quot;الثقافة والحوارquot; كلمتان نرددهما في كثير من الأوقات وفي أكثر من مكان ومع ذلك .. و الى الأن فإن الأذن لا تستحسن سماع الأولى في المجتمع الشبابي ولا تلقى بالاً للثانية لصالح هذا المجتمع .. لتكون النتيجة إغلاق الأبواب والعقول أمامهما! وذلك نتيجة سياسة ومنهجية عقولنا ككبار والتي أدت بدورها الى تلك العزلة المجتمعية التي يعيشها شبابنا، وبكل أسى وصحوة ضمير فإننا جميعا : انا وأنت وهم مسؤولون عن هو وهي اليوم وهم بهذه الشخصية الهشة التي تفتقرإلى السمات الأساسية للإنسان السوي في الحالة النفسية والشخصية، وكرجل بمقومات الرجولة الكاملة وكأنثى بمقومات الأنوثه الكاملة أيضا!
اليوم الذي نعيشه كان نتاج فكر الأمس، وغدا سيكون أشبه بيومنا هذا اذا لم نستعد في بداية الأمر الإعتراف ولو لمرة واحدة بأخطائنا ضد فلذات أكبادنا والإجابة بكل صدق: ماذا علمناهم ؟ أو بالأحرى ماذا نعلم عن التربية ؟ وماهي الخلفية البيئية التي عشنا بها ؟ وماهي حقوق الأبناء ؟ وكيف نقوم بواجباتنا تجاههم ؟ اجتماعيا وتعليميا واقتصاديا وسياسيا ؟ وبالطبع فإن محصلة كل هذا يصب في قاعدة ثقافتنا كشعب من مرتكزاته الأساسية فكر ولغة الشباب الذي يساهم في البناء والتغيير والمرأة التي تصنع هذه الأجيال.
دعونا نبحث عن أسباب الخلل في هذه البيئات والتي أدت الى وجود أزمة الثقافة والحوار في مجتمعنا الشبابي ابتداءا من الأسرة ، ونعني هنا quot;الوالدينquot; تربينا على أن لا رأي للصغير وعندما يهم بالحديث عن نفسه ترجع له لكمات وهجمات بالسكوت لأننا لا نملك الوقت للإستماع اليهم لأسباب وهمية وربما نكون نحن من اختلقناها أيضا أو نعته بالأهبل المجنون الذي ليس بالضرورة الاستماع اليه لأننا وللأسف نريد دمية تتحرك وتشبع رغبات الأمومة والأبوة دون أن يسبب لنا ذلك الحرج والضيق لعدم امتلاكنا للوقت وطول النفس للحوار والاقناع، والكارثة العظمى تبدأ عندما نلاحظ عليهم التغيرات النفسية والجسمية عندها نبدأ بنعتهم مرة اخرى بعدم فهمهم والمامهم بامور الحياة وان الحديث معهم يمل أو عندما يتحدثون عن احلامهم وامآلهم الوردية فإننا نهمل الإستماع اليهم أو نشغل أنفسنا بمكالمة أو نقطع حديثهم بجلدهم بكلمات العصيان والتمرد وعدم احترام الوالدين وطاعتهم ويا للعجب !!! كيف لنا أن نطلب العطاء والاهتمام والإحترام والبر ونحن افتقرنا في تعليمهم إلى معنى العطاء ولم نكن لهم خير معين ؟ كيف نطلب منهم الإستماع الينا وكنا نرفض الإستماع اليهم؟ أين كنا عندما طلبوا منا مشاركتهم في أحلامهم وأرائهم ؟ والأن ليس من بكاء أو عويل يزيح ما زرعناه خلال هذه السنين، نسينا أن ما نزرعه نحصده سواء طال الأمد أو قصر وتناسينا قول سيد المرسلين محمد (ص) quot; كلكم راع وكل مسؤول عن رعيتهquot; وأن الجزاء من جنس العمل، حيث أصبحت لغتنا مع أبنائنا لغة مادية، ولغة طغيان وسيطرة من الأباء وتمرد من جانب الأبناء !!
