إنّ أي مقاربة نوستالجية لهذا المعرض*، على أساس أنّ "المعرض الأول" لا يكون إلا في فلسطين، هي مقاربة فيها شيء من التسرع والغفلة عن معنى أعمق؛ يكمن في عمل الفنان ومسيرته الفنية. فبعد ما يزيد عن أربعة عقود من الممارسة التشكيلية، تمخّضت عن عشرات المعارض في "المنفى" بين شخصية وجماعية، يؤثر الفنان سمير سلامة ويختار بدايته الجديدة كفنان. حيث لم تعقه تجاربه المختلفة والخبرات التي راكمها عن هذه مثل هذه البداية، التي نراها في لوحات معرضه "الأول" هذا. إن سمير سلامة لا يعود إلى فلسطين بقدر ما يعود ليبدأ بفلسطين؛ وهذه البداية الجديدة المتمثلة بإقامة "معرض أول"، لابد لكي نفهمها، من الاستعانة بالتفريق الجميل الذي أقامه ادوارد سعيد بين مفهومي البداية والأصل؛ حيث يقابل "الأصل" بما هو مفهوم لاهوتي، "البداية" بما هي مفهوم تاريخي يمتاز عن مفهوم الأصل ويتمايز عليه بالنية الواعية والاختيار الحر. وإذا كانت العودة إلى الأصل في المخيال العربي هي "عَوْدٌ على بدء" في زمن دائري، فإن البداية كما ذهب سعيد -وكما تمثلها الفنان- هي صنع الاختلاف وإنتاجه. لكننا نلحظ لدى الفنان نوعاً من "المصالحة" بين البداية والأصل، أو دعنا نقول أن البداية تنقذ الأصلَ وتحميه من أن يتحول إلى إيديولوجية تقتات على نفسها أو مجرّد أيقونة! عندما التقيت بسمير سلامة لأول مرة بدا لي كأنه قد هرب من إحدى روايات كازنتزاكي، متمرداً على شرط الموت، الذي اعتاد ذلك الإغريقي المعاصر، اقتياد شخوص رواياته إليه؛ ومن يتأمل سيرة هذا الفنان منذ تهجيره مع عائلته قبل سبع وخمسين سنة مضين على احتلال بلدته صفد، وهو بعدُ في الرابعة، إلى هذه اللحظة، تتبدى لمن يتأمل سمات الشخصية الناجية من شِراك مؤلفها ونقادها الجنائزيين.
ثمة منطقة من الحرية يذهب إليها كذهاب الموجة للشاطئ ورجوعها للبحر- ويحققها له في هذه المرحلة الأسلوبية، هذا التجريد المثير للإعجاب- فيبدو متجاوزاً "الموت" بجميع مسمياته المجانية والتي ربما يكون"الاحتلال" الآن، أكثرها بشاعة وابتذالاً.
في هذا المعرض لن يجد أصحاب الخيال المدرسي أي أثر لنوستالجيا رسام كهل، عاد من معارك اللون ليستريح؛ (فهو ليس، ولم يكن "حمامة" تنوح فوق صفد أو تهدل في "حدائق معلولا"!) بالأحرى إننا أمام بداية جديدة لفنان شاب يبدو ممعناً في إثارة القلاقل الأسلوبية ونسف استكانتها، ببحث ممتع من جانبه، بحث هو في صميم التشكيل.

كلمة خاصة بكتالوغ "المعرض الأول في فلسطين" للفنان سمير سلامة، المقام حالياً في مركز خليل السكاكيني برام الله.