منذ ان أُخرج النظام السوري من لبنان بقوة الانتفاضة الاستقلالية اللبنانية، وهو يراكم الاخطاء عربيا ولبنانيا. فعجز الرئيس بشار الاسد عن تقبل فكرة تضييعه الملك الذي اورثه اياه ابوه الرئيس الراحل حافظ الاسد ضاعف من مرارته، وتاليا من اصراره على الانتقام من اللبنانيين افرادا ومجموعات. وقد تجلت كراهية الرئيس الشاب للشعب اللبناني، وللبنان بذاته الذي تصدى له ولنظامه يوم قرر التمديد لرجله الرئيس اميل لحود بالقوة والتهديد، ثم يوم اطلق حملة الاغتيالات والتفجيرات والتي كانت ذروتها إغتيال الرئيس رفيق الحريري في قلب مدينته بيروت. لم يستطع الرئيس بشار الاسد وربما محيطه المباشر التغلب على عقدة اخراجه من لبنان بعدما تمكنت منه فتحولت مع الوقت الى طبيعة ثانية لازمته ولما تزل.
لقد تحول الرئيس بشار الاسد ويا للاسف الى آلة انتقام شخصية عدمية ارادت ان تعوض على اخفاقاتها المديدة في لبنان، وفي علاقاتها العربية بتصدير الارهاب الى لبنان اسوة بالعراق، وبمحاولة تهديد امن الجيران مثل الاردن، وابتزاز مصر والسعودية عبر التهويل بخلايا القاعدة التي تشكل سوريا معبرا امنا لها. وما خطابه الاخير امام اتحاد الصحافيين السوريين سوى التجسيد بالصوت والصورة لعمق المرارة التي صنعتها عقدة تبديد الارث الذي اتاه على طبق من ذهب، تماما كما اتاه حكم سوريا الجمهورية الوراثي. خطاب كشف للرأي العام ضعفا كبيرا في الموقف السوري، وان يكن الاسد ربط نظامه بما سماه انتصار المقاومة في لبنان. فالكلام الكبير لفظا لم يكن لينم عن قوة حقيقية في الموقف السياسي الفعلي. فالعزلة الدولية التي يعانيها لا تزال قائمة. ولا يخفف منها سوى المشي الاعمى خلف المشروع الامبراطوري الايراني من جهة، والحماية المستمرة من اسرائيل للنظام باعتبار ان بقاءه بضعفه البنيوي منبوذا يبقى افضل لاسرائيل، من قيام نظام ديموقراطي يصبح لزاما على اسرائيل تقديم تنازلات له، وقطعا يبقى افضل من قيام نظام ذا طبيعة اسلاموية معادية حقيقة لاسرائيل.
واليوم وبعد ان توقفت الجولة الاولى للحرب في لبنان بين quot;حزب اللهquot; واسرائيل، يستعد النظام السوري لمحاولة الانقضاض من جديد على الوضع الداخلي اللبناني مستغلا زخم quot;صمود حزب اللهquot; في وجه الجيش الاسرائيلي على ارض المعركة في الجنوب اللبناني، معتبرا ان المرحلة المقبلة ستكون لاحداث انقلاب كبير في الحياة السياسية اللبنانية، مستعينا بquot;حزب اللهquot; المدرك تماما لصعوبة استمراره في القبض على ناصية القرار الحقيقي في البلاد من دون ان يجازف بحدوث انفجار سياسي او طائفي كبير في البلاد في وجهه بدأت ملامحه في الظهور علنا، ولن يخفف هذا الاحتمال اصطفاف الجنرال ميشال عون بجانبه في ما يشكل تناقضا جوهريا مع مناخات بيئته المسيحية. من هنا قد يظن النظام السوري ان الوقت قد حان لتحقيق quot;انجازينquot;، الاول تطيير الحكومة اللبنانية الحالية وضرب القوى الاستقلالية في البلاد واعادة انتاج بعض من نفوذه الضائع في لبنان، وثانيا، زعزعة الجهود من اجل انشاء المحكمة ذات الطابع الدولي في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري التي لا يشك احد في العالم انها حال انشائها سيمثل امامها اعضاء كبار في النظام وربما من الدائرة العائلية المباشرة للرئيس الاسد نفسه بتهمة اغتيال الحريري.
لقد بدا النظام السوري في المرحلة الاخيرة بمظهر المختبئ وراء مقاتلي quot;حزب اللهquot; في لبنان، وبالتالي وراء التمدد الايراني الى قلب العالم العربي، كما بدا بمظهر الحليف الموضوعي لاسرائيل نفسها التي لم تتورع عن تدمير لبنان المدني الذي سبق للاسد ان توعد بتدميره على رؤوس اهله. واسرائيل لم تتورع اكثر من مرة عن تأمين حماية سياسية في دوائر اللوبي الصهيوني في واشنطن لمنع ادارة الرئيس الاميركي جورج بوش من الذهاب بعيدا في خلخلة النظام عبر تأمين دعم حقيقي للمعارضة السورية في الخارجى او في الداخل، او عبر التحرش بالنظام انطلاقا من العراق.
اذا كانت المعركة الحقيقية في لبنان قد بدأت وفق قراءة بشار الاسد. فالحق ان النظام السوري باق في عزلة خانقة، و معركته الحقيقية ستكون مع الداخل الممسوك بالترهيب و القمع.كما ان الشهر المقبل سيحفل بتطورات كبيرة قد تعيد مسألة بقاء النظام الى دائرة الضؤ مجددا. فهل يوغل النظام في انتهاج العدمية و الطيش السياسي بدلا من استخلاص العبر من اخطائه المهولة المنتجة للاحقاد من كل حدب وصوب؟

[email protected]