حوار مع جمال جمعة
حاوره : جيراردو بورتون من صحيفة ريو نيجرو


* قصائدك تشير الى وجود تداخل بين تاريخكم الشخصيّ والوطنيّ. سأرجو منك الآن أن تبيّن لي فيما إذا كان لشعرك جذور في حضارة العراق القديم أم لا؟ ـ أعتقد أن كل شاعر

يحتوي شعره على قدر من السيرة الذاتية بشكل أو بآخر، لقد حاولت طوال تأريخي الشعري أن أتجنب دخول السياسة الى قصائدي، فلا شيء يفسد الشعر أكثر من السياسة، كل القصائد العظيمة والأعمال وعلى مدى التاريخ هي قصائد غير سياسية، وإن وجد فيها شيء من السياسة فإنما يوجد بشكل خفيّ أو غير مباشر. قد يكتب الشاعر قصيدة سياسية جيدة في وقت ما، لكن مع الزمن ستختفي طاقتها الشعرية بإنتهاء المناسبة التي كُتبت من أجلها. المرة الوحيدة التي كتبت ديواناً يمكن وصفه بأنه quot;سياسيّquot; كانت عندما سقط أخي الصغير في أسر القوات الأمريكية أثناء حرب الخليج عام 1991. هنا إختلط عندي الأخ الصغير مع الوطن وهو في قبضة قوة عسكرية شرسة، فجاءت القصائد على شكل رسائل موجهة الى أخي وتحمل بعداً سياسياً الى حد ما، لكن حتى في هذه القصائد ستجد أنها أمتداد لقصائد الرثاء السومرية أو نصوص المعاناة والألم في الكتاب المقدّس المتأثرة بالثقافة البابليّة.

* على حد علمي فإنّ الشعر الحرّ جديد تماماً عليكم، ولديّ إنطباع بأنّ المدارس الشعرية تمتلك شعبية واسعة في ثقافتكم.
ـ لا، ليس الشعر الحر في العراق جديداً الى هذا الحد، فالشعر الحرّ العربي تم إبتكاره وممارسة كتابته في مطلع الخمسينيات، أي قبل أن أولد بعدة سنين، ولعليّ سأفاجئك إذا قلت لك أن حركة الشعر الحرّ بدأتها إمرأة في العراق، وهي الشاعرة (نازك الملائكة) التي كانت المنظّرة الاساسية لهذا النمط الجديد من الشعر وأوّل من كتبه ودعا الى التمرّد على الشعر الكلاسيكي العربي. وشخصياً لم أكتب طوال عشرين سنة سوى قصيدتين كلاسيكيتين، أما باقي شعري فهو بمجمله يدخل ضمن مفهوم quot;الشعر الحرّ، فالشعر الكلاسيكي يرتبط عندي بالسلطة، والتي لي معها موقف عدائيّ غريزيّ.

ما بخصوص المدارس الشعرية في العراق، فيوجد لدينا ما نطلق عليه مصطلح quot;الأجيال الشعريةquot; وهو تصنيف دقيق الى حدّ ما ـ أنا أتكلم هنا عن الشعر الحرّ ـ، وكلّ جيل من هذه الأجيال له خصائص فنية وإسلوبية يتميز بها، فلدينا quot;جيل الخمسينياتquot; وهو جيل سياسي برمته ينتمي معظمه للحزب الشيوعي العراقي أو للحركات القومية العربية، وعلى يد هذا الجيل تم نشوء quot;الشعر الحرquot; وتعزيزه، حيث تخلّص الشعر العربي لأول مرّة من قيود الوزن والقافية على يد الشاعرة نازك الملائكة ثم تعزز ذلك التيار بدعم الشعراء المجايلين لنازك الملائكة في تلك الفترة، خصوصاً الشاعر بدر شاكر السياب. ثم تلاه quot;جيل الستينياتquot;، وهو جيل متمرّد للغاية وعبثيّ بعض الشيء تأثر أغلبه بالحركات الماوية أو التروتسكيّة كما تشبّع البعض الآخر بالفلسفة الوجودية التي شاعت في تلك المرحلة. وقد انتقل هذا التمرد والعبث الى تقنية القصيدة التي يكتبونها وتطورت بذلك على أيديهم أشكال الكتابة الشعرية وبناء القصيدة فجاءت أقرب الى الأنماط الشعرية التي كتبها الدادائيون والسورياليون في فرنسا. ثم جاء بعدهم quot;جيل السبعيناتquot; الذي أنتمي إليه أنا، ومعظمه هاجر خارج العراق بعد إنهيار الجبهة الوطنية وتكريس الدكتاتورية وإغلاق الصحف غير الحكومية، بعد صعود صدام حسين الى دفّة السلطة، وبذلك تحوّل هذا الجيل الى quot;جيل منفىquot;، صمت البعض منه والبعض الآخر استطاع أن يشق طريقه في اللغات الأجنبية لمواطنهم الجديدة وحقق بعضهم نجاحاً ما، أمّا من بقي منهم في العراق فقد حطمته الحرب أو جعلته ماكنة الثقافة الدكتاتوربة، التي لا ترحم أحداً، جزءاً منها. الأجيال الأخيرة quot;الجيل الثمانيني والتسعينيquot;، وهما الجيلان اللذان نشئآ في بلد مغلق تحت ثقافة واحدة مكرّسة لتمجيد الكتاتور، عاد بعضهم فيه الى الشعر الكلاسيكي المخصص لتأجيج مشاعر الجمهور في المناسبات الوطنية، أما البعض الآخر، الذي آثر الاستمرار بتطوير حركة الشعر، فقد كتبوا قصائدهم بشكل موحّد يصعب فيه تمييز قصيدة عن أخرى أو شاعر عن شاعر، وهم رغم شاعرية نصوصهم العالية إلاّ أنهم كتبوا أشعارهم بتعمية شديدة لتجاوز الرقابة الثقافية على نصوصهم والإفلات منها المساءلات البوليسية.

