عاد الدكتور محمّد سعيد العطار الى اليمن، عاد الى البلد الذي اراد دائما العودة اليه ليرقد فيه نهائياً مطمئناً الى أن اليمن في ايد أمينة. هذا ما طمح اليه العطّار في أستمرار وعمل من أجله من داخل اليمن ومن خارجها.
صارع هذا الرجل المثقف ذو الذوق المرهف الموت طويلاً قبل أن ينتصر عليه في بيروت التي أحتضنته بحنانها في أيامه الأخيرة. وها أن العطار الذي عرف دائما الطريق الى اليمن يعود اليها والى ترابها الذي بذل كل ما لديه من أجل المحافظة عليه واحداً موحّداً.
ولد محمّد سعيد العطار في جيبوتي. وسمح له ذلك بتلقي تعليمه بالفرنسية وبالأنتقال بعد ذلك الى جامعة السوربون في باريس التي تخرج منها حاملاً درجة الدكتوراه. وكان في أستطاعة محمّد سعيد العطار اليمني الأصيل الحصول على أفضل المناصب خارج اليمن، لكنه فضّل العودة الى بلده من اجل وضع نفسه في خدمته خصوصاً في مرحلة ما بعد الثورة حين كانت اليمن في حاجة الى جهود كل أبنائها من أجل وضع البلد على طريق التخلص من التخلف والخروج من العزلة التي وضعه فيها النظام الأمامي الذي لفّ اليمن بالظلم والظلام والظلامية.
لعب" الدكتور العطار" كما كان يحب أن يسميه أصدقاؤه دورا مهماً على صعيد تطوير اليمن في مرحلة ما بعد ثورة 26 سبتمبر 1962، خصوصاً على الصعيد الأقتصادي. وكان بين الأوائل الذين دعوا الى تحرير الأقتصاد اليمني وجعله أقتصادا له علاقة بما يدور في العالم، كذلك لعب دوراً مهمّاً على صعيد تحقيق نقلة نوعية للمؤسسات المالية والأقتصادية عندما كان رئيساً للبنك اليمني للأنشاء والتعمير في منتصف الستينات واوائل السبعينات. وفي كل ما فعله الرجل، كانت هناك دائماً توجهات حضارية الهدف منها ربط اليمن بالعالم وجعلها لاعبا مهماً على الصعيد الأقليمي. وهذا الدور تستحقه اليمن بالفعل نظرا الى موقعها الأستراتيجي أوّلاً والى الأمكانات التي يمتلكها شعبها المنتشر في مناطق كثيرة من العالم.
بعدما أدى جزءاً من مهمته في خدمة بلده، صار الدكتور العطار أحد كبار موظفي الأمم المتحدة وأقام في بيروت فترة طويلة عمل خلالها رئيسا لفرع المنظمة الدولية في جنوب – شرق آسيا. وأظهر العطّار طوال تلك الفترة التي أزداد خلالها تعلقه بلبنان، على الرغم من الحرب التي كانت دائرة على أرضه، أنه رجل علاقات عامة وسياسي من الدرجة الأولى. ولم يكن يمر يوم الا ويزور فيه العطار كبار الصحافيين اللبنانيين على رأسهم الراحل ميشال أبو جودة الذي كان يكن أحتراماً كبيراً لصديقه اليمني . وكان ميشال أبو جودة فخوراً جدّاً بذلك اليمني الذي يتّقن الفرنسية والذي يشغل أعلى منصب لدى الأمم المتحدة في الشرق الأوسط.
كانت اليمن لا تزال في حاجة الى محمّد سعيد العطار خصوصاً مع استتباب الأستقرار في البلد أثر أنتخاب علي عبدااله صالح رئيساً للجمهورية وبدء مرحلة بناء المؤسسات والتنمية الحقيقية والأنفتاح الفعلي على العالم. عندئذٍ، عاد الرجل مجدداً الى بلده ووضع نفسه في خدمته وفي خدمة رئيسه الشاب المليء بالحيوية والطموح. ومع تحقيق الوحدة التي كانت أحد الأنجازات التي حلم بها الدكتور العطّار، أستمر الرجل نائباً لرئيس الوزراء . وكان العطّار يحتل هذا المنصب عندما أندلعت حرب الأنفصال عام 1994. ولم يتردد لحظة في الوقوف الى جانب الشرعية . فقد كنت البوصلة التي في رأسه تدله في أستمرار الى الطريق الصحيح، الطريق الذي يقود الى خدمة اليمن والشعب اليمني والمحافظة على الوحدة التي ساهم في حمايتها عندما أصبح رئيساً للوزراء بالوكالة أثر تخلي السيد حيدر أبو بكرالعطاس عن منصبه وأنتقاله الى خارج البلد.
رحم الله محمّد سعيد العطّارالذي لم تخنه بوصلته أبداً. فقد عرف دائماً الطريق الذي يقوده الى خدمة بلده. والآن يعود الرجل الى الأرض التي أحبها رافضاً كل المغريات والمناصب من أجل أن يتحقق الحلم الذي عاش من أجله.
عزاء محمّد سعيد العطار أن الحلم تحقق وبات هناك من يحافظ عليه ويحميه. أنه حلم الوحدة الذي وفّر على اليمن واليمنيين الكثير من العذابات والتضحيات ومكّن البلد من أيجاد الموقع الذي يستحقه أقليمياً ودولياً.