فالح الحمـراني من موسكو: بدأت قناة تلفزيون ان تي في الروسية عرض رواية الشاعر الروسي الكبير بوريس باسترناك مسلسلا تلفزيونيا في 11 حلقة من إخراج الكسندر بروشكين ويؤدي دور زيفاغو الممثل الروسي المشهور اوليغ مينشيكوف و الممثلة صاعدة النجومية تشولبان خاماتوفا بدور لارا. وتحولت دكتور زيفاغو الى عمل سينمائي في لغرب عام 1965 من اخراج ديفيد ليون وبطولة عمر الشريف وجولي كريستي وظهر مسلسلا تلفزونيا في بريطاني عام 2003 ويسود الاعتقاد في روسيا لحد الان بان العروض السينمائية للفيلم للغرب تفتقر للصدق، وظلت بعيدة عن رسم الاجواء الروسية الحقة. وهذا هو اول عمل سينمائي للعمل الكبير في روسيا كتب السيناريو له الاديب والقاص يوري ارابوف.
ودكتور زيفاغو من الاعمال الادبية الكبيرة الشاعرية والمعقدة،التي تاتي اهميتها ليس من قيمتها الفنية وحسب بل من المصير الذي اجتازته. وكانت الرواية قد صدرت عام 1957 في ميلانو بيد ان الظرف التاريخي والصراع الايديولوجي والديماغوغية العقائدية وسلطة الحزب على الفنان تظافرت لتحول دون ظهورها للنور في روسيا السوفيتية.وشاءت الصدف ان ترحل الرواية مع الرفاق الطليان الى روما، فتحول العمل الادبي الصرف الى ورقة سياسية ونشر على انه سجل ناصع وشهادة حية لدموية ثورة اكتوبر البلشفية عام 1917. ودكتور زيفاغو كاي عمل ادبي ناضج وكبير يتحمل القراءات والتفسيرات المختلفة. ورغم ان السلطات السوفيتية تجاهلت نشر العمل دون ترخيص منها او لم تنتبه له في بداية الامر، ولمن ثارة ثائرة الزعيم السوفياتي الاسبق نيكتا فقط بعد الاعلان عن منح الرواية جائزة نوبل للادب ومدح الرئيس الامريكي لها. ويتذكر الشاعر الروسي يفغيني يفتيشينكو بعد زمن طويل ان نيكتا خروشوف اسر له بانه لم يقرأ رواية دكتور زيفاغو وانما اطلع على ملخص لها اعده مستشاروه له. ووضعت قيادة الاتحاد السوفياتي باسترناك أمام خيار المنفى الاختياري في حالة ذهابه لستوكهولم لاستلام الجائزة او البقاء في الوطن. ففضل البقاء في وطنه، لكنه فقد عضويته في اتحاد الكتاب السوفيات وخسر الكثير من الامتيازات التي يحصل عليها وقل نشره، وهاش في الوحدة الى ان وفاه الاجل عام 1960. كانت الاعوام بعد نشر الدكتور زيفاغو في الغرب من اصعب سنوات حيات بوريس باسترناك وعائلته. ان حياة الشاعر والفنان عموما الحر والاصيل في الانظمة الدكتاتورية جحيم لايطاق وخاصة اذا ما ضيق عليه. وعاش باسترناك متغذيا في اعوام الجحيم على ما في اعماقة من غنى روحي وذهني.ولم تنشر الرواية في روسيا الا في عام 1988.واعتبر ان تحويل الرواية لعمل سينمائي استكمالا لرد الاعتبار لبوريس باسترناك في وطنه.
وتتناول الرواية فترة طويلة من حياة الطبيب والشاعر العبقري يوري زيفاغو . وتتطور الاحداث المرتبطة بزيفاغو والعالم المحيط به على خلفية الهزات الاجتماعية والسياسية التاريخية في بداية القرن العشرين.حين بددت عواصف الحروب والثورات بامال واحلام جيله.ودفعت الاحداث بزيفاغو للتنقل في روسيا الملتهبة بحريق الحرب والثورة التي قصمت مصائر ملايين البشر ومصيره ايضا، وذهبت به الرياح مرة مع البيض واخرى في ظل الحمر. وتخترق كل هذه الاحداث الجسام علاقته الغامضة مع لارا التي وقعت عينيه عليها ذات مرة بالصدفة فتركت لديه انطباعا لم تمحه طاحونة العصر الصعب.انها رواية البحث الدائم عن الذات ومكانتها في خضم دورة الحياة. ومن الصعوبة اليوم القول فيما اذا كان باسترناك كان يرمي بعمله اعطاء تقييم لاحداث ثورة اكتوبر وتداعياتها واعادة قراءة التاريخ فنيا او انها رد على قراءة درب الالام لالكسي تولسستوي والدون الهادئ لميخائيل شولولوخوف لتاريخ الثورة البلشفية، ام انه اتخذ الثورةا فضاءا وخلفية لطرح اسئلة اخلاقية وفلسفية ودينية عميقة. ولكن على كل حال فان الدكتور زيفاجو عمل جمالي كبير احدث تغيير في التصور عن الرواية واصبح ظهور حدثا مهما في القرن العشرين.
وسيناريو الفيلم لايلتزم بتراتبية الاحداث كما في الرواية، ويركز على شخصيات محددة ويدفع باخرى الى الظل في مؤشر على انه يقدم قراءة خاصة للعمل الروائي الكبير ويحاول تقديم قراءة خاصة تتناغم مع الحاضر بكل عنفوانه، بهذا الاسلوب يمكن إحياء العمل الأدبي ومنحه فرصة لمواصلة الحياة كالأساطير اليونانية والملاحم الخالدة.
التعليقات