"مامن طير يغرد في غابة اسئلة" (رينيه شار)

من وحي صورة قمر، واليها.. طبعا

اجمعْ جدول حبيبتي واحجاره،
عندما يسقط شلال شعرها في صحن راحتيكَ،
ومنه، ايها الشعر، اصنع قصيدة ً،
طوال الحريرالمسبوك من طفولة مياهها،
يرمي الناس مراكب احلامهم الورقية،
التي لم يروها تبحر، في خضم الحروب،
لأن دخانا من السهركان يمنعهم حتى من الطيران،
بين الاشجار التي تبني الطيور اعشاشها من عيدان مشطها.

من بين قوسي اجفانها
قل لشمس الكتابة أن تشرق،
وأن تغرب
من حيث يرتفع الرخام الذي بـُنيَتْ منه عمارة نومها:
عندما الضباب يغسل قدميه،
بقيعان شموسها، وهي غافية في مهد اغنيتي.

من مقاطع هدوئها، ياشعر، اعطي المكان حيـّزاً لمكانه،
الذي ينام فيه الزمان،
ويتوقف فيه الوقت عن الدوران،
باحثا عن سرير يستريح عليه، قريبا من وقت هبوط السماء
في زوارق ساعاتها،
وهي تبحر نحو فصل تأكل من عشب ابطيها المراعي،
ثم تعود
وقد نقص من الموت عمرا طويلا،
خلاله تفيض الحياة، عائدة الى وكرها .

من جمالها، ياشعر،
دع الجمال يتعلم كيف يبدو صاعقا.

ان مرتْ فليقتبس من بصيص ظلها فكرة أن يكون فريدا،
مثلما تبتكر شجرة ما شكل اغصانها.
مثلما يتسلق التل نفسه لتناول الفطور، فوق، مع الرعاة،
في الفجر..

من طولها
اصنع قامة الشاعر ان اراد ان يكون باسلا،
كالرمح.

من حياكة ساقيها، علـّم الكتابة كيف تكون انيقة،
يحج اليها الابتكاركل لحظة،
وحينما تريد القصيدة لنفسها ان تكون محفوفة بزائرين
قادمين، من اجلها، من مدن بعيدة،
فلتكن مثل حبيبتي
عازمة على أن تسير عارية القدمين على اسفلت شهوتها،
رافعة راية الجمر:
متأهبة للقتال،
مثل قبلة تشتهي كل امرأة ان ترتديها درعا،
وهي في طريقها الى المعركة، مع الحب،
على اسرّة الفنادق الرخيصة.
في مناطق منسية داخل الازقة والضواحي.

ياشعر، ايها المقدس المطلق النادر الوحيد،
الذي الوذ به عندما الليل يفر من الليل،
مطلقا ساقيه وراء فراغ الكون،
باحثا
عن مكان يلوذ به من الليل نفسه.

ياشعر:
اجمع، من ليل شعرحبيبتي الطويل،
قليلا من اطراف ضفائرها،
ضعه في قارورة نجمة،
وارمي به الى الليل ذاته، ليعرف الليل:
كم من ليل شعرحبيبتي حاجته، ليصبح ليلا،
خاليا من اسراب الطائرات،
التي تنقل على متنها الحروب، وتنشرها غيمة بعد غيمة،
في سماء تعاني من جفاء النجوم،
فيما النيازك فيها تهطل بغزارة،
لاشعال الحريق في قلب كل ملاك،
يرضع من ثدي حبيبتي حليب الأمان،
بعد ان تم طرده من الجنة، من دون فطام.

ايها الشعر، ياملاكنا الازرق، من شدة السماء في سطورك:
احفظ ثديين لحبيبتي، سافرا لبعض الحليب،
لكنهاعادت بدونهما،
لأنها لم تجد الفجر في مكانه:
تركتهما لوحديهما هناك، يبحثان عن حلمة اي نبع،
وعادت بكل ما تحمل كفيها من عصارة دمع،
ناثرة، طوال الطريق، قـُبلا
تعرفها الغزلان من الرائحة، فتتبعها برّية بعد اخرى،
حتى نهاية النهاية،
حيث الصرخة، بعد الصرخة، تأتي راكضة لسماع اصدائها.

