لقاء مع الشاعرة والناشطة الاجتماعية الهولندية-الفلسطينية مهيبة خليل

حاورها في امستردام محمد موسى: الشوارع المؤدية الى بيت الطبيبة والشاعرة والناشطة الاجتماعية مهيبة خليل مزينة بصور ورسومات كبيرة للرسام الهولندي الكبير رامبرانت. أمسترادم المدينة تحتفل هذه السنة بالذكرى ال 400 لولادة أهم فنان هولندي على الاطلاق، السواح والهولنديون المتجولون حول متحف الدولة الهولندي حيث يعرض اهم اعمال الفنان يبعثون حياة نشطة في المدينة القديمة ويخففون قتامة اليوم الشتوي الداكن.
تستقبلك السيدة مهيبة على باب البيت الذي لا يبعد كثيرا عن المتحف والذي حول الجزء الاسفل منه الى عيادات لعلاج الاسنان بترحيب دافيء، يبدو البيت الذي ينتمي الى بيوت القرن الثامن عشر قد أستعاد عافية ما، عرفت لاحقا من السيدة مهيبة ان البيت اعيد ترمييم مفاصله المهمة بأشرافها ليناسب الساكنيين الجدد، روح الزمن حاضرة في البيت العريق وتشع من التفاصيل الكثيرة ومن الزجاج الملون لتراث معماري جمالي أبقي عليه.
الحديث مع السيدة مهيبة صاخب وومتع تتخلله الكثير من الاستعارات والكلمات الهولندية والانكليزية فالشاعرة والطبيبة والتي تعيش لأكثر من 25 سنة في مجتمع هولندي تجعل استعادة اللغة العربية واجوائها ليست بالسهلة دائما، ربما يصفى الحديث وتغلبه العربية عندما تتحدث مهيبة عن حيفا وبيت الطفولة، من موقع الكتروني ساعدتني السيدة مهيبة على ايجاده تفرجنا معا على البيت الكبير بيت الطفولة وزرقة بحر المتوسط في المدينة التي صارت بعيدة جدا الآن. هناك حزن لا تخطئة العين في عيون الشاعرة وهي تغلق جهاز الكمبيوتر لتختفي الصور من الشاشة مجددا.
التلفون لا يهدا في بيت السيدة مهيبة ويقطع حوارنا بانتظام، تبدو حياة واحدة لا تكفي لمشاغلها والتزامتها فالطبيبة والام والمحاضرة في الجامعات الهولندية عن الارهاب والتطرف الديني بكل صورة واشكاله تجد مع كل ذلك الوقت للشعر وزيارتة الليلية.
شعر الشاعرة مهيبة خليل قريب الى نفس صافي وروحاني، هناك عودة الى منابع الشعر البكر والابتعاد عن الفذلكة والتصنع، هناك أقتراب للصورة الشعرية عند الشاعرة مهيبة خليل من عالم ساكن روحي، عالم مازال نقيا مطرزا بالموسيقى الداخلية غير المقحمة بل النابعة من النفس الانسانية الشاعرة
السيدة مهيبة أجابت على الاسئلة الخاصة بايلاف باختصار جميل وسط نشاطها اليومي الذي يبدو ان لا نهاية له!

