخرج سينمائي يصور ويجسد لك الأحداث بشكل مرئي. وبمناسبة صدور روايته الأولى ونجاحها الكبير كان لنا معه هذا الحوار.
* يبدو لقراء روايتك أن لديك هاجسا أو قلقا روحيا تتشابك فيه الفلسفة بالتصوف فهل هذا الانطباع صحيح؟
- بالتأكيد فـ (حكاية الثلاث كلمات الساحرات) بالنسبة لي صراخ حاد وصخب إنساني عارم تحت نافذة المجهول وهو يأخذ قيلولته التي لا تنتهي، محاولة في إقلاق السماء، جر انتباهها للأرض وما يدور فيها من حرائق، تهديد للآلهة بأن إنسانهم الكامل الذي عولوا عليه كثيراً أخذ طريقه باتجاه الإنكار، أنا أعتقد بأن الإنسان الكامل وجد ممحاته أخيراً، ممحاته التي سيزيح عن أوراقه ومن خلالها كل ركام الأكاذيب الذي سطرته رحلته البائسة باتجاه المجهول، رحلته التي اكتشف من خلالها بأن ليس ثمة ما يستحق التأمل. أنا أعتقد أن ثمة تمرداً إنسانياً في سبيله للاتقاد، اجتياح هائل سيمارسه هذا الكائن الغريب يكسر من خلاله كل ما يمكن أن يناله وعيه أو خياله أو بكاؤه. كنت وما ازال أقول بأننا وصلنا لحافة الوعي. على صعيد الماوراء لم يبق أمام الإنسان ما يمكن أن يكتشفه، ولأنه كائن مجبول على التعرف ومعجون بخمر الفضول، فإنه لن يسكت أزاء التعمية التي تحاول من خلالها السماء سد منافذ العروج الإنساني. ولكي أكون واضحاً في إجابتي أكثر دعني أقول بأن هناك مساحات من الوعي ليست من اختصاص الفلاسفة، ولا هم مؤهلون للوقوع عليها، ولا هي من جهة أخرى مناسبة للمتصوفة بالمعنى المتداول لهذا المصطلح، في الفلسفة هناك محاولات بائسة لتركيب ما لا يركب، الفلاسفة قيدوا أدوات التلقي الإنساني وتعاطوا مع الماوراء بالمنطق، والمنطق تجربة إنسانية ما تزال بدائية بالنسبة لموضوع الوعي المطلق. وعند المتصوفة لم تكن المشكلة في أدوات التلقي بل في أدوات الإلقاء، تجارب المتصوفة بقيت تجارب فردية وجدانية، وهي على هذا الصعيد لم تصنع للإنسان سلماً يصلح لعروج ما.
* نجد في روايتك حواراً ذاتياً عبر منولوج طويل فهل الرواية إخبار عن تجربة روحية خاصة؟
- ما أنا متأكد منه أنني لم أكن بادئ ذي بدء معنياً حقاً بكتابة رواية، كنت مشغولاً بالاعتراف، أنا بطبعي أكره السكوت، ولذلك أردت أن أكشف المسكوت عنه. هذه الاعترافات طبعاً حدثت وما تزال تحدث عندي على هامش تجربة خاصة لا أسميها روحية، ولكنني أعتبرها تجربة وعي، رحلةٌ نهمةٌ، أكلت الكثير من سنيني وما تزال مفتوحة الشهية، ومع أنني مصر على الاستمرار بها، غير أنني من جهة أخرى، مصرٌ أيضاً على الاعتراف بفشل هذه التجربة وفشلي من خلالها عن تحقيق أي شيء يستحق الذكر، وهذا ما حاولت التأكيد عليه من خلال الرواية، ما حاولت أن أقوله حقاً هو أن الإنسان محاصر بعجزه.
* روايتك قائمة على شخصية محورية تدور حولها ومنها الأحدث فلم فعلت ذلك؟
مع تأكيدي على أنني في تجربة (حكاية الثلاث كلمات الساحرات) لم أكن معنياً بكتابة رواية، بقدر ما أنني كنت معنياً حقا بالكشف عن تجربة لم أرد لها هي الأخرى أن تسقط في بئر المسكوت عنه، كما حدث بالنسبة للكثير من تجارب الوعي ما فوق المألوف التي أعتقد أنها وئدت بصورة مقصودة. أقول مع التأكيد على ذلك، فإنني وحتى خلال تجربتي في النص المفتوح، لم أستخدم الشخصية استخداماً تقليدياً، أعني أن الشخصية عندي تتحرك صعوداً وهبوطاً بين قمة التوحد ومنحدر التشضي، الذات الإنسانية عندي متوحدة وليست واحدة. قد يبدو للقارئ أول وهلة بأن الرواية تدور على محوري الراوي وسيد البوح، لكن مع التركيز على نبض الرواية سنجد بأنها تكشف عن أسياد للبوح وعن رواة كثر ومختلفين، فالراوي يصعد من كونه مراهقاً يعبث بالطلاسم والأبخرة، إلى كونه معادلاً توليفياً لأطروحة الإنسان الكامل. كما أن سيد البوح من جهة أخرى ينحدر من كونه معادلاً افتراضياً للرب في لحظات اتصاله مع المربوب، إلى واقع كونه عبث ونزق ووساوس ذات مجنونة ومهووسة بالكذب. وبين كلا المستويين وعلى كلا الصعيدين ثمة الكثير من الشخصيات التي تنتظر من القارئ أن يعنى بالكشف عنها ومعرفتها.
