أُغافلُ الصمتَ في ومضِ القناديل
أودّعُ أرغناً متقاعداً
ترك في الجدارِ آهةً خرساء.
تعبثُ ساريتي بجدائلِ الريح
وتعانقُ موقدتي خطوةً حائرة..
ترسم الرحيل وتندم.

كم يسقطُ البال في مفاتن التائهين
كم يسرقُ الجفن دموعاً هاربة،
وكم أصحو ربّاناً غافلته المراكب.

هاتي قميصَ الأمسِ
والْتَحِفي لهفةً أخيرة،
تسمّري في نهدةٍ تحتضر
في وجنةٍ أورقت سراباً
يخونُ المسافات. عند كوخي
تفيءُ قصورُ الأندلس
وفي راحتيَّ أباريقُ إيل
وامامي كتابُ الفوازير
يرشفُ من بحرِ صور
ريقَ حوريّةٍ سكرى
يبلّلُ الحروفَ
خُبزاً لسمكٍ عابر.

عقاربي تغربلُ اللحظات
تغزل رِداءً للهزيع
وملامحي تسابق المدن
تسأل عن معصمٍ ضائع
في المحطة الاولى.

فطوري لهاثُ الشوارع
يسائلُ الترابَ عن حبّةِ خردل
عن بيدرٍ عالقٍ
في سقفِ أحلامه
عن صبيٍّ أتخَمَتْهُ موائدُ الجياع.

عذّبيني فأنسَى،
واتركيني.
قبلةُ الموجوع
رذاذُ الصائمين.
سلّميني لقيصر
فأشتري لأمسي
سيفَ الانتصار.

غداً سأوصدُ النوافذ
سأورثُ الافْقَ
زاداً لأوهامي،
غداً ستحبلُ أغنيتي
وعلى مدارِ الجنون
تعشقُ سنابلي
عصافيرَ الأرق.

ليسَ وسوى

ليسَ في بُرَكِ الصَمْتِ
سوى وجْهٍ ثرثار
يدفُنُ كلامَ الحُكماء.

ليسَ في جنونِ الريحِ
سوى هزارٍ
أضاعَ قشَّةً
منذُ ألفِ عام.

ليسَ في حقولِ الأغنياءِ
سوى دُرَرٍ
تشتهي خدَّ الحصى
وتَبْرٍ غاظَهُ
خصْبُ التراب.

ليسَ في حُلمِ العاشقِ
سوى خاتَمِ علاءِ الدين
وليسَ في يقظتهِ
سوى وردةٍ بريَّة.

ليسَ في تاريخِ العَرَبِ
سوى "نحنُ كنّا"
وليسَ في حاضِرهم
سوى خيولٍ أصيلة.

ليسَ في الأُفقِ
سوى شرقٍ
يُفتّشُ عن شَرْقهِ
.. وعلى الشاطئ
وعدٌ بتول.

ليسَ في يدي
سوى ريشةٍ
تُفتِّشُ عن خُبْزٍ
..لتَكتُب.

أنطوان القزي رئيس تحرير"التلغراف" الأسترالية
[email protected]