عن دار الأمان بالرباط، صدر للشاعر أحمد العمراوي ديوانه الجديد quot;باب الفتوحquot; يقع الديوان في 160 صفحة، وهو الخامس في بيلوغرافية الشاعر بعد:
bull;مجموع الأهواء ndash; ط1/1997، ط2/2001.
bull;ينابيع مائية /2003.
bull;الينابيع /2003.
bull;الشاعر وظله: في مفهوم الشاعر وكتابة القصيدة /2004.
وقد أثث الفنان التشكيلي عبدالإله بوعود برسوماته ثنايا القصائد، إن لم نقل شكلن رؤاه بموازاة قصائد الشاعر أحمد العمراوي، وقد سبق لهذا الفنان أن أعد حقيبة quot;الينابيعquot; الشعرية، في تعاون استمر يبني أفق هذه الرؤية المركبة التي تشكلها أفق القصائد.
ويفتح ديوان quot;باب الفتوحquot; أبوابا بالجمع وهذه الأبواب هي الحاملة والحالمة بفاتحها، الذي هو هنا الشاعر في كشوفاته وشطحاته التي تقدمها القصائد كمسالك مفتوحة للرؤى، لكنها مسالك ترى بما قدم الرائي شعرا وحكايا، بالشعر وبالحكي تستقيم مفاتيح الفتح، إذ في الفتح كشوفات الشعر، وحكايا الشاعر قصائد يخطها على أبواب سرها في تاريخ المعنى الذي تبنيه..وهنا التئام النشوة (الأولى والثانية /ص18) لمحاولة الإمساك بالريح التي هي هنا بداية الكشف(=القصيدة/ص18).
كشف يفتتحه الشاعر بيد تخدش نفس الريحquot; (ص7) وفي القصيدة حركة اليد، أو الاستعارة الكبرى للعالم، إذ هي الواهبة لسر مانرى، وفي تأكيد مباشر يجزم الشاعر:
لليد قوة لا يعادلها غير الطوفان (ص13).
فمعها يحضر الأطفال لهذا العالم (ص14)، وبها يخط الشاعر حركة quot;باريسquot; حركة المكان في ـتأجج تفاصيله والتي يخطها الشاعر كلوحة مائية إذ تبدو اللغة الشعرية تأثيثا لحركة القصيدة بالمعنى التي تتحملها الرؤى، إذ..
ما معنى المعنى في استحالة الفهم (ص21)
مادامت القصيدة تصيغ رؤاها في المطلق، فإنها لا تصيغ صياغات للحقيقة كما أنها لا تنقل مرآة عاكسة هي عاكسة لثنايا quot;خدش الريحquot; أو خدش اللغة فيما تراه اليد وتخطه كعالم، حرفا تأوله. في قصيدة أبواب باريس (ص35)، قصائد لأبوابها، فالمساء الباريسي quot;أول القصيدة quot;(ص44) والأبواب مطلقها إلا باب الفتوح فهو باب الأبواب (ص47) وتصيغه رؤى القصائد كصدى الشعر على البياض، ومن porte maillot الى portehellip; تنتصب الأبواب في quot;المكان والفكرquot; (ص57) بقداسها وكشفها وحلمها، فأبواب باريس شبيهة بأنفاق أوروبا وأقفال افريقيا إنها تاريخ التاريخ، لذا لا يستطيع الشاعر لم المشهد بكامله مادام للمكان دهشته الخاصة وسر أسراره وكالصوفي يحل في المكان ليشيد قداس الحلول كي تنكشف الرؤيا فأبقى للمعنى فكرة تحنط رؤاه، في زمن:
للحكي
للسر
للشعر
(ص76)

والداخل لباب ليس كالشاعر المقيم إذ هو الحامل لأسراره وكشفه ورؤاه، والشعر quot;هذا الحالم بالمجد والخلد وكل صفات الأزلquot;(ص86)صديق الشاعر وخله في quot;بوابات الله وفي أبواب الدنياquot;(ص86).
في فتحات سفلية (ص97) يوازي الشاعر إغفاءة جلال الدين الرومي بقصائد تلامس صوت المعنى، وتستكشف ضوء الأرض، ولكنها تتغذى من شكل الشعر بحس صوفي شفاف حيث اللغة قداس حلول الشيخ والمريد الشاعر مشدوها بلحظته بquot;امتلاء الشعرquot;(ص108) بانخطافه يهيم بالدهشة والمادة وبالصحراء، ولأنها قصائد/بوابة الخروج من أبواب باريس للدخول الى أبواب فاس، تعبر رؤيا الشاعر المكان الى السريرة، حيث خزائن القصيدة لذلك يتمهل المريد/الشاعر بشيخه الشعر الحامل لسر الأسرار كي يلج للمكان لا quot;كالمومياءquot; المحنطة، بل نقيا ن صافيا بشساعة العبارة، متوجلا بفتوحاته حيث يكون القداس على قدر الدخول.
في قصيدة quot;نواعير فاسquot; (ص117) يتساءل الشاعر:
bull;من أين يأتي الشعر؟
وكم للدهشة من دخول؟
(ص121)

