الرباط (رويترز) - تعيش الفنانة المسرحية المغربية مليكة الخالدي على أمل شفاء رجليها من الشلل لتقف قريبا على خشبة المسرح وتغني في دور اسند اليها رغم مرضها أمام اصرارها على تاديته لضمان مصاريف علاجها ونفقات اسرتها. والفنانة مليكة التي تعتبر من أولى المغربيات اللواتي اعتلين خشبة المسرح وكان ذلك في ستينيات القرن الماضي حينما كان دور المرأة المغربية خاصة في المجال الفني محدودا. ولعبت دور عويشة في المسرحية الغنائية المغربية الشهيرة "الحراز" وادته أمام العاهل الراحل الملك الحسن الثاني الذي أبدى اعجابه بالدور. لكنها لم تكن تتصور انها ستعيش يوما على عتبة الفقر ولن تجد ما تسدد به نفقات العلاج. تقول مليكة التي تقيم في مدينة مراكش لرويترز "هذا حال الفنان في بلادنا. ليست لهذا الاخير حقوق... نتألم ونموت في صمت."
وأصدر المغرب منذ سنتين قانون الفنان لتنظيم المهنة وضمان حقوق وواجبات الفنان على راسها التغطية الصحية. ويشكو عدد من الفنانين من ان القانون لم ينفذ بعد.
وقال وزير الثقافة المغربي محمد الاشعري في لقاء مع رويترز ان "قانون الفنان" جاء ليصبح للفنان وضع معترف به ولتنظيم مهنته مشيرا الى ان الفنانين يعملون دون عقود تحدد الحقوق والواجبات "وعدد كبير منهم ليس لهم تغطية صحية على الاطلاق." وأضاف "أزيد من 700 فنان سيصبح لهم تأمين صحي والذين يلومون الحكومة بأن قانون الفنان صدر منذ سنتين ولم يفعل بعد يجب ان يعرفوا ان ذلك ليس قرارا اداريا.. فالدولة يمكنها ان تساعد." ومضى قائلا "نحن لسنا ضد الدعم.. ولكن الدعم وحده ليس كافيا. يجب ان تتطور مهننا بان تصبح مهنا حقيقية وان نخلق شروطا حقيقية لبروز مقاولة فنية تستعمل كل الوسائل التقنية والتجارية لدعم منتوجها."
واعتبر الوزير ان "الدعم الحقيقي ليس هو دعم الدولة بل هو ايجاد سوق قوية للمستهلكين وتربية اجيال الشباب على الذوق وعلى محبة الفن منذ المدرسة."
ويقول مدافعون عن حقوق الفنان ان غالبية الفنانين المغاربة يعيشون بدخل شهري لا يتجاوز 1000 درهم (نحو 110.40 دولار). وقال حسن النفالي رئيس النقابة الوطنية لمحترفي المسرح لرويترز "أغلب العقود لا تتجاوز 1000 درهم بالنسبة للممثل واحيانا 500 درهم ليصل الدخل السنوي الى نحو 12 الف درهم." وأضاف "يعيش ما بين 75 الى 80 في المئة من الممثلين هذا الوضع.. ويشكل الممثلون السواد الاعظم من الفنانين." وأرجع السبب الى "الفوضى التي يعيشها القطاع ورغبة المنتجين في الاستحواذ على أكبر نسبة لهم وان يكون الممثل هو كبش الفداء."
ويرى المنتج والممثل المغربي يادين مصطفى ان "الامر لا يتعلق برغبة المنتج في الاستحواذ وانما هناك عوامل أخرى وراء تدني اجر الفنان." وتحدث عن مبالغ أكبر بكثير من التي تحدث عنها النفالي تراوحت بين سبعة الاف وعشرة الاف درهم درهم مقابل الظهور في لقطة واحدة لممثلين مغاربة معروفين. وقال "المبالغ المتدنية لا تسلم الا للممثل المبتديء.. لكن المشكل المطروح هو قلة الأعمال التي لا تتجاوز عملا أو عملين في السنة وبالتالي قلة المدخول بالنسبة للفنان." وأضاف ان المشكلة تكمن ايضا في عدم تسويق الدراما المغربية وعدم وجود مستثمرين "لعدم ضمانهم أرباحا مادية من الاستثمار."
ويرى وزير الثقافة ان الاوضاع "الصعبة التي يعيشها الفنانون المغاربة استثناء وليست قاعدة." وأضاف "وضعية الفنان المغربي هي جزء من وضعية المواطن المغربي البسيط." وقال "هناك عدد كبير من الفنانين الذين يعيشون من عملهم الفني ولكن هناك عددا كبيرا لهم عمل اخر اضافة الى الفن وهم بالتالي لهم جميع الحقوق المرتبطة بمهامهم كالتغطية الصحية والضمان الاجتماعي والتقاعد." وأضاف "نحن ننظر الى النشاط الفني في بلادنا بطريقة غير دقيقة لاننا لا نحلل وضع انتاج واستهلاك المادة الفنية في المغرب. فالنشاط الفني هو ايضا نشاط تجاري." وأضاف "يجب ان نعترف ان السوق الفني في بلادنا سوق محدود" مشيرا الى أن السبب يكمن في عدم وجود أطر عمل جيدة.
ويرجع البعض الصعوبات التي يواجهها الفنان المغربي الى قرصنة انتاجهم الفني بهدف تداوله في السوق المغربية بثمن بخس يصل الى خمسة دراهم للقرص المدمج (0.55 دولار). ويعتبر المغرب من بين الدول الافريقية التي تستشري فيها ظاهرة قرصنة الأعمال الفنية ويكلف ذلك الاقتصاد المغربي ملياري درهم سنويا. وتباع في الأسواق المغربية اسبوعيا نحو 600 الف تسجيل غير مرخص من أحدث الاشرطة والاعمال الفنية.
ويقول مصطفى بغداد الامين العام للنقابة الحرة للموسيقيين المغاربة "القانون لا يطبق في مجال حقوق التاليف والحقوق المجاورة. وهذا يعرض الفنان الى الاستنزاف وبالتالي يتحمل مسؤولية كبيرة في فقره وضياعه." وأضاف ان القرصنة ليست السبب الوحيد فيما يعانيه الفنان المغربي اذ أن هناك أيضا "عدم الاستثمار ومشاركة القطاع الخاص في صنع نجوم فنية كما هو الحال بالنسبة لعدد من الدول."
وفي الاونة الاخيرة عبر مجموعة من الفنانين عن احتجاجهم على ما وصفوه باقصائهم وتهميشهم. واعتبر اتحاد النقابات الفنية الذي تاسس مؤخرا للرد على ائتلاف فني وقع شراكة مع وزارة الثقافة بعد المصادقة على قانون الفنان ان "الفنان المغربي مقصي ومهمش في بلاده." وقال عبد اللطيف الزين الامين العام لنقابة التشكيليين المغاربة العضو المؤسس لاتحاد النقابات الفنية "الفنان المغربي مقصي من التظاهرات الفنية الكبرى بينما الفنانون الاجانب لا يؤدون ضرائب على الارباح."
وأضاف "الفنانون الاجانب يجب ان يدفعوا 25 في المئة على الارباح كما هو معمول به في عدد من الدول." وتساءل "ماذا يبقى للفنان المغربي اذا كان مهمشا وغير معترف به في بلاده؟"

(الدولار يساوي 05ر9 درهم مغربي)