* لديّ بعض الإطلاع على نشاط جماعة كركوك، هل ما زالت هذه المجموعة مهمّة، ومن هم الشعراء في هذه المجموعة؟ وهل هناك جماعات شعرية أخرى في داخل أو خارج العراق؟
ـ جماعة كركوك هي جزء من جيل الستينيات البوهيميّ، وليس فيه ما يميزهم عن بقية أدباء جيلهم سوى أنهم جاءوا من مدينة واحدة، هي كركوك. وكركوك مدينة كوسموبولوتية توسعت بعد إكتشاف النفط فيها وإنشاء شركة النفط الوطنية هناك، فأصبحت هذه المدينة مركز اجتذاب للأيدي العاملة المهاجرة من القوميات المختلفة في العراق، وانعكس هذا التنوع الإثنيّ والدينيّ على جماعة كركوك التي ستجدها خليطاً منهم العربيّ والتركمانيّ والمسلم والمسيحيّ والكرديّ والآشوريّ. أما من الجانب القكريّ فهم خليط من الماركسيين والعدميين والمسيحيين، ولعل أبرز أعضائها هو الشاعر الأب يوسف سعيد الذي جعل من كنيسته مكاناً لإجتماعات تلك الجماعة لمناقشة الشعر والأدب وأفكار جيفارا الثورية. أغلب هذه الجماعة صمت للأسف، ولم يتبق منهم سوى شاعرين هما سركون بولص وفاضل العزاوي الذي يكتب الرواية أيضاً بنفس الجودة التي يكتب فيها الشعر.
أما الآن فلا توجد جماعة شعرية حسب علمي، فتشتّت الشعراء العراقيين في المنافي إضافة الى صعوبة تكوين أيّ تجمّع ثقافي خارج السيطرة الحكومية في داخل العراق، زمن صدام، جعل من الصعب تكوين جماعات على هذه الشاكلة.

* هل يمكنك أن ترسم لنا الخطوط الرئيسيّة أو إتجاهات الشعر العراقيّ اليوم؟
ـ الشعر العراقي الآن يمرّ بأسوأ فتراته، ولعل أزمته هي جزء من الأزمة العالمية في زمن التلقّي السريع للمعلومة، لكن في العراق زاد الأمر سوءاً أن البلد كان مغلقاً لمدة 30 عاماً حيث لا صحافة حرّة ولا إعلام غير حكوميّ، وحتى الانترنيت كان غير مسموح به في زمن صدام. إضافة الى القطيعة الثقافية بين أدباء الخارج الذين هاجروا بعد وصول صدام للسلطة وعددهم أكثر من 500 شاعر وقاص وصحفي، حيث كان ممنوعاً حتى ذكر أسمائهم داخل الصحف المحلية. النظام الديكاتوري قام بتشجيع ودعم الشعر الكلاسيكيّ كجزء من الماكنة الدعائية الثقافية للنظام وأصبح تياراً بعينه واستمر هذا التيار لحد الان بتشجيع القوى الدينية التي ازدهر نفوذها بعد سقوط الديكتاتورية، وهي قوى محافظة تقدّس كل ماله علاقة بالتراث ومنه الشعر الكلاسيكيّ. الخط الثاني في الشعر هو خط quot;النصّ المفتوحquot; الذي تمرّس في كتابته شعراء الثمانينيات وما بعدهم، وهو خط استهلك نفسه بعد جيلين شعريين دون أن ينجب شاعراً متميزاً منهم، واضحى ألاعيب لغوية واستعراضاً للمهارات الكتابية، القصيدة فيه هلامية لا شكل لها ولا بداية ولا نهاية، يمكنك أن تحذف أي جزء منها دون أن يحدث أي تغيير ما. التيار الثالث هو تيار تأمّلي يحاول أن يكتب قصيدة إنسانية أو يومية بعيداً عن حذلقات اللغة والبلاغة الموروثة، وأغلب ممارسية ينحدرون به الى بساطة وسهولة تجعل منه كأيّ كلام صحفي في جريدة يومية.