ويجيب في quot;تحليق الشيخquot;:
bull;يأسرك الحرف
تحرقك الرؤيا
لايتعبك السفر الدائري
(ص125).

في قصائد quot;نواعير فاسquot; يخط الشاعر اللغة كما يرسم، وبحس تشكيلي تنكشف الأمكنة، لا من زائرها بل من خطها باللذة وبالضوء، ومن خطها كلمات وبما أن الشعر المغربي الحديث قليلا ما يحتفي بذاكرة الأمكنة، نجد في قصائد quot;نواعير فاسquot; نموذجيا حسيا لمدى استنكاه الشعر اتجاه خرق ثبات الأمكنة، بما تحمله القصائد من كينونة مضاعفة ومضافة لأسماء ثابتة في التاريخ، والشاعر أحمد العمراوي حين يلج بدهشة الشاعر الى نواعير فاس فإنه يلج بالقصيدة الى كينونة عصية على الكشف. قصيدة quot;أعراش اللذةquot; إحدى انزياحات الديوان، حيث عودة القصيدة لسكون حضرتها، كتابات شذرية تعيد كتابة سر المغلق:
إذا رأيت بابا مغلقا فاعلم أن وراءه أمرا، اعمد الى فتحه (ص140)

وعلى امتداد الديوان، يقوم الشاعر بفتح هذه الأبواب، إذ توضع في أعراشها ويلج الشاعر بفانوس اللغة لغته ممتطيا تلابيب وأركان هذا المدى، إذ للأبواب سرها وسحرها فهي الساترة للخفي وهي عتبة الولوج، ولأنها أبواب رمزية فقصائد أعراش اللذة تجرب فتح أبواب أكثر قداسة لا بالجهر، لكن بتأبط مراسيم الاستغوار، وما الشعر إلا استغوار استعاري داخل هذا المدى المطلسم بالغياب، وما الحضور إلا أرقى دخول لشاعر فتح عتبات هذا العالم السري الدفين. في قصيدة الخوف تتويج لمسارات هذا الحنو وهذا الحلول، وحين تختار القصيدة تخطيط صمتها بالخوف فلأن من..

لم يصمت
مات الشعر على عينيه المغلقتين
أمام الأبواب
أبواب الفتوح
(ص155)

فلأنه الرائي، لم يتخذ باب الفتوح أمام فاتحه وداخله إلا جمعا، فالأبواب صيغ الرؤية الجامعة للقصائد ككل، وما الخوف إلا رهبة من صدمات الكشف وفي ذلك حلول صوفي يحمل معناه فيه، وما الفتح إلا انكشاف الغواية غواية القصيدة حين تسلطن دهشتها بالخرق، أبعد هذا الكشف مثيل تؤكد الأبواب أنها حاملة لهويتها، خصوصا أبواب الفتوح الكبرى/المنتهى الذي ما بعده، وحين ينهي الشاعر تفاصيل فتوحاته بجلل الصمت أمام أبواب الفتوح التي ولجها شعريا على امتداد الديوان، فلأن المنتهى حافظ لأسراره فيه، ومن ثم تواضع العراف أمام كشفه، ويكفي أن نعيد تمثل هذا المقطع الشعري كي ندرك وشائج هذه التمفصلات التي تؤطر الديوان ككل:

لمن توضع الأبواب؟
للخاصة؟ أم للعامة؟
من يملك قرار الفتح؟
الشيخ أم مريده؟
وأيهما الأصل؟
الفاتح أم المفتوح؟
(ص48)

وفي قصيدة quot;الخوفquot; إعادة تأطير هذا الولوج إذ بين الباطن والظاهر، بين الجلي والمنتهي، تنكشف أبواب الشاعر الداخلية التي أطرها الصمت، فهل يا ترى ثمة أبواب حقا في المكان؟ أم أن الأبواب استعارة لأبواب الشعر، أبواب البوح ضدا على الصمت؟؟!!