ماذا يحدث في السودان؟ لإجابة هذا السٶال وبصورة شافية ووافية وبعيدا عن التفلسف والتحذلق السياسي وأبعد ما يکون أيضا عن الکذب والتملق والمسايرة أيضا، فقد وجدت الاجابة عند الراحل الکبير مظفر النواب: "إقتتلوا بسيوف السنة والشيعة والعلويين وحتى المنقرضين ثيران تنطح بعضا"!.

وحقا إن ما يجري مواجهة بين الثيران وليس بين بني البشر، فالثور إذا ما هاج لا يعرف شيئا من لغة وکلام البشر، ولا شئ يمکن يردعه إلا القوة، القوة في الردع وکبح جماحه والسيطرة عليه أو حتى في قتله، وهذا ما يجري في السودان بکل وضوح. والذي يثير السخرية والى أبعد حد بحيث تتلاشى وتصل الى حد الاشمئزاز والقرف، إن ما يجري في السودان حاليا من حرب مدمرة تأکل الاخضر اليابس تحصل بعد تلك الانتفاضة الشعبية التي أسقطت الدکتاتور عمر البشير، والذي يدفع للمزيد والمزيد من القرف إنه کان هناك دکتاتور واحد والان دکتاتوران يتناطحان بإسم الشعب!!!

في شرقنا المسلم، ولا أقول الشرق العربي فقط، جرت وتجري لعبة تبديل دکتاتور بآخر، والذي يدفع للضحك وبأعلى الاصوات، إن ذلك يأتي بعد ما يسمونه ويصفونه ظلما وبهتانا بـ"ثورة" والثورة منها براء، وأذکرکم بالثورة الايرانية التي أطاحت بالدکتاتور محمد رضا بهلوي، ثم کانت الحصيلة تبديله بدکتاتور آخر أشد قسوة وبطشا يحمل صفة الولي الفقيه وليس الشاه، وفي سوريا أيضا، ثار الشعب السوري ضد الدکتاتور وصنع في ثورته أکثر من دکتاتور في قوالب وتنظيمات حزبية وفئوية وفي النتيجة تم تفسير الماء بالماء وعاد الجميع "حتى جامعتنا العربية يرحمها الله تعالى" لحظيرة الدکتاتور الاسد ويا دار ما دخلك شر!

وأترك لکم التعليق على ما يجري في تونس وفي ليبيا وفي العراق، مع الاخذ بنظر الاعتبار إنني أجد نفسي غير مقتنعا بنظرية المٶامرة أو إن هناك فوضى مصطنعة من قبل الامبريالية والصهيونية کما قد يحب الکثيرون ذلك، بل إنني أجد الخلل کل الخلل في الشعوب ذاتها، شعوب تثور لتبدل جلادا بآخر وتدفع هي في النتيجة ضريبة کل الهدم والدمار والقتل، تماما کما هو الحال في السودان، إذ لا البرهان ولا حميدتي يخسران شيئا أو يدفعان ثمة ثمن، بل إن مهمتهما هي دفع المزيد والمزيد من الارواح لماکنة الموت.

الحل الوحيد الواقعي والقانوني وبکل المعايير، هي محاکمة رأسي الفتة الدموية في السودان، وفي وسع طرفين فقط أن يقوما بهذه المهمة؛ الطرف الاول المجتمع الدولي (المنقسم على نفسه حاليا)، والطرف الآخر الشعب السوداني (الذي سلم إرادته للعسکر والميليشيات)، ولذلك فإن کل ما سعي وقف الدمار الجاري مجرد جدل بيزنطي لاأکثر.

يروى عن إجتياح هولاکو لبغداد بعد سقوطها أيام المستعصم العباسي، إن أحد أفراد جنده دخل في زقاق مغلق ووجد أمامه أکثر من عشرة رجال يقفون أمامه، وتخوف من مهاجمتهم لأن الغلبة ستکون لهم، لکنه إنتبه الى حالة الخوف والرعب المتجسدة في سحناتهم، ولذلك نظر مليا فوجد هناك صخرة کبيرة أشبه ما تکون بمکان للصلاة وبجانبها صخرة أصغر بإمکان الانسان حملها، وأمر أحدهم بأن يستلقي ويضع رأسه على الصخرة الکبيرة ثم أمر رجلا آخرا بأن يرفع الصخرة الصغيرة ويضربها على ر‌أسه، وإستمر يعيد هذه الحالة حتى قتلهم جميعا دون أن يتحرك أي واحدا منهم!