اعتمدتُ في الحلقتين اللتين ( 1 / 2)نشرتهما عن رحلة أحمد بن فضلان على الطبعة العربية التي حققها المرحوم الدكتور سامي الدهان، وصدرت طبعتها الأولى عام 1959 عن مجمع اللغة العربية في دمشق، والطبعة الثانية عام 1977، والطبعة العربية الجديدة التي نشرت عام 1994 بعنوان (رسالة ابن فضلان: مبعوث الخليفة العباسي المقتدرإلى بلاد الصقالبة، عن رحلته إلى بلاد الترك والخزر والصقالبة والروس وإسكندينافيا في القرن العاشر الميلادي)، جمع وتحقيق الدكتور حيدر غيبة. وقد لفت إنتباهي إضافته لمناطق إسكيندينافيا ضمن تعداده للمناطق التي زارها ابن فضلان،وهذا ما استدعى إهتمامي بهذه الطبعة الجديدة، حيث قلت عنها في الحلقة الأولى من دراستي: (هذا وقد لاحظ الدكتور حيدر غيبة عند مقارنته طبعة كريكتون مع طبعة الدهان، التي عرفت بإسم نسخة مشهد، أن رسالة ابن فضلان في طبعة كريكتون خلت من الفقرات الخاصة بزيارة بلاد الصقالبة التي هي الهدف الأساسي من زيارة ومهمة ابن فضلان، وكذلك الجزء الخاص بزيارة بلاد الخزر، وكلاهما موجود ومتضمن في الطبعة العربية (مشهد ndash; الدهان)، وفي الوقت ذاته خلت الطبعة العربية من زيارة ابن فضلان لبلاد الشمال المعروفة باسم إسكندنافيا وما تضمنت من مغامرات مثيرة ومعلومات وفيرة، وهذا الجزء يشكل حوالي ثلاثة أرباع حجم الرسالة الأساسي). وعلى هذا الأساس كتبت الحلقة الثانية من مقالتي عن هذا الجزء الخاص بإسكندنافيا الذي إكتشفة الدكتور حيدر غيبة وأضافه للطبعة الجديدة التي أعدها ونشرها.

محمد الأسعد يصحح ويكشف الخطأ الجسيم
وفجأة وصلتني رسالة من الكاتب والرو ائي الفلسطيني محمد الأسعد المقيم في الكويت، كانت مفاجأة كبيرة، لأنها كشفت خطأ أكاديميا كبيرا وقع فيه الدكتور حيدر غيبة،ووقعت فيه أنا عندما إعتمدت على طبعته لرسالة ابن فضلان...وهذه هي رسالة محمد الأسعد:

(الأخ أحمد أبو مطر
تحياتي،
قرأت مقالك عن ابن فضلان، الجزء الأول، في موقع إيلاف. المعلومات التي أوردتها ظلت معقولة عن المخطوطة واكتشافها حتى وصولك إلى الكتاب الذي نشر تحت عنوان (رسالة ابن فضلان...مبعوث الخليفة العباسي المقتدر إلى بلاد الصقالبة...عن رحلته إلى بلاد الترك والخزر والصقالبة والروس وإسكندنافيا في القرن العاشر الميلادي (921 ndash; 924 م) جمع وترجمة وتقديم الدكتور حيدر محمد غيبة.
هذا الكتاب صدر في العام 1994، وكان صدوره بالنسبة لي طرفة، وكتبت عن طرافته حين قرأته. فالدكتور المذكور وقع ضحية سوء فهم مضحك. ما ظنّه جزءا مفقودا من سيرة ابن فضلان بعد أن و قع على كتاب كرايتون Michael Crichtonوليس كرايكتون، المسمى (آكلو الموتى) Eaters of the Dead
لم يكن سوى رواية خيالية من روايات هذا الكاتب الذي نشر روايات تحت باب الخيال، ولو كلف غيبة هذا نفسه قراءة ما كتبه الناشر للرواية، إذ أدرجها تحت تصنيف الرواية المتخيلة لما وقع في ما وقع فيه.وللعلم فإن كرايتون هذا هو صاحب رواية (الحديقة الجوراسية) Jurassic Park وصاحب (العالم المفقود) The Lost World
وروايات أخرى تلتقط شيئا من التاريخ، حدثا أو واقعا، أو تلتقط فرضية علمية، ثم تنسج منها رواية متخيلة. لا علاقة ياعزيزي لابن فضلان ولا لرسالته بما تخيله كرايتون، ولا زعم كرايتون أنه إكتشف الجزء المفقود من سيرة ابن فضلان (إلا كنوع من التشويق وعدة من عدد هذا النوع الروايات الشائعةفي الغرب الآن، التي تأخذ قطعة من التاريخ أو شظية ثم تنسج بنيتها. وأشهر رواية متداولة الآن التي تسمى (شيفرة دافنشي) وقبلها جاء امبرتو ايكو بما يشبه هذا في روايتيه (إسم الوردة) و (بندول فوكو)، ولديّ رواية أكثر إثارة لكاتب يوغوسلافي، البروفيسور وأستاذ التاريخ في جامعة بلغراد ميلوراد بافيتش عنوانها (معجم الخزر: رواية معجمية في 100000 كلمة) صدرت في العام 1988، وفيها من الإشارات إلى المخطوطات والشخصيات ومنها ابن فضلان الكثير، ولكن في إطار سرد خيالي لأساطير قبيلة الخزر التي زارها ابن فضلان. ولديك أخيرا روايتي (شجرة المسرات: سيرة ابن فضلان السرية)، هل يمكن اعتبارها جزءا مفقودا من سيرة ابن فضلان؟؟. لقد فوجئت حقيقة بوقوعك ايضا ضحية لهذا الدكتور الذي يبدو أنه وقع ضحية لزوجته، وضآلة ثقافته في الرواية المعاصرة وأفانينها، فلم يكلف نفسه حتى دراسة لغة ما أطلق عليها (أجزاء رسالة ابن فضلان) التي اخترعها كرايتون، فلو رجعت إلى هذه الأجزاء لما فاتك أن تدرك أن كاتبها معاصر ولغته لا صلة لها بلغة ابن فضلان. إضافة إنه لم يزعم أنه اكتشف مخطوطة حقيقية ولا كان هذا هدفه من رواياته الخيالية الممتعة التي تحول بعضها إلى أفلام هوليودية. سلامي وتحياتي....محمد الأسعد).

