محمد الجو راني- تورنتو:في الوقت الذي يشهد العالم فيه توترا خطيرا مابين العالم العربي (والإسلامي) والعالم الغربي، نجد هنالك بعض الفعاليات الإبداعية والثقافية التي

عادل عباس و براين بيرسون

صدر من متنوري الطرفين لتخفيف هذا التوتر وصولا إلى الجمع الإيجابي الخلاق. و بهذا السياق يأتي العرض المسرحي (العربي) الذي قدمته جامعة بروك في مدينة سينت كاثرين بولاية أونتاريو الكندية من إخراج الأستاذة الجامعية(جين لوفت)، كواحد من أهم الأحداث الثقافية الغربية في الوقت الراهن وذلك لبيانه أحد وجوه الإبداع و الثقافة العربية، إذ رقص فريق العمل المسرحي رقصة الحياة والحب في الزمن الذي يرقص فيه آخرون للأسف رقصة الموت و الحقد . لقد قوبل مشروع تقديم هذا العمل المسرحي حينما تقدمت به المخرجة لقسم الدراما في الجامعة بالرفض، لكن إصرار ووعي خطوات المخرجة جين مكن العمل من رؤية النورndash; إضافة طبعا إلى بعض الظروف غير المحسوبة- وهذه ليست الخطوة الاستثنائية الوحيدة لهذه المخرجة التي تمارس عملها في جامعة بروك للسنة الثالثة، فلقد قدمت في العام الدراسي الماضي مسرحية من مسرح النو الياباني ساعدها في ذلك طاقم كامل من المتخصصين في مسرح النو الياباني. حظي هذا العرض المسرحي (العربي) الذي عرض على خشبة مسرح الجامعة للأيام(11،10،9) من شهر شباط 2006 بحضور متميز من المختصين و المهتمين والطلاب. ورغم صعوبة الجمع بين ثلاثة نصوص من ثلاثة أقطار عربية في إطار عرض واحد بلغة جديدة و لجمهور مختلف عن الجمهور الذي كتبت له هذه النصوص، إلا إن العرض استطاع أن يحافظ على تواصل المتلقي و البقاء طيلة العرض بساعاته الثلاث . كان للاستفادة من اسلوب الحكواتي في ربط الأجزاء الثلاثة، الدور الكبير في جمع الوحدات المتباينة منهجيا و طقسيا و إيقاعيا . ولقد قامت المخرجة من أجل تقديم الحكواتي بطقسه ومعناه بتوزيع دور الحكواتي على ممثلين اثنين يرتديان الزى العباسي ينطق أحدهما بالعربية الفصحى المكتنزة بينما ينطق الآخر باللغة الإنكليزية. كما كان لوضع العرض الكوميدي في الجزء الوسطي بين الجزأين الجادين بايقاعهما البطيء من أهم أسباب النجاح التنظيمي التي أوصلت العرض لشاطيء الأمان. (المخرجة جين لوفت، الممثل عادل عباس، مساعدة الإخراج دنيا سوان، الكاتب والممثل عباس الدليمي)

