بات مألوفا أن تخلو ثقافة الأكل العراقية من نظرة الاعتدال في الأكل، فالكثير من العراقيين، يتناولون كميات كبيرة من الغذاء في ظل غياب الرياضة اليومية .


تشير الإحصاءات الصحية في العراق الى ازدياد حالات الإصابة بأمراض السكري وضغط الدم بشكل لافت حيث يقدر عدد المصابين بمرض السكري في العراق نحو مليونين و500 ألف. ويرجع أخصائيو التغذية والأطباء ذلك إلى العادات الغذائية السيئة بالدرجة الأولى.

ويقول خبير التغذية العراقي والصيدلاني أمين حسين إن الإسراف في تناول الطعام لاسيما في المناسبات يزيد كثيرا من احتمال الإصابة بأمراض عديدة منها مرض السكري الناجم عن عدم قدرة الجسم على إنتاج مادة الأنسولين التي تحافظ على توازن السكر في الدم.

الأكل الدسم

واعتاد الكثير من المواطنين على الأكل الدسم لاسيما في المطاعم وأوقات العمل. ففي الحي الصناعي في بابل (100 كم جنوب بغداد) ، يتناول مصلّح السيارات سعد رؤوف ( 40 سنة ) في الصباح ، أكلة ( التشريب ) الدسمة التي تتكون من الخبر وكميات كبيرة من اللحم .
ورغم ان سعد مصاب بالسكري ، الا انه مستمر على هذه العادة التي تعتبر ( سيئة ) من وجهة نظر صحية .

ويقول رؤوف إن اغلب عمال الورش الصناعية يتناولون الأكلات الدسمة طوال اليوم ، ويشمل ذلك تناول الرز والمقليات والكباب، وكلها أكلات ( ثقيلة ) كما يصنفها العراقيون .

ويُرجع أبو ليث ( مصلح سيارات ، 50 سنة ) تناول كذا أطعمة إلى الجهد الكبير المبذول في الأعمال ما يتطلب أكلا دسما مليئا بالدهون ليزود الجسم بالطاقة ، لكن الطبيب علي صاحي يفند هذا القول حين يؤكد ان الغذاء الذي يزود الجسم بالطاقة هو الغذاء المتوازن المزود بالعناصر الغذائية التي يحتاجها الجسم .

مطاعم الوجبات السريعة

وفي ظل انفتاح اقتصادي واجتماعي على العالم، وما صاحبه من وتيرة حياة يومية متصاعدة، جعل من مطاعم الوجبات السريعة تنتشر في أغلب مدن العراق. وتقدم هذه المطاعم في الغالب الوجبات السريعة المليئة بالدهون والأملاح.

ويقول خبير التغذية ليث القيسي، ان ما يزيد من احتمال الإصابة بالأمراض الناتجة من سوء التغذية انتشار ظاهرة تناول المشروبات الغازية بشكل مفرط ، حيث لا تخلو وجبة غذائية في العراق من هذه المشروبات التي تحتوي على كميات كبيرة من السكر. وإضافة الى الأكلات العراقية التقليدية المتميزة بكثرة الدهون والأملاح ، فان وجبات سريعة تجد طريقها إلى بيوت العراقيين مثل ( الهمبرغر ) والحلويات والبطاطس المقلية .

السمنة والسكري

ويشير الطبيب عصام درويش الى ظاهرة ( الكروش ) في المجتمع ، فلا تندهش ان ترى شبابا في مقتبل العمر يعانون البطن المتضخمة ، والسمنة بسبب كثرة الأكل وانعدام الرياضة . ويتردد على عيادة درويش شباب تتراوح أعمارهم بين 18 و 28 عاما يعانون السمنة والسكري. ويعتقد بعض العراقيين في هذا الجانب ان عملهم اليومي كفيل بصرف الطاقة التي يحصل عليها الجسم ، وبالتالي فليس ثمة حاجة الى الرياضة .

ويعتقد سعيد كريم ( 25 سنة ) ان عمله اليومي في متجر من الصباح الى المساء ، يكفل له حركة كافية ، ما يشجعه على استهلاك ثلاث وجبات طعام يتناولها يوميا .

ويضيف : أتناول في الصباح أكلات دسمة مثل الكباب و الباقلاء بالدهن وهي أكلة شعبية مشهورة ، وفي الغداء التمن والمرق ، بينما تحتوي وجبة المساء على الكباب أيضا في بعض الأحيان إضافة إلى المقليات بالدهن ، وفي أوقات متأخرة من الليل يتناول سعيد المشروبات الغازية والحلويات مع أصدقائه إضافة إلى الشاي المسكر والقهوة .

أحد المفرطين بالأكل ، الشاب جميل الجبوري الذي يزن نحو تسعين كيلوغرامًا وهو لما يزل دون العشرين ، حيث سبب له وزنه الزائد الإصابة بأمراض السكري وضغط الدم وعدم انتظام ضربات القلب .

واعتاد جميل تناول وجبات دسمة رئيسة ، كما يكثر من الأكل بين الوجبات. وغالبًا ما يتناول أحمد الأرز والمشروبات الغازية والمعجنات الغنية بالسكريات. ويعتقد أحمد أن الكثير من أصدقائه زاد وزنهم بسبب الاسترخاء وعدم الحركة والتنقل بالسيارة بشكل دائم، والعزوف عن الركض وحتى المشي.

أمراض شائعة

وبحسب مصادر في وزارة الصحة العراقية فان السكري، والسمنة، وتصلب الشرايين ، أمراض شائعة اليوم بين العراقيين . ورغم ان هذه الأمراض تشيع بين الكثير من الشعوب ، لكنها في العراق تأخذ بعدا آخر بسبب عدم الاكتراث الجمعي والشخصي بضرورة إتباع عادات غذائية وصحية لتجنبها حيث يقل الاهتمام بالرياضة، واتباع نظام غذائي مناسب ، يساعد على إذابة الشحوم والدهون الكامنة في الجسم .


ويؤكد المعاون الصحي في مستشفى الحلة (مركز محافظة بابل في وسط البلاد ) ان منظر الشباب الذين تستقبلهم غرف الطوارئ ممن يعانون ارتفاع ضغط الدم ومضاعفات السمنة المفرطة وأمراض المعدة بسبب الإفراط في الأكل ، يبدو يوميا في ظل قلة الحركة، وعدم ممارسة الرياضة، والرغبة في الاسترخاء لساعات طويلة بعد إشباع النهم من الأكلات الدسمة في المناسبات .

وتوفي المهندس حمزة ( 44 سنة ) من كربلاء (108 كم جنوب غربي بغداد) بعدما تناول صحنا من نوع من الحلويات الشعبية التي يطلق عليها اسم ( الدهينة ) ، بعد ارتفاع نسبة السكري لديه . و(الدهينة) نوع من الحلويات التي تحتوي كميات كبيرة من السكر والدهون .

وبحسب فلاح عبد جميل من شركة أدوية الموصل في نينوى (465 شمالي بغداد) فان من الأفضل لمرضى السكري تناول الكاربوهيدرات ذات السكري الواطئ لانها تفقد الوزن الزائد للجسم، وتقلل من احتمالية الإصابة بأمراض القلب والشرايين وتخفض مستوى الكولسترول في الدم..