- حدثينا عن البداية... كيف بدات الرحلة الشعرية ورحلة الحياة؟ كيف شكل المكان الاول فلسطين وحيفا الذاكرة والذوق الاول؟
بدأت رحلة الشعر منذ الصغر حيث كانت مع الاساتذة في المدرسة وتشجيع في البيت وخاصة من الجد الذي كان يملك مكتبة كبيرة، كان والدي عاشق للكتب جدا وكان يقرا في الليل على الاغلب، أمي كانت قارئة جيدة وكانت مغرمة بشكسبير وأرنست هنمغواي وكانت مولعة بكتب الحرب العالمية الثانية..
كطفلة كان صعب على والدي تشجيعي على الكتابة والشعر لكوني فلسطينية ولحمايتي من الوضع السائد لذلك استمررت بالكتابة لنفسي لسنوات.
كتبت قبل سنوات قصيدة مزاد علني وهي كانت قصيدة تعبر عن شعوري بالفرح ووحدتي مع فرحي. مناسبة القصيدة هو حصولي بالصدفة على صور قديمة تذكارية لبيت جدي على ربوع جبل الكرمل في ضواحي كنيسة سيدنا الياس المقدس في حيفا فلسطين، الصور كانت في كتاب قديم من سنة 1833 عن تاريخ فلسطين اهداني اياه زوجي فكتبت (مزاد علني) تاثرا بهذه التجربة. بعد فترة أرسلت القصيدة الى معهد آرابيسك في أمستردام هولندا من اجل ترجمتها الى الهولندية واهدائها الى زوجي الهولندي والذي لا يقرا العربية. في اليوم التالي اتصل بي الدكتور فاروق أبراهيم مدير المعهد يسألني اذا كنت قد كتبت اشياء أخرى ومنذ متى وانا أكتب واصفا شعري بالشعر الروحاني. هذه قصة القصيدة مزاد علني..
كل لوحة شعرية لها قصة وحكاية، قبل 3 سنوات كنت في بيت أمير الشعراء أحمد شوقي ضمن مهرجان شعري هناك وعند عودتي من هناك صادفني طفل في الشارع هذا الطفل أخذ يشد في ملابسي ويتسول طالبا بعض النقود، الموقف كان صعبا جدا عند عودتي كتبت منامي طفل في القاهرة.
بالنسبة الى القسم الثاني من السؤال، كطفلة ترعررت في ربوع جمال الكرمل وكنت طالبة في مدرسة انكليزية خاصة لكني تربيت على يد مربية مسلمة علمتني الصلاة وقرآئة القرآن، كانت نفسي ذائقة مطمئنة في بيت عامر وجميل وهو بيت جدي حيث كان المجلس البلدي يجتمع في بيته. كانت الاحداث السياسية لفلسطين مسيطرة، كانت الحرب حدثا يزورنا كل سنتيين كنت الوم الوضع واتمرد أحيانا مثل شاعرنا الكبير محمود درويش الذي كان من الشباب المناضليين في جامعة حيفا وقد عرفتة عندما كان يعيش ويدرس في الكرمل. في الجامعة العربية في حيفا كانت نشاطات كثيرة لوحات وفن وشعر ومظاهرات.
الذوق..الذوق الأول هو المعدن الجوهر الذي غرسه في والدي، أمي كانت فنانة تصنع الملابس الجميلة، تحب الزهور وتصنع بعض الجواهر، كان اي شيء تصنعة امي يتحول الى شيء جميل وقريب الى التحفة، والدي كان يعشق ركوب الخيل والصيد وكان يزرع أراضيه بأشجار الزيتون، كان حقل جدي مليء بالبقر الهولندي، كان شباب القرية يتزينوا كالفرسان لاي حفلة عرس في البلد او لاي حفلة يقيمها جدي او والدي الذي كان يعزف الناي بحنان وعذوبة وكان يمارسوا في تلك الحفلات رقصات السيوف العربية. هذه الاشياء التي كونت ذوقي وكونتني.

- تعشين منذ فترة 25 سنة في هولندا كيف أثرت تجربة الهجرة والابتعاد عن البلد على تجربتك كشاعرة وامراة؟

من الطبيعي ان الحياة في حيفا هي من أجمل ما يكون، انا أخترت ان أعيش في الغرب لاعطي السلام والهناء لأولادي الثلاثة ولاعيش انا ايضا حياة مسالمة. الغرب ليس الجنة كما نعرف فالغرب عانى من اشياء فظيعة مثل الحربيين العالميتين الاولى والثانية والعنصرية على أساس اللون والدين. حرب يوغسلافيا برهنت ان دروس الحرب العالمية الثانية لم يستفد منها الغرب وانها لم تكن كافية للوعي الانساني وكيف يجب ان ان يحترم الشخص الآخر المختلف بغض النظر عن الدين والهوية.
الحقيقة انني عبر السنيين تعلمت أشياء صغيرة من الغرب، لم تتغير أشياء في شخصيتي جذريا بل تلقائيا مثل حرية التعبير واحترام الآخر واحترام الوقت والمواعيد. أنا لا أعد نفسي منتسبة الى الغرب بل زائرة وكل زائر عليه ان يحترم أهل البيت ويعيش معهم، انا مؤمنة ان كل بلد هو بلدي وكل أرض أرضي لأن الله تعالى لا يعرف حدود وهويات وهذا يجب أن يكون أختيار الأنسان.