* هل يمكن أن تحدثنا قليلا عن سيد البوح؟
- سيد البوح بئر ليس له قرار موجود في أعماق كل قارئ، بئر مغطى بالأفكار الجاهزة والمفروضة بوساطة التنشئة الاجتماعية، وما أن يرفع القارئ الغطاء عن فتحة هذا البئر حتى أفاجئه أنا من الخلف، سأدفعه بقوة ليمارس سقوطه الحر داخل أعماق ذاته، لعله ينجح باكتشاف بوحه الحقيقي.
*منذ روايتك الاولى وأنت تنهج خطاً خاصا بك الى أين تريد الاتجاه وماهي خصوصيته؟
- لا يخفى بأن جذر العمل الإبداعي هو إرادة التفرد عند المبدع، كل مبدع، ويأتي المنجز ليكشف عن وجود أو عدم وجود مسافة إبداع تفصل بين العمل والمألوف. وهكذا أجدني مصراً على أن المنتج الإبداعي إذا لم يتقوم بأكثر من خصوصية أو تفرد، فهو عمل لا يستحق التوقف عنده.
*نبرة الحزن والتشاؤم يمكن أن تلحظ من خلال شخصية البطل فهل هذا يعبر عن شخص محسن ضمد؟
- أعتقد بأن الإنسان الذي لا يكون الحزن بل وحتى البكاء محوراً في حياته، لم يتعرف بعد على العمق الحقيقي لإنسانيته، فرادة الإنسان تكمن بقدرته على الوعي، والوعي ـ كما مارسته ـ باب بشع ولعين، مفتوح على الجحيم. لقد كشف كولن ولسن عن لا إنتماء المثقف، المثقف يراقب من خارج أسوار الثقافة الاجتماعية، والثقافة الاجتماعية ما هي إلا ستار وهمي من العقائد والأساطير والممارسات التي يريد من خلالها الإنسان أن ينسى بشاعة (المبدأ والمنتهى)، بشاعة الحقيقة، هذه هي الثقافة عندي، فإذا انسلخ عنها المثقف، فهل تعتقد بأنه سيكون قادرا على الفرح؟
* عنوان روايتك يذكرنا بعنوان مشابه لروائي عراقي آخر، فما سر ذلك؟
- هذا ما فاجأتني أنت به شخصياً، وأنا حقاً لا أعرف كيف حدث هذا التناصّ، فالرواية التي تقصدها لا أعتقد بأنها دخلت للعراق، فهي مكتوبة ومنشورة في المنفى، عليه لم أطلع عليها بعد، هذا بالإضافة إلى اعتقادي الراسخ بأن بين مضموني الروايتين بوناً واسعاً.
* كيف ترى واقع الرواية العراقية المعاصرة وهمومها؟
- أعتقد بأن الرواية العراقية بحاجة للتمرد، أشكال السرد التقليدية تكاد أن تجهز على الروائيين في العراق، ومع أن هذا الفن من الكتابة تعرض لهزات عنيفة في العالم إلا أننا ما نزال بطيئين في الاستجابة لضرورات التغيير.
* برأيك كروائي هل تعتقد ان الرواية في العراق سجلت حضورا ملموساً في العالم؟
- مع الأخذ بنظر الاعتبار القفزات التي حدثت وتحدث في الرواية ببعدها العالمي، لا أعتقد بأننا نستطيع أن نجد بصمة واضحة للروائيين العراقيين، خاصة وأنني أعتقد بأنهم لم يتمكنوا بعد من إحراز ثقتهم بأنفسهم، وبقابليتهم على قيادة عملية الإبداع عالمياً، ولهذا أجدهم هوامش متراوحة الأهمية بالنسبة للمتن الإبداعي للرواية على المستوى العالمي.
* سمعتُ بأنك مشغول حاليا بعمل روائي جديد، فهل هذه معلومة صحيحة؟
- نعم لقد أوشكت على الانتهاء من روايتي الثانية، التي بدأت بكتابتها قبل فترة طويلة من طباعة روايتي الأولى، يعني أنني أعمل على هذه الرواية منذ أكثر من سنة ونصف.
التعليقات