جين لوفت، عادل عباس، دنيا سوان، وعباس الدليمي
غم غنى المسرح العربي بالنصوص المسرحية المتميزة، فلقد اختارت المخرجة ثلاثة نصوص وهي (بنات النوخذة) تأليف الكاتبة المسرحية الإماراتية بسمة محمد يونس، (سك على بناتك) تأليف الكاتب المصري لينين الرملي، (دفء الرصاصة القاتلة) تأليف الشاعر والكاتب العراقي عباس الدليمي. لقد سعت المخرجة من خلال هذا العرض إلى تعريف المتلقي الكندي بالزخم الحضاري والإنساني للمجتمع العربي. وللوصول إلى ذلك فقد استعانت المخرجة بمترجمتين من أصل عربي وتباحث معهن بأدق التفاصيل متوخية الأمانة الفكرية والفنية. ولقد نجحت المخرجة إلى حد كبير في ذلك خصوصا بضوء إدراك التباين النوعي في البيئات والظروف بين الدول العربية. سعت المخرجة إلى التخلي عن المستويات على خشبة المسرح مستعيضة بالاستثمار ألأمثل لجغرافيا خشبة المسرح، كما يحسب للمخرجة أيضا نجاحها باختيار مصمم ديكور ناجح هو (ديفيد ففيان) الذي صمم ثلاث تصميمات متباينة للأجراء المسرحية الثلاثة كل بما ينسجم مع أجواءها الطقسية و الفكرية، إضافة لما قام به مصمم الإضاءة (كين كاريت). ورغم إن هذا العرض اشترك بتقديمه أكثر من عشرين ممثلا هم من الطلاب الكنديين، و مجموعة غير قليلة من التقنيين والفنيين مما يتطلب جهدا كبيرا بقيادتهم. إلا إن المخرجة نجحت بذلك و جعلتهم يمارسون أدوارهم بغاية الانسجام و التفاهم .وبغية توصيل أقصى الممكن من رؤية فنية وفكرية نتوخى من خلالها إيصال القاري إلى تصور قريب للعرض، كان هذا اللقاء مع مخرجة المسرحية والعناصر العربية الأصل في المسرحية التي كان لها الدور المهم في تقيم العرض والفنان العراقي المعروف عادل عباس بطل العرضبعد العرض توجهنا إلى مخرجة المسرحية الأستاذة جين لوفت التي حصلت على درجة الماجستير بتربية الدراما، درست مسرح النو وخيال الظل في اليابان لسبع سنوات، عملت أستاذة في جامعة الشيخ زايد في الأمارات لمدة خمس سنوات، وكانت أطروحتها للدكتوراه عن المسرح العربي، وسألناها:

* هل اعتمدت المخرجة جين على خبرتها في الدخول بهذه التجربة الخطرة، أم أنها وجدت في النصوص الثلاثة المختارة مؤهلات كافية للنجاح؟

المخرجة جين لوفت
كل مسرحية من الثلاثية كانت تتفرد بخواص معينة، وتتطلب امكانيات متباينة سواء من الممثل او مني كمخرجة للعمل. المسرحية الاولى، بنات النوخذة، كانت الاقرب الى قلبي لاني عشت اكثر من خمسة سنوات في الامارات المتحدة، تعرفت خلالها على ثقافة هذا الشعب والناس الذين فيه. هذا بالإضافة لالتقائي بباسمة محمد يونس، مؤلفة النص الاماراتي، وتحدثي معها حول النص. حين ذاك عرفت رؤيتها كمؤلفة، لكني الآن حاولت تفسير النص حسب رؤيتي الخاصة مع احترام رؤية باسمة كمؤلفة. لقد كان لوجود مساعدة المخرج دنيا سوان وهي مصرية، ومساعدتها دورا استثنائيا و خصوصا في المسرحية الثانية لأن المسرح المصري الكوميدي غير مالوف عندي. ولكن انا اعرف مالذي يجعل الناس يضحكون بغض النظرعن ثقافتهم او ارثهم الحضاري. أما عباس الدليمي مؤلف المسرحية الثالثة فقد كان متواجد معي دوما فهو المؤلف وغالبا ما كنت أساله واخذ بنصيحته. إذن فهذا العرض لم ينجح بدون استشارة هؤلاء العرب الرائعين.

* أرى كمتلقي متخصص بالمسرح إن هذه التجربة تمتلك الكثير من المقومات الاستثنائية خصوصا في المرحلة الراهنة، مما يجعل العرض مؤهلا للتجول و التقديم بين الكثير من مدن العالم الشرقي و الغربي، فهل هناك نية أو فكرة للقيام بهذا؟
- لكم يسعدني هذا الذي تقول، فمن الطبيعي أن يفرح المخرج حينما يقدم رؤيته الإخراجية و منجزه الفني لأكبر عدد من الجمهور. لكن للأسف فان ممثلي العرض هم طلاب جامعيون و هم ملتزمون بمواصلة منهجهم الدراسي في الوقت الراهن ... ربما سنحاول القيام بذلك فيما بعد .

*هل كانت تجربة العمل في دولة الأمارات العربية المصدر الوحيد للإطلاع على المسرح العربي أم توفرت لك فرص أخرى لذلك؟
- أثناء السنوات الخمس التي عشتها في دولة الإمارات العربية حاولت البحث و الإطلاع على المسرح العربي بشكل عام و الإماراتي بشكل خاص. و رغم إن ذلك لم يكن كافيا للأحاطة بكل تفاصيل و دقائق المسرح العربي، إلا إنها ساعدتني كثيرا و لولاها لما حاولت إخراج هذا العرض .