- هل تكتبين عن حيفا او بلدك؟

انا لا أكتب عن بلدي ولا أرى بلدي كمكان وزمان، هولندا في الوقت الحاضر هي بلدي ربما يتغير هذا الشيء في الغد لتكون فرنسا او كمبوديا او اي بلد عربي هو بلدي لذلك أقول في أحد نصوصي وهجرتي في وحدة سكنية. كلما أحترمني الشخص الذي أتعامل معه كلما سيجعل حوارنا عاقل وليس المهم من اي لغة وبلد او مكان او زمان. اقول دائما انا زائرة على هذه الارض فهذه الأرض هي هدية من الله كلما احترمناها واحترمنا من فيها سوف نعيش في هناه.

- كيف يولد النص الشعري لديك؟
قد لا تصدق لكني أكتب النص الشعري في منامي! أنا أكون مشغولة جدا بالنهار بحياتي وانشغالاتي وتوحدي مع المجتمع الذي أعيش فيه لذلك لا أضغط على نفسي بالكتابة ابدا بل القصيدة تاتني على هيئة أيحاء يمكن ان تسميه ايحاء رباني مثلا عندما وقع أعصار التسونامي كتبت نصا بعوان آسيا، لقد حلمت بهذا النص ايضا. أعمل بجانب السرير وادون الملاحظات هناك وفي الصباح اقرأ ما كتبت هذا. عشق للشعر وليس نص شعري.


- هل تتابعين الادب العربي وكتابات زميلاتك الاديبات العربيات في الدول العربية؟

للاسف لا أتابع كثيرا التطور العربي في الشعر والادب فانا عاشقة للأدب والشعر الاندلسي والقرآن الكريم. كل آية من الكتب المقدسة هي آية شعرية. للاسف لمشاغل الحياة والعمل اليومي في العيادة لااجد الا بعض ساعات الهدوء في المساء للقراة.

- كيف تعيشين يوميات الحياة اليومية بين مشاغل الحياة كأم وطبيبة والنشاطات الكثيرة التي تقوميين بها والشعر؟

من الطبيعي ان الحياة اليومية لا تقدر ان تجلب الهناء ونحن معرضون ان ننسى من نحن مع مشاغل الحياة التي لا تنتهي. الشعر هو نوع من الاحساس الروحاني الذي يعطي مع جمال اللغة العربية شيء من الرضا والهناء وهو يقارن ببحر كبير مليء بالافكار.
أنا أعشق الصمت واحب الوحدة واحب أن أختصر الكلام. احب الاشخاص بجوهر مليء بالاحساس والمعنوية والصفات الروحية الربانية. أحاول في الغربة ان أعلم أطفالي الطقوس والكرامة والحضارة العربية في الثقافة والتفكير والتعمق في الامور والابتعاد عن السطحيات، لقد قابلتهم بنفسك فهم فنانون يفتخر بهم كذلك ولقد ذكرهم رئيس الوزراء الهولندي في أحدى كلماتة ضاربا مثلا بهم كنموذج للاندماج العميق بين ثقافتيين وهم عازفيين موهبيين جدا على البيانو والكمان ويعزفزن دائما في حفلات داخل وخارج هولندا.

- من انشغالاتك الكثيرة هي القاء محضارات عن التطرف ومشاكل المهاجريين في الجامعات الهولندية، كيف تنظريين كأمراة الى مشكلة التطرف المتزايدة والتي وصلت الى أمستردام؟

هذه المشكلة قد وجدت من سنين واعوام كثيرة هي ليست مشكلة ولدت بالامس خذ لنفرض التاريخ الاوربي الغربي وتاريخ العبودية وبيع البشر في أفريقيا، خذ ايضا التمييز العنصري الذي عانا منه اولاد عمنا الشعب اليهودي (والذي يعاني حتى اليوم من التمييز العنصري بصور بشعة). الاساس هو في التربية والذي يسمى في الغرب التعنصر بمعنى التمييز العنصري ضد اي عنصر آخر مثلا نحن العرب عندنا ايضا مفهوم آخر للتمييز ولكن بصورتة الشرقية. المشكلة الاساسية هو عدم الاحترام للشخص الآخر، الحب والاحترام اشياء تكلف أي شيء. هناك اشياء خاصة في كل مجتمع قد لا نعرف اساسها لكننا يجب ان نتحترمها لنتصور الحياة هنا مثل التبادل الثقافي والاجتماعي المنظم عندها يكون الاحترام شيئا اساسيا.
بالنسبة الى المهاجريين هنا، المهاجر هو الشخص الذي يطلب الامان في بلد آخر من أجل ان يبني بيتا امان له ولعائلته، المهاجر يجب ان يتكيف ويحترم البلد الذي يعيش فيه وهذا لا يعني ان طابع البلد يجب ان تتغير ليلائم المهاجر.
الحرية التي تعيشها النساء في الغرب هو شيء يخصهن لكني لا أشاركنهن فيها لكني أحترمها كما أحترم الحجاب الذي أعتبره تواضعا لماذا تلبس الراهبات الحجاب في المسيحية ولا يثرن اي أحد ولا يضرن بشوؤن المجتمع؟

