السندريللا عانت إكتئابًا شديدًا صاحب سمنتها
إرتباط وثيق بين السمنة والإكتئاب


د. عماد صبحي: ربما كانت حادثة مصرع سندريللا السينما المصرية سعاد حسني مناسبة ليسمع الكثيرون لأول مرة عن إرتباط السمنة بالإكتئاب. ولقد اختلف الناس فيما بينهم على سبب الوفاة من قائل بانتحارها الى متبني لنظرية قتلها على أيدي مجهولين، لكن لم يختلف أحد على أن الفنانة الراحلة كانت تعاني من اكتئاب شديد صاحب سمنتها التي غيرت من شكلها المعروف الذي هفت له قلوب الملايين. والحقيقة أن الاكتئاب والسمنة وجهان لعملة واحدة، وهذه المقولة ليست مجرد جملة لا سند لها، بل إن الدراسات العلمية أثبتتها. فانخفاض معدل مادة السيروتونين بالدم يؤدي إلى الإصابة بالاكتئاب، كما يقود أيضًا الى الشراهة في تناول الطعام وهو ما يؤدي بالقطع إلى الإصابة بالسمنة.

والانسان المكتئب الذي يشعر بعدم الثقة بالنفس أو اليأس يحاول أن يجد الأمان في تناول المزيد والمزيد من كميات الطعام، في رغبة حقيقية للحفاظ على الذات والابقاء على الحياة، ولكن بصورة مبالغ فيها. فمن المعروف أن تناول الطعام هو أول الطرق التي تستخدمها غريزة حب الحياة في الاستمرار في الحياة... لكن الاكتئاب يبالغ في استثمار هذه الطريقة فيأكل المكتئب ويأكل ويأكل حتى يصاب بالسمنة. وقد تخبئ السمنة خلفها أحداثًا مؤلمة أو صراعات ذات صبغة عاطفية عالية معلقة لا تجد حلولاً، كما قد يكون النهم في تناول الطعام هو وسيلة التنفيس عن أحاسيس الغضب والوحدة والضعف وتوهم الرفض من الآخرين.

بعد الاصابة بالسمنة يتفاقم الاكتئاب... فالسمين المكتئب في بحثه عن ملابس مناسبة لا يجد ما يليق فيتدهور مستوى أناقته ويهمل منظره ويشعر بالدونية مهما حاول أن يقاوم.. فيزيد الاحساس بالاكتئاب.. ثم يدخل الشخص السمين في مرحلة مضاعفات السمنة وتأثيرها على صحته، في صورة الاصابة بأمراض مختلفة مثل القلب وارتفاع الضغط وسكر الدم وآلام المفاصل والعضلات، فيتفاقم الاكتئاب نتيجة الاحساس بوطأة المرض.. وقد تفقده السمنة بعضًا من علاقاته الحميمة، مثل العلاقات الزوجية التي تتأثر بالقطع بالسمنة سواء بسبب الاحساس بنقص الثقة بالنفس والدونية، أو بإضطراب الهورمونات الذي ينعكس بالتالي على كل نواحي الحياة من عاطفة وجسد ونفس، وقد يصل التأثير على الاصابة بالعقم والضعف الجنسي الصريح http://www.emadsobhi.com/viewtopic.php?t=1185 .

لكن أخطر نقطة في تزاوج الاكتئاب والسمنة هو في أن الاكتئاب قد يحول بين الشخص السمين وطلب العلاج من سمنته وأيضا اكتئابه.. فالاكتئاب الذي يجعل الانسان يفقد الرغبة في الحياة (وفي حالاته الشديدة قد يدفع الى الانتحار) يجعله يشعر بحالة من عدم الرغبة في فعل أي شيء، حتى لو كان هذا الشيء هو الذهاب الى الطبيب المعالج. فيتقوقع الشخص السمين في سمنته، متمترسًا خلف طبقة الدهن الكثيفة التي تحيط بجسمه، قاطعًا كل صلة له بالعالم، في حالة موت بطيء مع انعدام الرغبة في الحياة، بدون صديق ولا أنيس الا الطعام والمزيد منه، مع كل المشاعر السلبية العنيفة التي تعقب تناوله.