* هل لك أن تحدثيننا عن أهم الصعوبات و المعوقات التي واجهت هذا العرض؟

- في بادئ الأمر حينما اقترحت اخرج عمل عربي، كانت رئاسة القسم غير متأكدة من إمكانية نجاح المشروع، و بنفس الوقت لم تكن الثلاثية قد أنجزت بعد. عندما قلت بأني أريد إخراج عمل عربي يركز على التنوع والتعقيد على معارفنا ككنديين، قالوا إن هذا عمل صعب ويحتاج الى وقت كثير. ولكني بقيت مصرة و مستمرة بالمحاولة على ذلك حتى سمحوا لي و لفريق العرض بالغوص في هذا الحلم. كما كانت هناك صعوبات بالحصول على النصوص وترجمتها ثم اعدادها وتقديمها للادارة. وقد قمت بتدريس مادة المسرح العربي لطلاب الجامعة وتعريفهم بأعراف وارث العالم العربي. لم يكن كل شى سهلا ولكن بالتأكيد كان كل شيء يستحق المغامرة.

* لقد قوبلت الأجزاء المسرحية برد فعل جيد من المشاهدين و خصوصا الجزء الكوميدي، هل تعتقدين إن النصوص الكوميدية أسهل من سواها للانتقال من بيئة إلى أخرى؟
- الكوميديا هي دائما الأسهل و الأكثر إمتاعا بالنسبة للمتلقي، لكن إخراج الكوميديا ليس كذلك . ربما كان لوجود ممثلين جيدين الدور الكبير بهذا النجاح، لقد كان لوجود الفنان المحترف عادل عباس الذي قاد الجزء الثاني بنجاح دورا مهما في العرض . الناس دائما تحب الضحك، لكن الوصول لهذا يتطلب وجود ممثلين قادرين على الإضحاك .

* هنالك من يعتقد أن الإخراج كان يمكن أن يفعل الكثير لكسر الرتابة التي فرضتها طبيعة النص المختار للجزء الأول، بينما يرى آخرون أن هذا الإيقاع الإخراجي كان ملائما للدلالة على فكرة الموت التي تسيدها النص . ما رأي المخرجة بذلك؟
- الشجن و الحزن من مزايا المسرح الإماراتي، الكلمة هي العنصر الأساسي في التعبير.. لقد تساءلت مع نفسي عندما كنت أقوم بالإخراج عن ما الذي ينبغي أن أفعل؟ هل أقوم بتجسيد الحدث المسرحي كما هو في المسرح الإماراتي، أم أغيره حسب تقبل المتلقي الكندي؟ وجدت إن المزاوجة بين الاثنين هو الحل ألأفضل، فقمت بإضافة شخوص رمزية لم تكن موجودة في النص الأصلي. كما إن اللغة الشعرية و البلاغة التي كتب بها النص بلغته الأصلية إضافة صعوبة أخرى، الجمهور الكندي غير متعود على هكذا لغة. كانت تجربة لذيذة بحق، و لو قدر لي أن أعيد هذا العمل لأخرجته بطريقة مختلفة. أعتقد إننا نجحنا في إيصال التأثير البصري إلى مستوى التأثير السمعي بهذا العرض.

* بدى الجزء الثالث مفككا و كأنه حوارت ذاتية خالية من الفعل الدرامي، فهل نتج هذا عن بنية النص أم عن طريقة التقديم.
- أنا أردت أن يكون المسرح خالي ومقفر، لأيصال المتلقي الى الاحساس بالحياة الكئيبة والمحزنة التي يعيشها الشعب العراقي. الكنديين لايفهمون كم يعاني الانسان العراقي هناك حاليا. العديد ممن شاهدوا الجزء الثالث شعروا ان المسرحية كانت جيدة ولقد ذهلوا وبكوا لما حمله هذا الجزء من عمق في التعبير. لقد تفاعلوا مع الأحداث.

