تتقاطع مختلف المعطيات الامنية والاستخبارية سواء كانت بحوزة الجيش اللبناني أم القوة الدولية اليونيفيل وايضاً حزب الله عند نقطة مشتركة، هي ان إقدام اسرائيل بتفجير جهازي الرصد والتجسس عن بعد من داخل الاراضي الفلسطينية المحتلة بعد زرعهما في وادي العنق بين بلدتي حولا وميس الجبل ليس سوى استمرار لحرب استخبارتية تدور بين اسرائيل والحزب، عنوانها شبكة الاتصالات الخاصة اقامها الحزب وتمر في كل قرية ومدينة وواد في الجنوب والضاحية الجنوبية لبيروت وبعض قرى البقاع الغربي وبعلبك الهرمل.
لطالما اعتبرت قيادة quot;المقاومة الاسلاميةquot; وعلى رأسها الأمين العام للحزب السيد حسن نصرالله ان المس بهذه الشبكة خط احمر. واكثر من ذلك اضاف السيد نصرالله في خضم الازمة السياسية والتجاذب الذي نشأ في لبنان وطال بعد حرب تموز/ يوليو 2006 أن هذه الشبكة بدورها واماكن انتشارها هي من الاسلحة المشروعة للمقاومة، فهي التي تحمي كوادرها وتؤمن وسيلة اتصالات سلكية مضمونة ومكفولة ضد وسائل التنصت والتجسس، بعيداً عن الاتصالات اللاسلكية والخلوية المراقبة بدقة من الاسرائيليين والاميركيين. وذهب quot;حزب اللهquot; بعيداً في ملف شبكته، فلم يتردد لحظة في القيام بـ quot; انتفاضة 7 ايار/ مايو 2008quot; بعد اتخاذ حكومة الرئيس فؤاد السنيورة قرارين شهيرين كان من ضمنهما اعتبار شبكة اتصالات quot;حزب اللهquot; غير شرعية وأعطت الاوامر للبدء بتفكيكها وخاصة في المناطق البعيدة عن الجنوب، والتي لا يمكن للحزب تبرير تمرير كابلاته فيها.
كيف اتخذ quot;حزب اللهquot; قراره بتمديد هذه الشبكة؟ من عاونه؟ وكيف توسعت من الجنوب لتشمل اكثر من نصف الاراضي اللبنانية؟
بعد تحرير الجنوب عام 2000 وضع quot;حزب اللهquot; دراسة مستفيضة عن طريقة إنشاء شبكة اتصالات خاصة به بمعزل عن الشبكة الرسمية وشبكة الخلوي المعرضة للتنصت، ولكنه لم يتحمس للتنفيذ بادئ الامر بسبب تحكم حليفه الاستراتيجي النظام السوري في هذا القطاع وحرصه على عدم المساس بأمن المقاومة وقادتها، رغم بعض الخروق المعروفة. ولكن بعد انسحاب الجيش السوري من لبنان في نيسان/ أبريل 2005 والتغيرات السياسية المتلاحقة التي شهدها لبنان ومن ابرزها حدوث quot;ثورة الارزquot; وصدور القرار 1559 اعاد quot;حزب اللهquot; فتح ملفه القديم عن الشبكة واستحصل في خريف 2005 على مرسوم جمهوري بشأنها من الرئيس السابق للجمهورية اميل لحود من دون الرجوع الى الحكومة اللبنانية، وصدرت التعليمات بوجوب مباشرة إنشاء شبكة اتصالات، تهدف بحسب مصادر quot;حزب اللهquot; الى quot;حماية قادة المقاومة من الهجمات والاغتيالات، وكذلك تأمين خط اتصال بين كوادر المقاومة وعناصرهاquot;.
بهذه الاسباب مجتمعة انطلقت آليات الحزب المستأجرة من بعض المتعهدين اللبنانيين في العمل، وبوشرت اعمال الحفر والتوصيل في قرى محافظتي الجنوب والنبطية، بإشراف الحزب وموافقة اتحاد بلديات الشقيف والزهراني والقائمقين والمسؤولين الإداريين المعنيين، واتسم العمل بالسرية التامة والكثير من اعمال التمويه، وكان الستار أو الذريعة تارة تمديد شبكة للانترنت كما حصل في مدينة النبطية، وطوراً اعادة تأهيل شبكات الهاتف.
وفي مقابل عمليات الحفر والتوصيل في قرى قضاءي النبطية والزهراني، كانت هناك ورش مختلفة للعمل في قضاءي صور وبنت جبيل اضافة الى البقاع الغربي وبعلبك. وفي شباط/ فبراير 2006 اكتملت الشبكات الرئيسة في معظم المناطق الجنوبية والبقاع وبعلبك، وتم وصل شمال الليطاني بجنوبه، وبذلك تأمن للحزب خط اتصال ساخن يمتد من بعلبك- الهرمل مروراً بقرى البقاع الغربي، وصولاً الى اقضية النبطية وصور حتى الناقورة وعيتا الشعب. وأدت هذه الشبكة دوراً بارزاً خلال حرب تموز 2006 ، إذ أحسن الحزب الإفادة منها. واشارت بعض المعلومات الى ان السيد نصرالله كان يتابع سير العمليات العسكرية في بنت جبيل ومارون الراس عبر هذه الشبكة الارضية.
بعد الحرب مباشرة جاءت المرحلة الثانية من إنشاء الشبكة واعادة تأهيلها من جراء الأضرار الجسيمة التي اصابتها. ورأى quot;حزب اللهquot; في مشروع quot;الهيئة الايرانية لإعادة اعمار لبنانquot; التي تعهدت تأهيل الخط الدولي الممتد من مدينة النبطية حتى بنت جبيل اضافة الى تأهيل 572 طريقاً فرعياً في الجنوب- ومع الهيئة وبالتعاون معها شركات معمار، وحطاب، نعمة حيدر والصفاوي- عاملاً مساعداً لتوسيع الشبكة وتمديدها. فبموازاة عمل quot;الهيئة الإيرانيةquot; في الحفر على طول الخط الرئيس والطرق الفرعية، كان التنسيق تاما وكاملا مع quot;الهيئةquot; المذكورة، والورش تنشط تحت انظارها وباشراف quot;مؤسسة جهاد البناءquot; التابعة للحزب. وفي ربيع وصيف 2007 امتدت اعمال الحفريات الى داخل العاصمة بيروت والضاحية الجنوبية. وشهد شهرا تموز وآب/ يوليو وأغسطس في العام نفسه اضخم اعمال الحفر بموازاة عمل مشروع quot;وعدquot; لاعادة اعمار الضاحية، وامتد العمل بالشبكة الى القرى الشيعية في قضاء جبيل في محاولة لربطها مع الضاحية في خلال كابل اتصالات سري. وجاء اتفاق الدوحة في ايار/ مايو 2008 ليعطي طابعاً شرعياً لبنانياً لهذه الشبكة، أقله من خلال الإعتراف بأمر واقع ممنوع المس به، الامر الذي اعاد بوصلة الصراع والمواجهة الامنية والاستخباراتية بين quot;حزب اللهquot; واسرائيل على قاعدة إن quot; من يخترق الآخر يكسب المعركةquot;.
التعليقات