وعندما يبدأون مشوراهم في عالم الدراسة بكل مراحلها تكبر الدمية الصغيرة وتصبح ألة تتلقى التعليمات والمعلومات والتوجيهات دون مناقشة وأي ابداء للرأي أو الإختلاف في وجهات النظر فهي مرفوضة والغريب أننا نريد من ابنائنا أن يكونوا متحدثين ولبقين ومحاورين وكل هذا وهم لا يفقهون شيئا عن ماهية الحوار وكيفيته وادواته لأننا لم نعلمهم ذلك ولم نسمح لهم بأن يمارسوه !
اما اقتصاديا .. فنحن نتعجب من وجود الكم الهائل من البطالة ! وكيف ذلك ؟ يكبر ابنائنا وينتهون من دراستهم الجامعية وهم يعتمدون كليا على والديهم في معيشتهم ، وتعتبر من العيوب الفادحة اذا فكر الأبن في العمل في المهن البسيطة أثناء الدراسة مثلا، لماذا لم نربي أبنائنا ونزرع في داخلهم معنى العمل وقيمته وكيف يعتمد الإنسان على نفسه ويساهم في اقتصاديات وطنه فمعنى فقدان الحوار هنا اننا حجبنا عنهم كل صواب وتركناهم يتخبطون في الأخطاء التي عرقلت من تطورنا، فحب الوطن ليس بهذه الطريقة
فسياسيا الفكر الضال والإرهاب من أين أتى ؟ ابنائنا اذا وجدوا من يتحاور معهم بفكر منفتح ودلالة موضوعية بعيدة وتفسير عميق لمعنى الجهاد والإستشهاد ومعنى الدين الإسلامي بطريقة صحيحة فإنه كان من الممكن أن يكون كثير من الأبناء في كنف والديهم بدل أكفانهم !
والسؤال الذي يطرح نفسه هنا : كيف نحد من مشكلة فقدان الحوار مع أبنائنا وكسر حاجز الصمت وبناء جسر التواصل معهم ؟؟ إن محاورة الشباب لاتخضع الى معايير بقدر ما تخضع الى متغيرات في أنفسنا نحن المسؤولون، ابتداء من الوالدين وانتهاءا بالبيئات الأخرى، فأبنائنا أمانة لدينا فهم جوهرة نفيسة خالية من كل صورة وقابلة ايضا لكل نقش فلنرسم فيهم كل ثري وطيب ولا ننسى أن أول ركيزة لبناء شخصية المراهق هي أن نتعامل معه في هذه المرحلة بنوع من الذكاء وذلك باحترامه وعدم مقارنته بالأخر ونبني الثقة في نفسه بالتحاور معه والاستماع اليه وعدم لومه قبل التفسير للأمور الغامضة لديه والتعامل معه بحكمة ومنطق الإقناع وكما يقول المثلquot;إن كبر إبنك خاويهquot;
وثانيا يأتي دور المؤسسات التعليمية في تغيير من بعض أو إضافة مناهج تهتم بسلوكيات وفكر الإنسان للنهوض به فكريا وإقامة الندوات التي ترتكز على الحوار للوصول ايضا الى تحقيق اهداف فكرية اخرى ومن ثم دور الإعلام في تثقيف المجتمع بكيفية الحوار واهميته وتعليمه ، لنكون بذلك الشعب المحاور الذي تميز بهويته الإسلامية وبثوابت ثقافته المجتمعية مع ايقاظ وعيه لصنع التطوروالتغيير في نفسه وفي الأخر.
أما مشكلتنا مع الثقافة فإنها لا تكمن فقط في عدم مبالاتنا أو عدم وعينا بأهمية الإطلاع، بل يمتد ذلك الى فقداننا الى ثقافة التعامل مع الإنسان بإنسانية دون التحيز الى جنس أو منصب أو مال ، وثقافة التعامل مع الطفل ومنها الى التعامل مع المراهق والمراة ، وفي النهاية : فإن الثقافة بمفهومها الشامل ليست فقط في القراءة وانما التعرف على ثقافة الشعوب من خلال التبادل والتفاعل والتأثير والتأثر، وحلها بالوعي الفكري لكل شخص بالمسؤولية تجاه نفسه والأخر الأمر الذي سيكون له الأثرالكبير في دفع الشخص الى التفكير والمشاركة في الحياة بكل معانيها وجوانبها .

سميره مدني
إعلامية وكاتبة اجتماعية
للتواصل مع الكاتبة

[email protected]