* هل تعتقدين أن وجود بعض المشاركين من أصول عربية استطاع أن يضيف شيئا حقيقيا للعرض؟
- بالتأكيد... عادل عباس ممثل رائع و متمكن من تأدية أي دور ينسب إليه، لقد كنت محظوظة لأني التقيت به و وافق على العمل معي بهذا العرض حيث أضاف نكهة خاصة من خلال أداءه الرائع. كذلك كان لوجود رفيقي الروحيين عباس الدليمي مؤدي دور الراوي العربي و مؤلف الجزء الثالث، و كذلك دنيا سوان مساعدة المخرج و مترجمة الجزء الثاني في العرض . هذان الرائعان كان لهما الدور الكبير بنجاح العرض، و للأمانة أقول بأني لم أكن قادرة على إنجاز العمل بدونهما. أتمنى أن أتعاون مع هذه المجموعة الرائعة من الناس المبدعين في أعمالي اللاحقة.



الممثل عادل عباس

عد ذلك توجهنا إلى الممثل المسرحي و التلفزيوني العراقي المعروف عادل عباس والذي قدم لكنداعام2001 ويوشك قريبا أن ينهي دراسته الجامعية بقسم الدراما هنا في كندا. وسألناه: بعد إنهائك الدراسة في معهد الفنون الجميلة- قسم المسرح في بغداد ودخولك مجال الاحتراف منذ أكثر من 15 عام، كيف تحدثنا عن عودتك إلى العمل كطالب و بلغة أخرى و لجمهور آخر؟
ج: لم يكن الأمر سهلا يا صديقي، واجهتني صعوبات عديدة منها إني أتعامل مع جيل هو ليس جيلي وأجواء ليست أجوائي فأردت أن الغي تسجيلي في الجامعة ولكن بعد فترة وجيزة سهل الامر وفتحت عدة آفاق لي وقررت ان انهي ما بدأت.ثم حاولت أن أطور لغتي الإنكليزية نطقا أولا، ثم بدأت باختيار نصوص عالمية وبدأت بالتدريب عليها لوحدي، وبمساعدة بعض الأصدقاء الكنديين. فمهما تملك من مهارة باللغة الجديدة فانك بلا شك سوف تواجه مشكلة اقناع الجمهور بانك تتكلم مثلهم.. حصيلة هذا الجهد كانت والحمد لله مفرحة للغاية، فأنت كنت جالسا في قاعة العرض و شاهدت ردود الفعل. أما بالنسبة للجمهور الكندي، ياالهي كم هو جمهور مؤدب، انه يذكرني بذلك الجمهور الذي كنت أراه في معهد الفنون الجميلة بتلك الأيام الرائعة والذي كان ينصت لك ويصفق ويعطيك فرصة للابداع والتجلي. لقد كنت أتمتع بكل كلمة وفعل، وهذا ما حصل معي في كندا.

*هل تعتقد انك ستتمكن من ولوج عالم الاحتراف كممثل في كندا و تحقق فيه مثل ما حققت في العراق؟
ج: في كندا كل شيء جائز. فليس الأمر كما سمعناه بأن هنالك جهات معينة هي التي تحدد ولوجك على أساس انتمائك العرقي وما إلى ذلك. انت جيد؟ هذا هو السؤال الذي بوجوده تفرض نفسك. أنا الآن والحمد لله بصدد العمل مع مخرج كندي آخر هوquot;ديفد فانسيquot; وبدأنا أول جلساتنا حول كيفية صياغة النص وأنا متأكد بأنها سوف تكون تجربة مهمة وخصوصا ان الموضوعة سيكون عن العراق. ومن المؤمل أن نشارك في مهرجان تورونتوا العالمي الذي سيكون في العام المقبل انشاء الله. وسيكون معي بهذه التجربة صديقي ورفيق دربي الشاعر عباس فاضل الديليمي.

* أين أنت في المسافة الفاصلة مابين مشاهد المأساة المتصاعدة في العراق، ومشاهد الكوميديا التي قدمتها في هذا العرض المسرحي في كندا؟
ج: لم يغب العراق لحظة واحدة عني. فأنا أراقب أسره وأحاكيه، وأشاهد سجانيه وهم يصولون ويجولون. لم يكن عملي المسرحي سوى هدية متواضعة أهديها له، وجسرا حتى اوصل كلمتي لعقر دار جلاديه انشاء الله.