سلوى اللوباني من القاهرة: هل تخيل أحد بأنه صديق لملك الموت في يوم من الايام؟ هل تكلمت مع ملك الموت؟ هل تعتبره مخيفاً بشعاً أم رقيقاً جميلاً؟ أسئلة كثيرة وليست مألوفة تتبادر الى ذهنك وانت تقرأ رواية جديدة لدار شرقيات بعنوانquot; استقالة ملك الموتquot; للكاتبة المصرية صفاء النجار، تحفزك سطور صفاء للدخول في عالم من الافكار والتخيلات وطرح اسئلة لم تخطر ببالك مسبقا فهل يمكن فعلاً لملك الموت أن يستقيل؟ وما نتائج استقالته؟ هل يمكن مصادقة ملك الموت؟

الموت بشكل مختلف:
تناولت الكاتبة الموت من خلال موروثات شعبية تناقلتها الاجيال في بلدة ميت زهرة، تجسدت في أفعال ابطال الرواية فمن حسنة الى فاطمة، وصفية، يحيى، عوض وغيرهم الكثير، موروثات شعبية مثل رؤية الغراب ودلالاتها، وتفسير الاحلام ومعنى اللون الاحمر في الحلم، وقراءة الفنجان وزيارة المقابر، قدمت ملك الموت بشكل مختلف عن التراث الذي أظهره مخيفاً، فجسدت الموت عند صفية كطائر اخضر هش، واظهرت ان الموت له مشاعر وأحاسيس من خلال حسنة quot; آه ايها الموت كم انت رقيق، تمسك بيدي، تعبر بي الشارع، لا اشعر بملمس جلدك، لكن احساسا بالامان يسري في عروقي، عادة ما كنت انجو من خطر قادم يراه ولا أراه، يدفعني بيدين قويتين، أقع بجوار حائط وقبل أن أبكي أراه قد طار ومعه طفل آخر..quot;.

ملك الموت يروي:

رواية تتحدث عن ذكريات ملك الموت، وتجسد علاقة صداقة بينه وبين السيدة حسنة الفقي، التي تنبه والدها بعد ولادتها الى وجود حسنة في كفها الايمن فقرر ان يسميها حسنة، فلاحة من بلدة ميت زهرة، ختمت القرآن الكريم، وتعلمت القراءة والحساب ومن عائلة اقطاعية وزوجة لرجل اقطاعي، ملك الموت رافق حسنة طوال حياتها وكان قريبا منها بحيث تكونت بينهما صداقة فريدة من نوعها، صداقة يرويها ملك الموت بلسانه في الروايةquot; ستتغير ملامح حسنة مع السنين وتتغير معها اشياء كثيرة في حياتهاquot;، ولكن لم تكن تدري حسنة ان هذه الصداقة ستزول بمجرد موت ابنها منير، فملك الموت اختطفه...quot;ولكني لم اخلق لموتها.. موت آخر أكثر شباباً سيتولى مسألتها، فانا انسحب ربما يمكن لموت آخر ان يستطيع التعامل معها، وهي يمكنها ان تستمر في تغيرها، وتتآلف مع موت آخر، بل وتضمه الى صفها حتى انه حين يأتي موعده سيخجل من جلسته امامها مترددا، يروي لها عنها وعن الذي أحبتquot;.

الموت لا يتغير:
تذكرك صفاء النجار بين سطورها وحكاياتها بالموت الذي لا مكان محدد له..quot;تلك الرائحة التي صفعت وجهي وهم يفتحون الصندوق، ويحاولون ابعادي عنه، يخرس لساني بينما تصرخ خلاياي.. وتجثم الحسرة على روحي فلا استطيع حراكاً ويحتل الحزن أوردتي.. جسده ممدد بملابسه ورائحة الدم الصدئة تنبعث من رقبته... وعيناه مسدلتان... سأظل اسأل نفسي لماذا؟ وهل كان يجب منعه من السفر كمراسل يغطي الحرب على العراقquot;، كما تذكرنا بأن كل شئ يتغير الا الموت، وهو الذي يجمع الناس في النهاية بتساو..quot; في حضرتي لا تكون أنت كما عرفت نفسك، حريص على سمعتك وشرفك وحرصك الوحيد سيكون أن تخلع كل الاروية التي أخفت عفتك وكتمت رائحته، في حضرتي تستيقظ الحواس يقظتها الاخيرة فترى العين ما تغاضت عنه سنوات، وتسمع الاذن كل الهمس الذي تجاهلته، وتشعر بطعم الحب والكراهية فتسأل نفسك ما الذي كان يملأ فمي، في حضرتي ستتيقن ان الله يٌعبد بكل اللغات... رغم قربي وتجلياتي في الاشياء تدعون أنكم لم تقابلوني فمن قابل الموت وعاد ليروي عنهquot;.

الموت مستاء:
ويصف ملك الموت مهمته..quot; في ليلة النصف من شعبان ادق الابواب ولا أطلب أكثر من رغيف خبز وحفنة ملح فدية لال البيت، وفي الاونة الاخيرة لم يعد كثيرون يهتمون بدقاتي ويصرون على اغلاق الباب في وجهي، فمعذرة اذا تسربت اليكم من عقب الباب...لست غاضبا بل مستاء فانا لا افهم منطق البشر وافعالهم التي تجافي المنطقquot;، ومن خلال عدة دلالات تشير الكاتبة الى عدم نسيان الموت أو تناسيه، فكم من مرة توقعنا الموت لاشخاص معينين، واذا بملك الموت ينتشل غيرهم من بيننا، فحسنة اقترب منها الموت ودار حولها وتمشى معها وصادقها ولكنه لم يأت لها بالموت بل بموت ابنها.

الحياة والموت:
كم من الوقت تحتاج لتتعرف على عالمك ويصير جزاءا منك ويصبح داخلك، حين يتم هذا تكتشف ان كل الاشياء صارت قديمة وان الحياة اشياء اخرى لا تعرف عنها.. فالانسان في هذه الحياة له مهمة معينة وبعد أن يؤديها على المحيطين به ان يتركوه يذهب الى هناك، الى الضفة الاخرى.. ويرعى شئونه بعيدا عما يجب واللازم والمفروض، فيؤكد ملك الموت من خلال ذكرياته أن الموت يصر على قلب الحقائق التي نعرفها ويصدقها الناس من حولنا، فيصف مهمته...quot; كل أوقاتي انتظار.. أجلس في مكاني المختار وفي يدي اللوح المكتوب وعن شمالي شجرة أوراقها اعمار كل البشر فاذا قرب أجل بني آدم يبست ورقته.. ونزلت اقبض روحه واشطب اسمه من اللوح، الشجرة اوراقها خضراء زاهية لكن ليست خضرة كل الاوراق واحدة، بعضها تبدو صفراء عليلة، واخرى يانعة تسري فيها خضرة الحياةquot;، ويؤكد ان لا أحد يستطيع الهرب منه...quot;فهي لا تدرك ان الاسوار لا تبعد الموت، لكنها تجعل زيارتي لها محدودة، الاسوار تنظم دخول الاشياء وخروجها، لكنها لا تمنع شيئا... لو انها تأملت قليلا لرأت أن أحدا لا يمكنه ان يهرب منيquot;.

رواية مؤرقة تنتظر في نهايتها استقالة ملك الموت، ولكن هل يستقيل؟ وما معنى استقالته؟

[email protected]