* إذا فكّرنا بالقرّاء الغربيين لشعرك، أو الشعر الإرجنتينيّ وشعر أميركا اللاتينية المقروء في العالم الثالث. نحن على سبيل المثال نقرأ بورخيس إضافة الى كتّاب وشعراء آخرين من بلدان أخرى، هل تعتقد أن هناك نمط مشترك بيننا وبينكم إضافة الى ما يجري حالياً من أحداث ساخنة؟
ـ أعتقد أنّ الأدب العظيم له هوية إنسانية واحدة تصلح لأيّ مكان وأي زمن. والكاتب العظيم هو الذي تكتنز روحه بجوهر الثقافات الانسانية وبورخيس هو المثال الأعظم للروح الكبرى للمبدع. إنه أرجنتينيّ، نعم، لكنه حين يكتب قصصه تجده إبناً لألف ليلة وليلة أو أمتداداً لهوميروس في أشعاره العظيمة. إنظر الى قصته quot;مكتبة بابلquot; مثلاً، تجد أنه وريث لحضارة العراق القديم أيضاً. لقد كنا نتبادل قصائد الحب التي يكتبها بابلو نيرودا ونحن في مقاعد الدراسة في الجامعة، أما رواية أستورياس quot;السيد الرئيسquot; أو رائعة ماركيز quot;خريف البطريركquot; فلا يمكن لأيّ عراقي أن يقرأها دون أن يفكر بصدام حسين. أعتقد ان ذلك لا يعود فقط الى الظروف السياسية المتشابهة بيننا وبين أمريكا اللاتينية على صعيد الدكتاتوريات مثلاً، ولا الى طبيعة العلاقات الاجتماعية المشتركة بيننا، بل الى أن جوهر الأدب العظيم هو إنسانيّ بشكل عام، وهذا ما يجعل للكاتب أو الشاعر وظيفة إنسانية وروحية تقرب من مهمة الأنبياء في العهود القديمة.

* واحدة من ثيماتك هي المنفى. ونحن نشترك معكم بهذه التجربة بسبب الدكتاتورية العسكرية التي خلقت مفردة quot;مفقودquot; في جميع أنحاء العالم. الآن أنت ستعود الى الوطن، كيف تشعر؟ وكيف تجد بلادك حالياً؟
ـ هناك حالة يمرّ بها المنفيّ تختلف عن الحالة التي يمرّ بها المسافر، وهي أن الزمن يتجمّد بالنسبة للمنفي عند النقطة التي غادر بها وطنه، فالأطفال يظلون في ذاكرته أطفالاً والأماكن تبقى كما هي ولا تتبدل، حتى الأشجار تتوقف عن النمو في ذاكرته، الصدمة الحقيقية تبدأ حين يعود من غاب أكثر من عشرين عاماً مثلي الى وطنه، من الصعب عليّ التعرّف على أخوتي الذين تركتهم صغاراً في وجوه الأشخاص الكبار الذين التقيت بهم من عائلتي، معظم أصدقائي قتلوا في الحروب، الحانات الصغيرة التي كانت أماكن لتجمعاتنا الأدبية أغلقت، أعتقد أن العودة لأي منفيّ بعد هذه المدة الطويلة تشاكل الدخول الى منفى ثانٍ. هذا على الصعيد الشخصيّ، أما من ناحية البلد بشكل عام فأعتقد أنه قد خُرّب تماماً، فثلاثين عاماً من الدكتاتورية وعسكرة الدولة، يضاف لها ثلاث حروب وأكثر من عشر سنين من الحصار الاقتصادي العالمي للعراق قضت تماماً على الحياة المدنية في المجتمع وأزالت الطبقة الوسطة من الوجود. الأميّة والفقر متفشيان الآن بشكل كبير مما يجعل الأجيال الجديدة مرتعاً للحركات الأصولية الدينية. أعتقد أننا نحتاج الى جيلين أو ثلاثة للخروج من الكارثة الاجتماعية التي نحن فيها الآن، هذا إذا تمّ الإصرار على ترسيخ الإتجاه الديمقراطي الذي يسير فيه العراق الان.

