-1-
بمدينة قابس التونسية عقد مركز الرواية العربية ندوته السنوية (الرواية العربية والفنون) أيام 10-11 و12 مارس 2006، وفاء منه لتقليد ثقافي انطلق منذ 1992 حيث يتداول النقاد والمبدعون قضايا الرواية العربية من زوايا متعددة. وقد رصدت لكلمة محمد الباردي (مدير المركز) في البداية هذا التوجه الذي تدعمه جهود الباحثين والأدباء داخل تونس وخارجها. عرفت الجلسة الأولى ثلاث مداخلات، وترأسها شعيب حليفي، وافتتحها كمال الزغباني (آداب صفاقس) بموضوع الرواية ونظام الفنون الجملية، منطلقا من المرجعيات الجمالية لهيجل في تحديد الفنون وتعبيراتها عن الفكر، ليخلص الباحث إلى اعتبار الرواية فن الفنون، متنقلا بعد تمهيدات نظرية إلى تحليل نموذجين من الرواية العربية، ثرثرة فوق النيل لنجيب محفوظ، ورواية الاسم والحضيض لفضيلة الشابي، فكل نص يحمل خطابات تشكل رؤيته مستفيدا من باقي الفنون، عبر الذهاب ndash;في استثمارها- إلى ممكنات تلك الفنون.
عمر حفيظ ndash;باحث تونسي- تدخل في موضوع (الرواية والشعر) متمثلا طرائق الروائي في استعمال الشعر بأساليب جديدة انطلاقا من اعتبار الكتابة ndash; عموما- هي هدم بين الأنواع. وقد سعى عمر حفيظ إلى اختبار فرضياته على ثلاثة نصوص روائية، )المستلبس( لنور الدين العدوي والذي يؤسس بلغة شاعرية لعلاقة حميمية بين الخطابين الشعري والروائي عبر توظيفة للشعر قناعا يخدم شخصية )أحمد العروس( وباقي وجوهه.
وفي رواية )النخاس( لصلاح الدين بوجاه يرصد الباحث نزوع الروائي المستمر إلى الهدم للغة والحدود الأجناسية، متخذا من أشعار رامبو، بودلير والفنان الشيخ العفريت سبيلا لبناء معاني جديدة ومتحركة ومتفاعلة. وختم عمر حفيظ مداخلته بتحليلات ضافية لرواية ابراهيم درغوثي )الدراويش يعودون من المنفى(.
وواصل من منظور نظري، محمد بن عياد )آداب صفاقس( الحفر في موضوع الرواية والشعر باحثا في طبيعة كل جنس ليستنتج مجموعة من أشكال التفاعلات : التفاعل التوحيدي، التفاعل الازدواجي، التفاعل الإقصائي ثم التفاعل التنافري.
-2-
في الجلسة الثانية التي رأسها محمد عبازة تدخلت رفيقة بن مراد )آداب صفاقس( ببحث )الرواية العربية من أسلوبية الكتابة الأسلوبية الإخراج( مدققة في المصطلحات والمفاهيم قبل الوقوف عند ملامح تحويل الرواية باعتبارها نصا لغويا إلى نص فرجوي يعتمد الصورة. وفي تحليلها لهذه العملية كانت رفيقة تربط الإبداع بالفلسفة وأبعاد التحويلات، وحول )ظواهر مسرحية في الرواية( وقف أحمد الجوة )آداب صفاقس( عند مفهوم الحوارية ممهدا بالتحليل للبعد المسرحي في بعض نصوص حنا مينة حين يغلب عليها الحوار والمناجاة مما يمنح النص الحناوي نفسا مسرحيا.
المداخلة الأخيرة في هذه الجلسة نحت نحو الشهادة للقاص والإعلامي ظافر ناجي :(النص من الأدبية إلى الصورة) باحثا بتدقيق من خلال تجربته العلاقة بين السيناريو وهو شكل تقني لكتابة تخييلية والرواية باعتبارها نصا لغويا وبلاغيا، كما تحدث عن تجربة المونتاج التي تنتج نصا أو نصوصا تخييلية عدة.
