خلف خلف من رام الله: لا تعرف المواطنة الفلسطينية منى يوسف أين تذهب بطفلتها التي لم تتجاوز خمسة أعوام وترعبها أصوات الغارات التي تنفذها الطائرات الإسرائيلية، التي لا تكاد تغادر سماء قطاع غزة، وتنفذ طلعات أغلبها وهمية لتفض السكون والهدوء، وتدب الرعب في صفوف الكبار والصغار.

وحال المواطنة يوسف ينطبق على الكثير من العائلات الفلسطينية في غزة، التي بدأ أطفالها يشعرون بالتوتر والعصبية، في ظل ما عايشوه من هجمات إسرائيلية شرسة تعرض لها القطاع خلال الأسابيع الماضية.

وتزعم إسرائيل أن طائراتها تقوم بنشاطات اعتيادية لمنع إطلاق الصواريخ تجاه البلدات الإسرائيلية. ولكن المواطنون الفلسطينيون يرون غير ذلك، مؤكدين أن هذه الغارات ما هي إلا ممارسة استفزازية من أجل جر الساحة لدوامة المواجهة العسكرية مجدداً، وكسر التهدئة الضمنية السارية بين منذ بضعة أيام.

والمخاوف من انعكاس الحصار والطلعات الجوية الإسرائيلية في سماء قطاع غزة على الأطفال، حذر منها أيضا الدكتور إياد السراج، رئيس الحملة الدولية لفك الحصار عن غزة، مؤكداً في دراسة حديثة له أن الحصار الإسرائيلي قد يتسبب بكارثة نفسية صامتة لأبناء قطاع غزة جراء الضغوط النفسية الهائلة المترتبة على استمراره.

وأشار الدكتور السراج إلى أن من بين الآثار النفسية غير الملموسة على الشعب الفلسطيني هوشعور المواطنين بفقدان الأمان وخوفهم الدائم من الأيام القادمة، وما تحمله من كوارث وآلام.

وقال الدكتور السراج في دراسته: quot;ونلمس ذلك من خلال السلوك العصبي والتصرفات الانفعالية وحالات الاكتئاب المتزايدة ناهيك عن تأثير الحصار السلبي على الأطفال خصيصاً, حيث أن الكبت والعنف المتراكم داخل الطفل أثر على قواه العقلية وإبداعه, وجعله يلجأ إلى طرق وأفعال متطرفة يعكس من خلالها ما في داخله من ألم وإحباط، حيث في الانتفاضة الأولى كان الأطفال يرمون الحجارة على الجيش الإسرائيلي، ولكن في الانتفاضة الثانية كبر هؤلاء الأطفال ليصبحوا استشهاديينquot;.

وأوضح السراج أن الأوضاع السائدة في قطاع غزة تخلق واقعا صعبا ومتشدداً، مشيرا إلى أن البيئة هي التي تخلق الإنسان, متابعا القول: quot;فماذا يمكننا أن نتوقع من طفل نشأ في بيئة مضطربة وغير مستقرة نفسياً؟, وكيف لنا أن نتوقع منه أن يتصرف بإنسانية وأن يكون إنسانا طبيعيا؟quot;.

ويرى السراج أن الطفل الفلسطيني فقد أهم ركنين في حياته, حيث فقد شعوره بالأمان بسبب الغارات والقصف والدمار, كما فقد الشعور بالبهجة والسرور فأصبح يرى والده رمز القوة والرجولة والصلابة عاجزاً، وغير قادر على توفير الأمان والغذاء له، إذ بلغت نسبة البطالة في قطاع غزة 80%.

وتابع: quot;بعض الأطفال فقدوا احترامهم لوالدهم، حيث أشارت دراسة على 3000 طفل في غزة لسنة 1991, 45% منهم شاهدوا آباءهم يضربون ويهانون أمام أعينهم مما خلق داخلهم حالة من الاغتراب, فأصبحوا يلجئون لمن هم أقوى من آباءهم فاتجهوا للتنظيمات السياسية لنيل هويات جديدة يحتمون بهاquot;.

وأفاد السراج أن أهم مظاهر الحصار على الصحة النفسية عند الأطفال هي تعرضهم لحالة ما بعد الصدمة والتي من أهم أعراضها: الاكتئاب, التوتر النفسي, عدم القدرة على النوم, عدم القدرة على التركيز, العنف, فقدان الشهية, التبول اللاإرادي, واستمرار تذكر الأحداث المؤلمة, فقبل عامين كان ما نسبته 33% من أطفال غزة يعانون من هذه الحالة النفسية.

وأضاف: quot;من الأعراض النفسية الأخرى عند الأطفال هي التلعثم في الكلام وتراجع تحصيلهم العلمي, وشدة تعلقهم بأمهاتهم جراء شعورهم بالخوف, وبعض الأطفال يعانون من حالة مزمنة من سوء التغذية التي تؤثر على ذكاءهم حيث أن 15% من أطفال غزة يعانون من خلل في القدرات العقلية سببه سوء التغذية، إضافةً إلى أن ما يقارب 36% من الأطفال أصبحوا يتمنون الموت قبل وصولهم لسن 18 سنة , و17% من الإناث قالوا الشيء ذاته، وهذا كان في دراسة على عدد كبير من الأطفال قبل عامين أما الآن فيمكننا التنبؤ بأن النسبة أصبحت مضاعفةquot;.