دلوٌ آخر في البحث عن وهْم

ليس للدمّ حين يتفتّت جهة أو منبت، كما ليس للروح حين تتشظّى تحت وطأة الألم ظلّ واحد في هذا العراء الرملي، حتى لو كانت الروح في عزّ نيسانها، وهي ذاتها الألوان. هكذا ي الشاعرة سوزان عليوان في مجموعتها الأخيرة quot;كراكيب الكلامquot;، وهكذا هي في مطر المساء الذي يهمي كئيباً كأنّما إلى الأبد.
ومجموعة quot;كراكيب الكلامquot; هي المجموعة التاسعة للشاعرة، وهي عبارة عن قصيدة واحدة طويلة لا يقطع بينها إلاّ محاولات آليّة وعبثيّة لكفكفة الأسى المنهمِر من العينين المذهولتين، المجمّرتين، كأنّما هما وحدهما في جهة القلب، فيما كلّ الجهات الأخرى خطأ فظيع مُثقَل بالأقفال والقضبان الحديديّة يتقدّم بصلافة صوب الوردة الأخيرة.
وما من شكّ أنّ quot;كراكيب الكلامquot; هي الكراكيب الوحيدة الدافئة وسط كراكيب حيِّز فاسد كلّه، بدءاً من رأسِه أو بدءاً مِنْ ذيله فسيّان في جدليّة التكاذب المشترَك، وهذه التوأمة الهمجيّة الساذجة ابتغاء الخراب: quot;أين نافذتي أيّتها الجدرانquot; ص5، ذلك لأنّه لا شيء سوى الجدران، والجدران لا تسمع، وآخر الأسلحة لا أوّلها في هذه الشراسة هو الكلام أو ما تبقّى منه في جوف موقد يجاهد ضدّ الصقيع. أيضاً فإنّ: quot;اليد التي امتدّتْ بوردة \ عادتْ بخيبتها وحيدةquot; ص9، ذلك لأنّها امتدّتْ بوردة، فيما لا محلّ للوردة في اللاّمحل، في الموت المترامي الأطراف. وأيضاً فإنّ: quot;في الغابة السوداء \ بيتُك الذي ليس القمرُ بابهquot; ص25، ذلك أخيراً لأنّه لا قاع في القاع، لأنّ هذه الهزيمة في هذا الحيِّز ذاته الأصل فيه ألاّ يكون أبداً.
الكلّ مُلزَم بالبحث عن وهم في الوهم، ومجموعة quot;كراكيب الكلامquot; هي دلو سوزان عليوان أيضاً.
هنا أجنحة من المجموعة:

1 ـ
مطرٌ
على الباص الأحمر
المظلاّتِ المهرولة كما لو في مسيرةِ أزهار من البلاستيك
العابرين مع العمر
السّحبِ
فراشاتِ الدخان التي
لا تكاد تطير
حتّى تتلاشى ولا أملكُ سواها شيئاً
لا شيء
لا شيء سوى المطر. ص7.

2 ـ
اعلمْ
أنّ يدي
ليستْ مطرقة
لكنّني أحياناً أتخيّلها
تنهال كغضب بلا نهاية
مُهشِّمةً رأسَ الفراغ
حيثُ الدمعُ الحبيس
والصرخةُ في المرآة. ص12.

3 ـ
أحلمُ أحياناً بتحطيم الحوائط الحائمة كأشباح من حولي
بإلقاء النافذة جثّةً من النافذة
بالركض بلا معطفٍ أو مظلّة في طرقاتٍ عارية
بإذلالِه، هذا المطر، وحْلاً تحت حذائي
بالصراخ عالياً
عالياً
حيثُ تسخر من وجودي جمجمةُ القمر. ص15.

4 ـ
لم يعدْ يُجدي أسفٌ.

ما مضى
لنْ يُستعاد
والقليلُ الذي تبقّى
لا يستحقّ عناءَ الخطوات.

يا قلبي العاطل عن العالم
أيّها المعطوب بعشق مدينة كانت
عبثاً حلمنا وحاولنا وأحببناها.

الرسائل لم تصل
والمطرُ يمحو ملامحنا. ص43.