* نحن في صميم الغرب، في عمق الثقافة الأيطالية والإسبانية، حيث كانت المرأة مضطهدة منذ قرون. مجتمعنا يعتقد أن الثقافة العربية هي الأسوأ في هذا الميدان، أعني التمييز ضدّ المرأة. ما هي وجهة نظرك حول هذا الموضوع؟
ـ هذا الامر صحيح للأسف ولكن بدرجات متفاوتة، فالمجتمعات العربية تختلف من بلد الى آخر. فوضع المرأة في لبنان، سوريا، مصر والعراق أفضل بكثير من وضعها في دول الخليج البترولية كالسعودية والبحرين وقطر، ففي العراق مثلا كانت لدينا وزيرة منذ عام 1959 بينما في السعودية لا تستطيع المرأة الحصول على رخصة لقيادة السيارة حتى الآن. أعتقد أن الامر يتعلق بالوضع الاقتصادي لكل بلد، فكما تعرف أن الثورة الصناعية في أوربا دفعت الرأسمالية الى تشجيع حركات التحرر للمرأة لحاجتها الماسة الى الأيدي العاملة. مثل هذه الثورة لم تحدث لحد الآن في البلدان العربية ولم يصل تأثيرها إلاّ بشكل يسير. فالمجتمعات العربية ما تزال تعيش في طور البداوة التي توجّه قوانينها الأخلاقية ومنها خروج المرأة للعمل. هناك أمل كبير في تحسين وضع المرأة في البلدان غير النفطية التي تعيش بشكل مرفّه على البترول وتمنع وصول أي تغيير إجتماعي اليها. وأعتقد أن الضغوط الدولية مفيدة في هذا الإتجاه لتحسين ظروف المرأة المعيشية وانتزاع حقوقها تدريجياً من السيطرة البطرياركية في المجتمعات العربية.
هناك أيضاً قضية فصل الدين عن الدولة، وهي أمور تخلصت منها أوربا منذ زمن بعيد حين فصلت الدولة عن سلطة الكنيسة. المشكلة لدينا أن هناك من يعتقد أن الدين هو مصدر القوانين والتشريعات وهي لا تقبل التغيير، فتصور معي تأثير تطبيق تشريعات مضى عليها 1400 عاماً على مجتمع ما، خصوصاً فيما يتعلق بحقوق المرأة. لم تظهر لحد الان قوى ثورية حقيقية تصلح الإسلام الذي مازال أسير تفسيرات القرون الوسطى. المشكلة أن هذه الدول موقعة على لائحة حقوق الانسان التي تكفل المساواة بين الرجل والمرأة وتحرم التمييز على أساس الجنس. من الضروري وضع هيئة أممية تراقب تطبيق تلك اللائحة في جميع أرجاء العالم ووضع عقوبات معينة في حال عدم الإلتزام بها، أما في حالة الاستمرار بعدم الإكتراث الحالي والاكتفاء بنشر التقارير فلا أعتقد أنّ أيّ تقدم سيحدث في هذا المجال.

* بما أنّ نظام صدّام قد رحل، والآن بعد الحرب وإحتلال العراق من قبل الولايات المتحدة وحلفائها، ماهو موقفك؟
ـ من المفيد معرفة تسلسل الأمور قبل أن يتخذ الإنسان موقفاً ما من الأحداث، فصدام حسين دشّن أوّل سنة له بإعلان حرب على إيران راح ضحيتها أكثر من مليون عراقي قتيل وعدد لا يحصى من المعوقين، ثم تلاها بغزو الكويت وما سمي بحرب الخليج الأولى التي دمرت فيها الولايات المتحدة وحلفائها البنية التحتية للإفتصاد العراقي والمرافق الخدمية تدميراً كلياً أعاد العراق الى القرون الوسطى، بعد ذلك أقامت الامم المتحدة حصاراً اقتصادياً دمّر البنية الاجتماعية للعراق بشكل مريع وراح ضحيته نصف مليون طفل قبل أن يختتم بالحرب الأخيرة التي أطاحت به وبنظامه. على الصعيد الداخلي مارس النظام الديكتاتوري أعمالاً وحشية تجاه شعبه دفعت بأربع ملايين عراقي للهجرة خارج العراق، فهو أوّل رئيس في العصر الحديث استعمل أسلحة الدمار الشامل ضد شعبه حيث قتل وتشوه ما يقرب من 150 الف مواطن كردي نتيجة السلاح الكيمياويّ الذي استخدمه ضد المتمردين الأكراد، وقام بتجفيف الأهوار في جنوب العراق، وهي منطقة بيئية مهمة، من أجل البحث عن المعارضين له. إنّ ما مارسه صدام ضد الشعب العراقي يجعل من كل دكتاتوريي أميركا اللاتينية تلاميذ صغاراً مقارنة به. لقد كنا نشعر بـquot;الحسدquot; فعلاً حينما كانا نسمع أنّ تظاهرة معادية لبينوشيت قد تم تفريقها بالعصيّ وخراطيم الماء في تشيلي، صدام حسين لا يفعل ذلك.. إنه يزيل المدينة التي خرجت منها التظاهرة من الوجود، هي وأهلها. إذن فقد أوصلنا هذا الرجل الى مرحلة quot;إنتظار البرابرةquot; التي يتحدث عنها كافافيس كنوع من الحلّ، ولولا ذلك لبقي يحكم هو وأحفاده الى قرون عديدة.