- الشاب المغربي محمد الذي قتل المخرج الهولندي فان كوخ يسكن في مدينتك وليس بعيدا جدا عن الحي الذي تسكنيين فيه. كأمراة عربية مثقفة ماهي برايك الاسباب التي أنتجت فكرا متطرفا في مدينة مسالمة كأمستردام، هل كان ممكنا أنقاذ المخرج المقتول وقاتله؟

لقد شاهدت الفلم الذي أخرجه المخرج الهولندي فان كوخ عن قصة وسيناريو للسيدة أريان عيشي علي في اليوم الاول لعرض الفلم. كان لي أعتراض على الطريقة البشعة الذي تم تقديم العادات الاجتماعية بكونها شرائع، مع التاكيد ان هذه العادات هي عادات فريق صغير من العالم الاسلامي لذلك يصبح من الخطر تعميم الفكرة على كل المسلميين من موقعي كطبيية وشاعرة اعارض فكرة القتل بالكامل.
قتل الشاب محمد للمخرج أمر مؤسف حقا لكنه اقتناع شخصي له ناتج عن فهمه الخاص للاسلام لانه توجد طرق أخرى للتعبير عن الشعور واطلب السماح الرباني له لكي يتوب عن أفعاله، لاتوجد في القرآن نصوص تقول بقتل الفتاة اذا ذهبت مع عشيقها، هذه عادات وتقاليد شعبية وليست من الدين بشيء، حجاب الفتاة هو تواضع والدين هو تواضع ومحبة.

- في هولندا ظاهرة الناشطة والسياسية الهولندية من اصل صومالي مسلم أريان عيشي آلي هذه السيدة سيطرت على نشرات الاخبار لفترات طويلة بسبب هجومها على الاسلام وتعامله مع المرأة، كيف تنظريين الى تجربتها وتداعيات ان يتحول موضوع النساء الشرقيات الى موضوع سياسي في أجندة الاحزاب السياسية الهولندية؟

هذه السيدة تقول انه غير مسلمة وليست مؤمنة ومع ذلك تطلق أحكاما عن الاسلام وتدعي معرفة الاسلام كيف تريد ان تفسر الذي لا يفسر بعقل لا يعرف ولا يحترم.
هناك العديد من الحقائق والامور التي لانعرفها والتي قد تبدو لنا واضحة وهي ليست كذلك. المرأة العربية لها كرامة وعفة يجب ان تحترم، المرأة العربية تعرف مكانها لذلك عليها ان تصمد وتعطي الهوية الشرقية جمالها مع الابقاء على حبها للمجتمع الهولندي او المجتمع الغربي. هناك مثل بالهولندي يقول الاحترام لا يكلف شيء!

- بالنهاية لا يمكن الا السؤال عن مشاريعك الادبية والمهنية القادمة؟
أقوم حاليا مع آخريين بالعمليات النهائية لمشروع ثقافي فني عربي كبير في هولندا، هذا المشروع اقوم به بمشاركة خبرات من التلفزيون الهولندي لعرض الثقافة والحضارة العربية. التظاهره تنظمها
Ambianz Entertainment group
وهي منظمة هولندية تعنى بنشر الثقافة العربية والادب العربي والشعر الاندلسي في هولندا واوربا
وسوف تكون السيدة
Sigrit Van Der Linden
وهي مخرجة ومنتجة معروفة بخبرتها في أنتاج الاعمال الكلاسيكية للتلفزيون الهولندي مخرجة التظاهرة.
لقد كنت ضيفة عند الموسيقار العربي الكبير عمر خيرت وهو سيكون مشارك في هذه التظاهرة الفنية الثقافية التي ستجري قريبا وسوف أصاحب الموسيقار عمر خيرت بقرآئة بعض قصائدي.
كما أحضر لأصدار كتاب باللغات العربية والهولندية والانكليزية لمجموعة من قصائدي ونحن نشتغل الآن على الترجمات الانكليزية والهولندية وسوف يصدر مع الكتاب اسطوانة دي في دي وسي دي لمويسقى عمر خيرت كما اواصل نشاطاتي ومحاضراتي عن العنصرية والتطرف في الجامعات الهولندية وغيرها.