تعليقات
أولا: هذه الرسالة المهمة من الكاتب والروائي محمد الأسعد، تنسف الطبعة العربية التي أعدها ونشرها الدكتور حيدر غيبة، وبذلك تظلّ طبعة المرحوم الدكتور سامي الدهان هي الأكثر ثقة وتوثيقا.
ثانيا: كل ما ورد في الحلقة الثانية من مقالتي عن إسكندنافيا كما رآها وعاشها ابن فضلان، يصبح خطأ واضحا أعتذر عنه، والعنوان الأصح لتلك الحلقة (إسكندنافيا كما تخيلها كرايتون متقمصا شخصية ابن فضلان).
ثالثا: قول الكاتب والروائي محمد الأسعد في رسالته لي عن الدكتور حيدر غيبة (يبدو لي أنه وقع ضحية لزوجته)، هذا إعتماد على قول الدكتور غيبة في مقدمة طبعته أن زوجته هي التي نبهته وقدمت له رواية كرايتون وبالتالي إعتبرها الأجزاء المفقودة من رسالة ابن فضلان.
رابعا: رواية (شجرة المسرات: سيرة ابن فضلان السرية)، هي واحدة من الأعمال الروائية لمحمد الأسعد، صدرت عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر عام 2004 وله أيضا: (أطفال الندى 1990 و (نص اللاجىء) 1999 و (حدائق العاشق) 2001.

وتأكيد آخر من الشاعر العراقي جمال جمعه
وضمن نفس السياق وصلتني من الشاعروالكاتب العراقي جمال جمعة المقيم في الدانمرك، رسالة يقول فيها: (تابعت مقالك عن ابن فضلان، وحسب إطلاعي أعتقد أن نسخة سامي الدهان هي الأكمل، أما إضافة حيدر غيبة فهو ملخص لرواية كتبهاMichael Crichton يتخيل فيها استمرار رحلة ابن فضلان إلى إسكندنافيا نقلا عن مصدر مدون في مخطوطة لاتينية لا وجود لها أيضا. الرواية اسمها (آكلو الموتى)
Eaters of the Dead وقد تحولت إلى فيلم اسمه (المحارب الثالث عشر)
The 13th Warrior قام بدور ابن فضلان فيه الممثل الأسباني الجميل انطونيو بانديراس).

وتأكيد ثالث من الشاعر العراقي شاكر لعيبي
وأثناء بحثي وتتبعي لخطأ الدكتور حيدر غيبة، اكتشفت من صفحة الإنترنت الخاصة بالكاتب والشاعر العراقي شاكر لعيبي، أنه أصدر عام 2003 كتابا بعنوان (رحلة ابن فضلان 921 م..تحرير و تقديم مع دراسة طويلة عن ابن فضلان ودارسيه) وذلك عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر، ومن عرض للكتاب لغازي الذيبة في جريدة الوطن القطرية بتاريخ السابع والعشرين من ديسمبر لعام 2004، يفهم أن هناك طبعة ثانية للكتاب صدرت عن دار السويدي للنشر في دولة الإمارات العربية ضمن سلسلة (ارتياد الآفاق). وفي دراسته البحثية الطويلة يؤكد الشاعر شاكر لعيبي ماورد سابقا عن الخطأ والخلط الذي وقع فيه الدكتور حيدر غيبة، بتفاصيل دقيقة وموثقة. ومن المعلومات التي وردت في دراسته المهمة هذه أنه إعتمد على طبعة لكتاب الدكتور حيدر غيبة، صدرت في عام 1991 عن الشركة العالمية للكتاب في سورية، في حين أن الطبعة التي اعتمدت عليها صدرت عام 1994 وأشار الشاعر محمد الأسعد لنفس التاريخ، وحاولت العودة لهذه الطبعة للتأكد من اسم الناشر، إلا أنني لم أجدها فقد كنت قد إستعرتها من المكتبة العامة في جامعة أوسلو. ويكشف الشاعرشاكر لعيبي أن هناك شخصا آخر هو الدكتور عبد الله إبراهيم، إنطلى عليه نفس الخطأ والخلط الذي روجه الدكتور غيبة.

النتيجة القاطعة
هي أن الخطأ الكبير الذي وقع فيه الدكتور حيدر غيبة وانطلى عليّ وعلى آخرين أيضا، يحتم على الدكتور غيبة أن يعترف بهذا الخطأ الفادح الذي وقع فيه، ويتوقف عن إصدار أية طبعة جديدة من كتابه المشار إليه، كي لا يتم ترويج جديد له ويقع فيه آخرون.
[email protected]