بلغ الوضع السياسي العراقي مستوى تمتزج معه المأساوية بالكوميديا ولكنها كوميديا لا تضحك. وتلكم عجيبة أخرى من عجائب العراق!! لا يمكن وصف استمرار أزمة السيد الجعفري أربعة شهور بغير مسرحية تراجيدية غرائبية، من جهة إصرار أحد السياسيين ومن رشحوه على ترشيح لا يلقى اتفاق قوى وطنية أخرى. ليست القضية قضية شخص الدكتور الجعفري، المعروف بنزاهته الشخصية، ولكنها قضية تشبث بالمنصب بينما البلد يحترق؛ ولو كان المرشح قمة المواهب وعبقري العباقرة، لكان عليه وعلى الائتلاف أن يحترموا إرادة العراقيين الآخرين ويراعوا خطورة الأوضاع ومستلزمات التصدي لعلاجها، فيتنازل تضحية منه من أجل المصالح العليا للشعب. ولو كان الدكتور الفاضل قد فعل ذلك لارتفع قدرا لا سيما والطريق مفتوح أمامه في العمل السياسي والقيادي، علما بأن الظروف العراقية في حركة دائمة. والغرائبية الكوميدية التراجيدية أيضا في الانتقال للنجف لدى المرجعية الشيعية لإيجاد حل ما! إذن فلماذا الانتخابات والبرلمان أيها الساسة المحترمون؟!
كثيرون من الوطنيين المخلصين قد كتبوا ما أكتب، دون أن يكون لأحدهم موقف شخصي من مرشح الائتلاف؛ وكثيرون قبلنا كتبوا أن المثال الذي يقدمه الائتلاف في هذا الموضوع والتشبث الشخصي بالسلطة يعطيان صورة قاتمة جدا عن عراق اليوم ومستوى قياداته، التي لم تعرف ولا تعرف كيف تتصرف بالحرية التي قدمت لشعبنا في التاسع من نيسان.
لقد تشبث صدام بالسلطة لآخر لحظة برغم تهديدات المجتمع الدولي التي ظنها غير جدية، وثمة طغاة ورؤساء دول يظلون متشبثين بالسلطة وكأنها ملك شخصي وعائلي، كما الحال مع العقيد والأسد وحاكم مصر. فهل على القيادات العراقية الحاكمة الاقتداء بهؤلاء، أم بزعماء الدول الديمقراطية الغربية، الذين يخضعون للمراقبة الشعبية ويتنازلون عن طواعية عند الفشل الانتخابي أو الخطأ الفادح، الذي يخرق سلامة الدولة أو مبادئ الديمقراطية؟
لو كانت حكومة السيد الجعفري قد نجحت في تحمل مسؤولياتها، لقلنا إن الإصرار على رفض ترشيحه ثانية هو تجن وغير مسؤول. أما الحقيقة، فهي أن حكومته فشلت في ميدان الخدمات، كما في القضية الأمنية، بينما زادت الطائفية انتشارا، وانطلقت المليشيات لتعبث بالأمن والقانون باسم الرد على الإرهابيين المجرمين الذين يتعمدون إبادة الشيعة جماعات لإضرام نار حرب طائفية واسعة، هي قد بدأت في الواقع تدريجيا وتهدد بالاتساع لحرق البلد كله.
أين إذن احترام القانون والدستور وسيادة القانون؟ وهل فرق الموت والسجون السرية الجديدة رد صحيح على جرائم الإرهابيين وطريق فرض الأمن، أم إنها تزيد الأمور تدهورا، وتفاقم من ظاهرة الرعب العام، وتفقد المواطنين كل ثقة بالقيادات الحاكمة؟!
مرة أخرى، سيهب من يهب لتوجيه الاتهامات لكل انتقاد سياسي لقيادات أحزاب الائتلاف والمليشيات، ولكن الحقائق لا تطمسها الاتهامات والتقولات، وإن الحريص حقا على مصالح العراقيين، وعلى مصالح شيعة العراق بالذات، يكون من واجبه التنبيه والتحذير والنقد لأنه ما من إنسان أو قائد أو حزب يتمتع بالعصمة! ولكن يبدو مع الأسف أن مسلك بعض القيادات العراقية تطبيق لما قاله الإمام علي [ع]: quot; ما أكثر العبر وأقل الاعتبار!quot;