-3-
وانطلقت الجلسة الثالثة من حيث انتهت الثانية بمداخلة الشريشي المعاشي (المغرب) بموضوع (الرواية العربية والسينما : بحث في علاقات التحويل والاقتباس) باسطا مجموعة من الأسئلة والمعيقات أثناء التحويل، عبر عدد من النماذج العربية من المغرب، تونس، مصر، وفلسطين... بالإضافة إلى نهجه مقاربة مقارناتية لهذا التحويل في الرواية/السينما العربية والعالمية.
كما تساءل محمد الجويلي عن الرواية والفن بين المساءلة الفلسفية والمقاربة الأنترويولوجية عن حدود العلاقة بين الرواية والتاريخ عارضا لمسار هذه العلاقة في نصوص عالمية ومن خلال تنظيرات هيجل ولوكاش وستراوس.
محي الدين حمدي سيعود إلى سؤال آخر حول الشعر في روايتي حبك درباني للبشير خريف ومدينة الشموس الدافئة لمحمد رجب الباردي كون الشعر نوعا مخصوصا من القول والرواية خطاب، كما أجاب الباحث عن ماهية حاجة الرواية إلى الشعر محللا النصين وتنوعهما الدلالي.
وحول اقتباس الرواية للمسرح بين محمد المسعدي كاتبا ومحمد ادريس مقتبسا ومخرجا، ركزت مداخلة محمد عبازة على الجوانب التقنية والأدبية التي تصاحب التحول من الرواية إلى المسرح مستشهدا برواية المسعدي )حدث أبو هريرة قال( والصياغة المسرحية لمحمد ادريس، وما رافق ذلك من مشاكل واختلافات.
-4-
الجلسة الرابعة والأخيرة والتي ترأسها محمد الباردي) مدير الندوة( عرفت أربع مداخلات افتتحها صلاح الدين بوجاه )روائي ورئيس اتحاد الكتاب التونسيين( ببحث من معمار الوكالة إلى معمار الرواية قراءة في رواية وكالة عطية للروائي المصري خيري شلبي، متطرقا إلى الاحتفاء الكبير بالمكان وكل مستلزماته في الرواية وهندستها والوظائف المرتبطة بها، كما تطرق إلى ملمح التشعب والتشتت في الرواية )المتاهة المنغلقة( وإيقاع الرواية الذي يمثل إيقاع مجتمع المهمشين.
شعيب حليفي )آداب الدار البيضاء/بنمسيك( قارب موضوع )الرواية والأفق المزدوج( من منظور فهم أسئلة الرواية وطبيعتها، وطبيعة السرد العربي القديم، في علاقتهما بكافة الأشكال والفنون، وأفق الرواية المنفتح على البحث عن شكل كلي للقول الإبداعي، من تم فهي تستثمر قدرتها هذه لتحويل الأشكال والفنون الأخرى وخضنها وبالتالي جعلها في خدمة دلالتها ورؤيتها الفنية.
وحول الكتابة الراسمة في الرواية العربية تحدث محمد الخبو عن ائتلاف المكاني )الرسم( بالزماني )الروائي( وعلاقات الفن التشكيل بالرواية قبل أن ينتقل إلى تحليلات على نص )جلسات الكرى لجمال الغيطاني( وبعض التمثيلات من نصوص أدوار الخراط.
آخر متدخل محمد نجيب العمامي استعاد سؤال علاقة/الرواية بالمسرح )المسرح في الرواية عند فرج الحوار( من خلال روايته )في مكتبي جثة( باحثا في هذه العلاقة من خلال بعض المكونات : الفصل، الحوار، المشهد، الإشارات الركحية. ثم محللا بعض خطابات الشخصيات الحوارية.
-5-
تخللت الجلسات الأربع، جلسات موازية للشهادات التي أدلى بها عدد من الروائيين التونسيين وهم : عبد الواحد ابراهم، محمد الجابلي، حافظ محفوظ، مسعوده بوبكر، ناصر التومي، عبد الجبار العش، الهادي ثابت، حسن بنعثمان، نور الدين العلوي، آمال مختار وفرج الحوار.
وقد تحدثوا جميعهم عن ملامح من تجاربهم الروائية وعلاقاتهم بالفنون مما يعكس رؤيتهم الجمالية. واختتمت هذه الندوة، في جو علمي ونقاش ممتد، وقد تم اقتراح مشروع الندوة المقبلة حول )أشكال تجلي العجائبي في الرواية المغاربية(.
التعليقات