كتب - ممدوح رزق: هل ما أطلبه منكِ كثيرا بالفعل ؟ .. هل هو صعب وقاسي عليك إلى هذه الدرجة ؟ .. لا تحاولي إقناعي بهذا .. تعلمين أننا أصبحنا متحررين من الالتزام بأي واجبات أخلاقية وعاطفية كنا نتمسك على الأقل بالحد الأدنى منها كي يجد كلا منا سببا للبقاء في حياة الآخر .. لم يعد أيا منا الآن مسؤولا عن حماية الثاني من الأذى أو مجبرا على أن يضمن له أي قدر من الحفاظ على سلامة مشاعره من الألم .. تعرفين أيضا أنني أضعف من أن أمثل تهديدا لكِ أو لغيرك .. لماذا لا تستجيبين لي إذن ؟ .. تذكري من فضلك أنني لم أخبيء عنك شيئا أبدا .. أنا تقريبا كنت طوال الوقت عاريا أمامك .. تذكري ما حكيته لكِ عن طفولتي التي عشتها في قريتي القذرة وعن الطباع والعادات الريفية الغبية والمضحكة لدى أبي وأمي وأقاربي وبالطبع اللهجة البشعة .. هل تتذكرين كيف أضحكتك كثيرا وأنا أؤدي بها عروضا كوميدية أقلد فيها فلاحي عائلتي كلما رأيتك حزينة ؟ ..

تذكري أيضا ما حكيته لكِ عن ( المنصورة ) وسنوات الدراسة ونادي أدب الجامعة ونادي الأدب بقصر الثقافة والمقهى والنادي اليوناني والندوات التي كنت أشعلها بتهكمي اللاذع على الكتّاب الذين لم تكن نصوصهم أكثر من إعادة تدوير لما تبرزّه محمود تيمور ونجيب محفوظ ويوسف إدريس والمتنبي وأمل دنقل وصلاح عبد الصبور ونزار قباني وتشيكوف وموباسان .. حكيت لكِ عن المسجّل الصغير الذي كنت أخبئه وهو يعمل في حقيبتي كي أوثق به سباب وسخرية أحد الأصدقاء من صديق آخر بتحريض غير مباشر مني كي أعيد تشغيله فيما بعد أمام أذني الصديق الآخر المسبوب والمسخور منه بصفتي حريصا على كرامته المهانة ..

تذكري أيامنا الجميلة معا بعد مجيئي إلى القاهرة واستقراري بها .. تذكري النقاشات والضحكات و( الاشتغالات ) الرائعة مع أصدقاءنا الكتّاب والمدونين على ( زهرة البستان ) و( التكعيبة ) و( الندوة الثقافية ) .. تذكري كتابات ( بارت ) و( فوكو ) و( دريدا ) التي نحبها والتي كنا نجلس ونتبادل آراءنا وأفكارنا عنها لساعات .. تذكري طلابي الأجانب الذين عرفتِك بهم وكنت تشاركينهم أحيانا حصص الأدب العربي التي أدرسّها لهم .. تذكري التصاقنا أثناء الوقفات الاحتجاجية على سلم نقابة الصحفيين .. تذكري أول سيجارتي بانجو دخنّاهما معا في شقتي بـ ( المنيب ) .. أول حضن وأول قبلة وأول لمسة من يدي لثديك ومن فمك لعضوي .. تذكري أول تدفق لسائلي المنوي بين فخذيك ..

تذكري حفل زفافنا وحفل توقيع كتابي بمكتبة ( البلد ) وحفل عيد ميلادك في ( ( cilantro.. تذكري كل حفلات ( التهييس ) التي أقمناها في بيتنا وشاركنا فيها الأصدقاء تأدية أدوار فكاهية ساخرة قلّدنا فيها السياسيين والإعلاميين والشيوخ والفنانين والنقاد والمثقفين وأنفسنا أيضا .. بحق كل شيء عشناه معا وتشاركنا خوضه ويمثل لكِ ذكرى جديرة بالتقدير أريدك أن تخبريني : كم مرة نام معكِ صديقنا العزيز ( ممدوح رزق ) ونحن متزوجان ؟ .. صديقنا الإقليمي الخانق الذي لم يقم في ( القاهرة ) لأنه يكرهها ولأنه ـ بحسب قناعاته الخائبة ـ لا يمكنه العيش في مدينة لا توجد له ذكريات طفولية فيها ولم يدفن في أرضها موتى من أسرته .. ما علينا .. من نام معكِ غيره أيضا وكم مرة وأين وفي أي وقت ؟ .. أنا أعرف أن سكوتك هذا أبعد ما يكون عن الخجل والإحراج وأقرب ما يكون إلى الخبث والسخرية مع قدر محتمل من الإشفاق عليّ ..

أعرف أن رفضك للكلام لا يمكن أن يكون نتيجة أي نوع من الحرص على مستقبل جميل يمكن أن يجمعنا مرة أخرى في سياق جديد بعد طلاقنا .. صدقيني لن يفيدك السكوت ولا الخبث ولا السخرية كما أنك مخطئة بالتأكيد في الإشفاق عليّ .. هل يتعذب الله بسبب المعلومات التي يجمعها عن البشر ؟ .. اعتبريني مثله يا سيدتي ولكن مع فارق بسيط وهو أنني لن أجعلكم تنتظرون حتى الموت كي تعرفوا النتيجة .. أنا قررت أن أغفر لكم جميعا ودون أي استثناء .. تكلمي من فضلك .. أرجوكِ .