باتت ظاهرة عمالة الاطفال تتفشى اكثر فاكثر في لبنان حيث من الصعب تصور أن هناك نحو 45 ألف طفل عامل في بلد لا يصل عدد سكانه إلى 4 ملايين نسمة. وفيما يعد الفقر الذي بات يتاكل العائلات اللبنانية السبب الرئيس في تفشي هذه الظاهرة، الا ان المراقبين يصفونها بظاهرة مؤسساتية حيث نجد شبكات عائلية ومؤسسات تستفيد وتستغل هؤلاء الأطفال لتحقيق مكاسب مادية كبيرة رغم القوانين والتشريعات العديدة التي اقرها القانون اللبناني بهدف حماية الطفولة.

بيروت: حيثما تجولت في المدن اللبنانية تطالعك ظاهرة لم تعد مستغربة البتة ، حيث تجد الأطفال يستغلون زحمة السير ويتراكضون لمسح زجاج السيارات، أو يتربصون بالمارة على النواصي ليبعونهم اللبان أو اليانصيب ، أو يتجولون بين السيارات لبيع عبوات المياه الباردة خلال الصيف القائظ.


ونتيجة تدهور المستوى المعيشي عموما، والتفكك الأسري اضطرت بعض العائلات إلى إرغام أولادها على مزاولة أي عمل، شريطة تأمين معيشتهم وإعالة أنفسهم، حتى لو كان التسول في الشوارع، أو أسوأ من ذلك.

كذلك أرغمت بعض العائلات أولادها على مساعدتها في العملية الإنتاجية لكسب العيش وإن اعتبر هذا العمل مشروعاً ، بالإضافة إلى وجود العديد من المنظمات التي تستغل الأطفال وتستثمرهم.

وإذا كانت عمالة الأطفال مشكلة اجتماعية فرضتها الظروف الاقتصادية والاجتماعية على البعض في لبنان ، فإن هذه المشكلة تفاقمت بعد الحرب الأهلية، وربما أصبحت مستعصية على الحل في المدى المنظور.

وقالت الباحثة في مجال الصحة العامة والإعلام إيلينا ناصيف quot;إن ظاهرة عمل الأطفال هي ظاهرة مؤسساتية ، حيث نجد شبكات عائلية ومؤسسات تستفيد وتستغل هؤلاء الأطفال لتحقيق مكاسب مادية كبيرة، لا يحصل الأطفال إلا على النذر اليسير منها quot;.

وأضافت ناصيف quot;لكن يجب أن نستثني بعض الحالات التي يقوم الأطفال بمساعدة أهلهم بأعمال الزراعة في فترات معينة من السنة ، حيث لا يمكننا أن نصنف ذلك على أنه عمالة ، كما أنه علينا أن لا نبالغ بالنظر إلى الطفل من وجهة نظر أوروبية، تعتبره ضعيفاً ومحتاجاً للمساعدة quot;.

وتابعت quot; علينا أن ننظر إلى الطفولة على أنها مرحلة عمرية يحدد نهايتها نمط الإنتاج الاقتصادي وخصوصية المجتمع، لأن الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية هي التي تحدد نهاية مرحلة الطفولة وبداية مرحلة النضج والإنتاجquot;.

ومن الواضح أن لكل مجتمع خصائصه الثقافية التي تحددها مجموعة من الظروف، أهمها الاقتصادية ، ولذلك ينبغي قراءة الظواهر الاجتماعية من هذا المنظور، وكذلك تصنيفها كمشاكل اجتماعية، أو اعتبارها ظواهر مفيدة حسب معيار الإفادة والضرر منها، في كل مجتمع .

واعتبرت ناصيف أن تحديد المراحل العمرية quot;يجب أن يتناسب مع خصوصية كل مجتمع. ففي أوروبا يؤخر الراشدون دخول الأطفال إلى سوق العمل لان المجتمع قادر على تأمين حاجاتهم ومتطلباتهم. وقد يختلف الأمر في لبنان لدى بعض الفئات الاجتماعية ، خاصة التي تعتمد على الزراعة، والتي يدخل الطفل فيها مرحلة الإنتاج في عمر مبكر جداً، بسبب الظروف الاقتصادية لتلك الفئة وطبيعة نمط الإنتاج لديهاوقد يكون ذلك أمراً مشروعاً quot;.

وقد يتعرض الأطفال العاملون لأخطار كبيرة تلحق بهم الأذى الجسدي بسبب ظروف العمل غير الآمنة، كما هو الحال في المناجم والمصانع ومجال البناء بالإضافة إلى الضغوط النفسية والاستغلال والقسوة، ما يؤثر سلبا على عاطفتهم و سلوكهم الاجتماعي والأخلاقي داخل أسرهم .

وقالت ربى خوري مديرة مكتب لبنان في المنظمة السويدية لرعاية الأطفال quot;علينا دائماً أن نعود إلى اتفاقية حقوق الطفل التي وقع عليها لبنان والتي تحمي الطفل من مخاطر العمل. فالطفل العامل يخسر حقه باللعب وبممارسة طفولته ، بالإضافة إلى أن معظم ظروف العمل لا تعتبر آمنة بالنسبة للطفل خاصة في المصانع وعلى الطرقاتquot;.

و لمعالجة هذه الظاهرة أجرت الدولة اللبنانية بعض التعديلات على قوانين العمل، بالإضافة إلى التوقيع على العديد من الاتفاقيات الدولية والعربية المتعلقة بعمل الأحداث أو بعمالة الأطفال .