وحتى عندما يقرر السمين أن يحل مشكلته بإتباع أنظمة غذائية لخفض الوزن لكن دون اشراف طبي فإنه يقع أحيانًا في أخطاء جسيمة مثل امتناعه بالكامل عن تناول النشويات لفترة طويلة مما يحرمه من مصدر هام لمادة التربتوفان التي يستخدمها الجسم لتخليق السيروتونين وهو الموصل العصبي الذي يؤدي نقصه الى مزيد من الاكتئاب ومزيد من الاحساس بالجوع. وقد يعمد الكثيرون ممن يريدون خفض أوزانهم بسرعة تحت ضغط الاكتئاب الى اتباع أنظمة غذائية قليلة السعرات الحرارية الى حد مبالغ فيه، واذا كان الفرد العادي يتطلب ما بين 2000 ndash; 3000 سعر حراري تختلف من شخص لآخر حسب الجنس والطول ونوع النشاط، فإن بعض المتحمسين لفقدان الوزن دون اشراف طبي يلجأون الى أنظمة غذائية منخفضة السعرات الحرارية جدًا قد تصل الى حوالى 600 سعر حراري في اليوم. فتكون النتيجة الأولى لهذا التصرف الخاطئ ان ينخفض معدل التمثيل الغذائي للجسم ومعدل استهلاك الطاقة به الى 70 ndash;85 % من مستوياته الطبيعية، مما يقلل بالطبع من معدل انخفاض وزن الجسم، فتفشل خطة العلاج الذاتي مع مزيد من الاحباط والتردي النفسي.

ومن المعروف أن الشخص المصاب بالاكتئاب قد يقلل من حركته البدنية بإنزوائه بعيدًا عن المجتمع والحياة والناس، مما يقلل بالقطع من معدل استهلاك الطاقة بالجسم فتتفاقم مشكلة السمنة. وقد يندفع الشخص في محاولات خفض وزنه مرة وراء مرة .. مرتدًا الى الوراء تحت تأثير الفشل في تحقيق نتائج ملموسة في خفض الوزن. وتسجل الدراسات العلمية أن الأشخاص الذين يسجلون تاريخًا من خوض تجارب خفض الوزن بصورة متكررة هم أكثر الناس عرضة للفشل في تحقيق هدف خفض الوزن في المستقبل.

العلاج قد يكون عند الطبيب النفسي أو عند طبيب السمنة، أو عندهما معًا... لكن الأهم أن يتحرك المريض بحثًا عن العلاج. ولعل هذا التحرك هو أول خطوة في العلاج والشفاء والعودة الى الحياة. فيشعر المريض بالرغبة في أن يحترم جسده وأن يحميه من خلال الغذاء المتوازن الذي يخفض من السمنة، وممارسة الرياضة التي تعيده للنشاط البدني والاجتماعي، وهنا يبدأ الاحساس بالصحة والحيوية، ومع التحسن في الوزن يبدأ في شراء ملابس جديدة تجعله أكثر جاذبية وجمالاً. هنا تبدأ إرادة المريض في التطور والنمو أكثر فأكثر وينعكس هذا بايجابية على الحياة عمومًا.

والنصيحة التي نوجهها لكل من يعاني من السمنة والاكتئاب هي أن يقاوم اكتئابه ولو مرة واحدة يذهب فيها لطلب العلاج .. وبعدها ستتحسن كثير من العوامل والأسباب التي تسببت في اصابته بالسمنة والاكتئاب .. أو بالاكتئاب والسمنة .. أيهما أولاً .. وستبدأ رحلة الأمل والسعادة والصحة واستعادة الرغبة في الحياة.. الحياة المشرقة الجميلة.

[email protected]