في اليوم العالمي للسكان، يدعو صندوق الأمم المتحدة للسكان إلى اتخاذ إجراءات عاجلة لتعزيز المساواة بين الجنسين.
يزخر العالم العربي بالمواهب والإمكانات، وبإمكاننا تحقيق مستقبل من الاحتمالات اللامحدودة في حال اتخذنا القرارات الصائبة والتحرك الحاسم الذي يؤدي لتمكين النساء والفتيات من التمتع بحقوقهن غير منقوصة.
إن تحقيق الصحة والحقوق الجنسية والإنجابية هو أساس المساواة بين الجنسين وضمان الكرامة وعدالة الفرص. ومع ذلك، فإن أكثر من 40 في المائة من النساء في جميع أنحاء العالم لا يمكنهن ممارسة حقهن في اتخاذ قرارات أساسية مثل إنجاب الأطفال من عدمه.
ولمعالجة القضايا الكبيرة التي نواجهها - من الصراعات إلى تغيّر المناخ والتحديات السكانية - يجب علينا إطلاق العنان لطاقة ومهارات نصف السكان (النساء والفتيات) من خلال ضمان صحتهن وحقوقهن الجنسية والإنجابية، والأخذ بعين الاعتبار رغباتهن في حياتهن وعائلاتهن ووظائفهن.
ولكن تحقيق ذلك يحتاج للكثير من العمل فهناك طريق طويل لنقطعه.
في المناطق الأشد تضرراً، أبلغت ما يقرب من ثلثي النساء والفتيات في المنطقة العربية عن تعرّضهن لشكلٍ من أشكال العنف في حياتهن.
وتؤدي النزاعات إلى تفاقم المشكلة، حيث تتعرض النساء والفتيات لأكبر قدر من الضرر بينما يتم غالبًا تجاوز قصصهن وتجاهلها ودفنها في عناوين الأخبار.
إن التقارير التي تتحدث عن العنف الجنسي المروّع ضد النساء والفتيات في السودان وأماكن أخرى هي انتهاكات مقيتة للقانون الدولي وحقوق الإنسان وأساسيات الآداب الإنسانية. ففي السودان، يجلب الصراع مخاطر جديدة مع انهيار خدمات الحماية وشح أو انعدام الأدوية الضرورية.
ولا تزال ممارسة تشويه الأعضاء التناسلية الأنثوية (ختان الإناث) المزرية والخطيرة والمهينة منتشرة في المنطقة. ففي الصومال، أبلغ ما يقرب من 99 في المائة من الفتيات بين 5 و 11 سنة عن تعرضهن للختان. وفي السودان - حيث ترتفع المعدلات - وتتأثر حوالي ثلاثة أرباع الفتيات بهذه الممارسة الضارة.
إن إجبار الفتيات على الزواج يحرمهن من طفولتهن ومستقبلهن، ولكن على الرغم من التقدم المحرز في وقف هذه الظاهرة، فإن أكثر من 20 في المائة من الفتيات في المنطقة العربية يتزوجن قبل سن 18.
تعاني المنطقة العربية من أدنى نسبة مشاركة في الاقتصاد مقارنة ببقية مناطق العالم، حيث لا تتعدى 26 في المائة، في حين أن المتوسط العالمي يزيد عن النصف. ووفقًا للبنك الدولي، فإن سد الفجوات بين الجنسين في التوظيف يمكن أن يؤدي إلى ارتفاع نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي بمعدل 20%.
إن انعدام المساواة بين الجنسين هو المسبب لكل هذا، فانتشار الظلم يبقي النساء والفتيات خارج المدارس والقوى العاملة والأدوار القيادية. وهو يحد من استقلاليتهن وقدرتهن على اتخاذ القرارات، ويزيد من مخاطر تعرّضهن للعنف والزواج القسري والممارسات الضارة الأخرى.
ولكن ورغم صعوبة الواقع فهناك أمل تبشر به العديد النقاط المضيئة في المنطقة، فقد خفضت تونس نسب العنف ضد النساء والفتيات إلى النصف في السنوات العشر الماضية، ولديها أدنى معدل للزواج المبكر في المنطقة عند 2 % فقط.
ودولة الإمارات العربية المتحدة هي واحدة من ست دول فقط عبر العالم نصف البرلمانيين الوطنيين فيها من النساء.
وفي معظم الدول العربية تتم تسع من كل عشر ولادات تحت إشراف مهنيين صحيين، مما ينقذ أرواحًا لا تُعد ولا تحصى.
إن تعزيز المساواة بين الجنسين - من خلال الصحة والحقوق الجنسية والإنجابية وضمان الحق في الحصول على التعليم الجيد للجميع وسياسات العمل المناسبة والمعايير العادلة في مكان العمل والمنزل - ستؤدي إلى أسر أكثر صحة واقتصادات أقوى ومجتمعات قادرة على الصمود.
يجب أن تعمل الحكومات مع النساء والفتيات على القوانين والسياسات والبرامج التي تحمي حقوق الإنسان والكرامة والمساواة. ويجب عليها سد الثغرات القانونية حول العنف ضد المرأة وتعزيز الخدمات المقدمة للناجيات.
يجب على جميع الدول العربية أن تسن قوانين تضع الحد الأدنى لسن الزواج عند 18 عامًا وتحسين البيانات المتعلقة بالمساواة بين الجنسين، بما في ذلك العنف ضد النساء والفتيات.
ويجب علينا العمل مع المجتمعات المحلية لإزالة الأعراف والحواجز التي تعيق تحقيق النساء والفتيات كامل امكاناتهن.
قبل ثلاثين عامًا، في المؤتمر الدولي للسكان والتنمية (ICPD) في القاهرة، توحد العالم خلف رؤية مشتركة للمستقبل، رؤية تعترف بحقوق النساء والفتيات باعتبارها أساسية للتنمية العالمية.
إن رسالة المساواة بين الجنسين هذه قوية اليوم كما كانت في ذلك الوقت، وفي اليوم العالمي للسكان - وفي كل يوم - يجب أن يكون عزمنا كذلك. يجب أن نضاعف جهودنا لبناء عالم يتمتع فيه الجميع – الثمانية مليارات شخص القاطنين على هذا الكوكب- بمستقبل مفعم بالوعود الحقيقية والإمكانيات.
*ليلى بكر
المديرة الإقليمية لصندوق الأمم المتحدة للسكان-الدول العربية
التعليقات