اجمع، ياشعر، صرخة الحبيبة، لتعم الكائنات مساءا،
اجمع بين الصخرة والصرخة،
ودع حبيبتي تتحول، مثل طير، ينقل بجناحيه المنامات،
ريشة بعد ريشة،
دعها تضع تحت وسادة كل نائم حلما،
يأنس اليه حتى المكان، فيحلم بامرأة:
يصنع الشعر، من احجار جداولها، بيتا،
يعيش فيه العصفور مع النسر.
لا تفرّق الصرخة فيه بين نفسها وبين الصخرة،
حين تقفان معا، وجها لوجه، امام مرآة روحيهما.

اوه،
ايها الشعر،
صغْ لحبيبتي، ان تواريتُ في الموت، حبيبا سواي،
يضمها الى الورد قبل الربيع.
يجرحها، بلباقة، كما اجرحها ياشعر.
يقصف جسدها كالبرق،
يخرّب سياج حديقة شهوتها،
يرفس أبوابها،
وليشعلها قبلة حنونة بعد قبلة مجنونة اخرى:
عراكا بين جمرتين،
ترغبان الدخول ببعضيهما، لبعث الخليقة من جديد:
رغبة
لاتنتهي طوال حرارة النار،
وهي تبحث، في المهب، عن شكلها الأول.
فالنار، ايها الشعر، هي اول قبلة،
كما ان الماء اخر الأماكن التي اطفر سياجها، كالوعل
عندما يجف الحنان في قلب العالم،
فأنام بين اصابع حبيبتي،
لأن الماء يعيش، منذ البدء، هناك،
ولايسيل، كالآنهار، الا عندما تصافح يد المطر يديها.

ياحبيبتي، ياحبيبتي
بعد كل عناق سوف لن اغسل شفاهي،
لئلا تنزلق قبلتكِ،
لكنني بعود ثقاب تتركينه قرب سجائري،
ساشعل ظلام الظلام في الكون،
سائرا بين نجمتين: قبلتكِ،
وعود الثقاب الذي تتركينه، عادة،
عندما يخلف القمر وعده، فلا يشرق
الا وانتِ عائدة بقوت من الحطب،
هو جسدكِ،
تشعلينه تحت شرشف جمالك الأبيض،
فيهطل القمر بكامله على السرير،
وتنزلق القبلة من مكانها، لتحل محلها قبلة اخرى .
تكبر، وتنمو شيئا فشيئا، حتى تصير زورقا نبحر فيه،
تحت ضباب لذة لاخرائط لها، رسمها قبلنا احد ما،
لنعرف اين اماكن وجودها،
فيما يصير عود الثـقاب عمودَ كهرباء،
نقرأ تحته، كما في الطفولة،
كم المسافة بين نهديك واصابعي،
ويتحول الكون كله الى حجرة،
نفرك عن وجهه كآبة مجهولة، جاءت مع الريح،
منذ اول هبوب لها،
تاركة ورقة هنا او هناك،
لم يحل طلاسمها احد سواك ايها الشعر،
لكنك لاتقول ذلك، الا لمن هو نفسه لايقول..

ايها الشعر
لامسافة بين نهديها واصابعي،
كما اعتقدتُ دائما،
الا انتَ.
الا أنت َ.. عندما يتوّقف نبضك عن المرور امام اشارات قلبها،
اويكفّ حضوركَ عن أن يكون ملعونا،
فلا ينشر ريشه في ممرات رأسها
المكتظ بهواجس التجوال في حنجرة الغصة،
التي ابتلعتْ حتى الغصة من شدة عصفها.

اختصرنا، ياشعر، بكثافة معناك:
اننا كلمة تجهل معناها من دونك:
كيف يمكن ان تكون هناك مسافة داخل المسافة نفسها؟
لقد غبتُ وغابتْ، فجأة..
فما السر ياشعر؟
ومن ابتكر الغياب؟

[email protected]
[email protected]