وبرأيي فأن نظام صدام لم ينته بعد، فمازالت quot;الدولة السريةquot; موجودة ولا تزال تحارب من أجل استعادة سلطتها المفقودة، فكما تعلم أن الدبابات الأمريكية دخلت بغداد بسهولة لأنّ جيش صدام وقوّاته لم تحارب، بل ذابت داخل المدنيين وهي الآن تستعيد تنظيم نفسها من خلال إعلان الحرب على المجتمع كله وعرقلة مسيرته نحو الديمقراطية، عبر الإغتيالات المنظمة وتدمير المرافق الحيوية، كمحطات تصفية الماء ومولدات الكهرباء أو التفجيرات العشوائية بين المدنيين للإيحاء بأن الوضع الحالي لن يكون أفضل من الوضع تحت سلطة الديكتاتور، لذلك اعتقد أننا مازلنا بحاجة لتواجد قوات التحالف لحين إستكمال تدريب الجيش العراقي الجديد ليمكننا أن نقول لهم quot;شكراً على ما فعلتموه، ومع السلامة!quot;.

* في مرحلة ما بعد صدّام، برزت قضية المقاومة والحكومة الجديدة المتحالفة مع القوات الأمريكية، أريد أن أعرف وجهة نظرك حول هذا الموضوع؟
ـ الحكومة الآن هي أول حكومة شرعية منتخبة منذ نصف قرن، لقد قام حوالي 8 ملايين مواطن باختيارها رغم التفجيرات والتهديد بالقتل، وأنا شخصياً مارست حقي في الانتخاب لأول مرة في حياتي وكانت سعادتي لا توصف. وما دامت هذه الحكومة منتخبة وشرعية فإذن لها الحق أن تقرر طلب التعاون مع أية جهة عسكرية في العالم لحماية شعبها، ويبنغي علينا إحترام هذه القرارات كجزء من الممارسة الديمقراطية، حتى وأن كنا ضدها.
هناك في الواقع مقاومتان على الأرض، quot;المقاومة الدمويةquot; وهي مقاومة قطع الرؤوس وتدمير المرافق الحيوية في المدن وقتل الشيعة الأبرياء، وهذا النوع من quot;المقاومةquot; تقوم به الجماعات الأصولية التي تريد إقامة دولة إسلامية على غرار طالبان في العراق، وهي إمتداد للأرهاب العالمي، وهناك تحالف غير مقدّس بينهم وبين بقايا نظام صدام أو المتضررين من سقوطة. المقاومة الثانية هي quot;المقاومة السلميةquot; التي تريد إعادة بناء العراق من خلال تقوية المنظمات المدنية ولجان حقوق الإنسان وتعمل على ترسيخ العملية الديمقراطية من أجل انتخاب حكومة قوية يمكن أن تكون بديلاً فعلياً لسلطة التحالف، التي أعتقد أنّ إخراجها من العراق سيكون أسهل بكثير من إخراج صدام حسين من السلطة. وهذا طبعاً يتوقف على قدرة العراقيين على العمل كفريق موحد، وعلى مساندة شعوب العالم للتطور السلميّ نحو الديمقراطية في العراق.

* حاوره: جيراردو بورتون Gerardo Burton
* نشر الحوار في الأصل مع قصائد مختارة للشاعر في الصحيفة الأرجنتينية ريو نيجرو Rio Negro:
http://www.rionegro.com.ar/suple_cultura/06-02-25/nota2.php

* موقع جمال جمعة:
http://www.jamaljuma.com