وأضافت خوري quot;يجب أن تكون القوانين الخاصة بعمل الأطفال مدروسة بشكل جيد وناتجة عن تنسيق بين وزارات الشؤون الاجتماعية والتربية والصحة، من أجل تأمين الظروف الفضلى لرعاية الأطفال، لكن المشكلة لا تتعلق فقط بالقوانين وإنما بكيفية تطبيقها quot;.

وتابعت quot;يمكن الحد من هذه الظاهرة عندما نعالج مشكلة التسرب المدرسي وعندما نلتزم بتوصيات اتفاقية حقوق الطفل التي وقعت عليها معظم الدول ، والتي تقضي بجعل التعليم إلزاميا ومجانيا لكافة الأطفال في البلد ، حتى عمر معين . ومن ناحية أخرى ينبغي تأهيل الأساتذة في المدارس ليحسنوا التعاطي مع التلاميذ ، ويدفعونهم إلى التعلم بواسطة الترغيب وحسن المعاملةquot;.

وقال علي معطي( 15 سنة)، من منطقة الطريق الجديدة في بيروت quot; تركت المدرسة بعد ان انهيت الصف التاسع وذلك بسبب ما كنت أتعرض له من إهانات وسوء معاملة ، وأعمل حاليا في تركيب زجاج السيارات ، في منطقة الدورة (شرق بيروت) مع شخص معروف من قبل والدي يعاملني برفق وكأني الأخ الأصغر ، الأمر الذي يشعرني بالراحةquot; .

وتابع معطي quot; بالطبع أجري يقل ّعن أجر الكبار ولكنني أجمع المال لأشتري دراجة نارية ، لأن والدي لا يحتاج لمساعدتيquot;.

وتتركز نسبة الأطفال العاملين في لبنان ، في المناطق المحرومة إجمالاً، حيث تحظى منطقة الشمال بالعدد الأكبر منهم، وتستحوذ ثلاثة أقضية في الشمال على حصة الأسد، وهي طرابلس وعكار والمنية.

وقال أحمد عبيد(9 سنوات) من المنية قرب طرابلس في شمال لبنان quot;أتيت مع أخي عماد( 13 سنة)، إلى منطقة انطلياس في شرق بيروت لنبيع الأقراص المدمجةquot;.

وأضاف quot;أعيش في طرابلس ، حيث تسكن عائلتي المؤلفة من 14 ولدا و10 بنات ، فقد تزوج والدي الذي توفي منذ فترة بأربع نساء ، ونحن جميعاً نعمل لنعيل أنفسناquot;.

ويقدر عدد الأطفال العاملين من الفئة العمرية (10-17سنة) في لبنان بنحو 43400 طفل منهم 8ر11 % ما بين 10 و13 سنة و 2ر88 % بين 14 و17 سنة وتتوزع هذه النسب بين 5ر87 % للذكور و 5ر15% للإناث.

وقال المنشط الاجتماعي كرم أبي يزبك quot;إن مسببات ظاهرة عمل الأطفال عديدة، منها ثقافية تتعلق بطرق العيش التي تشكل نوعا من الاستمرار للنمط الزراعي، واقتصادية تتمثل بعدم توفر فرص للعمل وارتفاع الضرائب والفواتير غير المدروسة والكلفة الباهظة للخدمات التي تؤمنها الدولة في لبنان ، ما يضطر الأهل إلى دفع أولادهم إلى سوق العمل لكسب الرزقquot;.

وتابع أبي يزبك quot;وعلى الرغم من وجود مراكز لإيواء الأطفال العاملين، إلا أن الحلول تبقى مؤقتة، وتعيد إنتاج المشكلة من جديد، في ظل الظروف الاقتصادية المتردية التي لا تسعى الدولة بشكل جدي لتحسينها . كما أن هناك حاجة دائمة للالتزام بالقوانين وتنقيتها من الثغرات التي تعترض تطبيقها، وهنا يكمن دور المجتمع الأهليquot;.

ونلاحظ انتشار بعض الاطفال من جنسيات عربية في شوارع بيروت وضواحيها بهدف جني ما تيسر من مال، من خلال بيع الأقراص المدمجة أو الادوات المنزلية أو غيرها مما تيسر.

وقال محمد عيسى (15 سنة ) من سوريا quot; أسكن مع اربعة رفاق لي أنا أصغرهم في غرفة استأجرناها في منطقة صبرا (احدى ضواحي بيروت ونعمل جميعاً ببيع الأقراص المدمجة التي نحضرها معنا من سوريا.quot;

وأضاف عيسى quot; إنها المرة الاولى التي آتي فيها الى بيروت وهي تجربة ربما لن اكررها.أنا هنا بسبب الحاجة ، أتيت لأجمع القليل من المال الذي سيساعدني على متابعة تحصيلي الدراسي في الشتاء بعد أن أعود إلى بلدي.quot;

عندما تسأل الأطفال العاملين عن سبب زجهم في ميدان العمل حتى تتلقى أجوبة من نوع الهموم الأسروية والفقر والحاجة والمدرسة ..لكنها أجوبة تشي بان الخيط بين التشرد وعمالة الأطفال واهٍ. وإن وجود الأطفال في الشارع أو في مؤسسات العمل المخصصة للكبار هو من أسوأ ما يمكن أن يصيب الطفولة التي يجب أن تنال عناية خاصة.